الشيخ زكي بني إرشيد أحد أبرز صقور “إخوان الأردن” بالنسخة الجديدة “يتأردن ويتمدّن”

سواليف

“يتأردن ويتمدّن” القيادي الشيخ زكي بني ارشيد والموصوف بالصقوري في جماعة الإخوان المسلمين الأردنية التاريخية، فيرفض قطعياً أن يتم تشبيه الجماعة الأردنية بأي نموذج اخر بما في ذلك النموذج التركي (الذي من المفترض انه الأكثر نجاحاً في تاريخ الاخوان المسلمين الحديث)، كما يقرر الشيخ وفجأة وبلا مقدمات أن يؤكد لـ “رأي اليوم” أنه يريد دولة مدنية، ويدعو الجماعة لفصل الدعوة عن السياسة.

رغبته بالبقاء ضمن إطار نموذجٍ أردني، لم تنفِ ملاحظات “رأي اليوم” لكونه مُلهَمٌ بالنموذج التونسي للجماعة (المتمثل بحزب النهضة)، ولكونه في الوقت ذاته مستفيد جداً من الضربة التي تعرض لها الاخوان المسلمون في مصر. الرجل عقد المقارنة صراحةً ليظهر كيف أن نموذج الدول المدنية هو الأنجح، مبينا ان التشاركية التي قام بها النهضة التونسي أسهمت في ثلاثة أمور: حفظ تجربة الربيع العربي، وحفظ الدولة التونسية واستقرارها، والأخيرة حفظ التنظيم بحد ذاته من مصير يشبه نظيره المصري.

بكل الأحوال، وقبل الخوض في تفاصيل الحوار مع الشيخ بني ارشيد الذي رحّب بـ “رأي اليوم” وتحدّث بانفتاح، لا بد من القول ان جماعات الاخوان المسلمين جميعاً اليوم وفي كل بقاع الأرض يبدو انها تحيا انكفاءة لداخل حدود دولها، وتتطور نحو براغماتية أوسع، وسياسية أبعد عن الدعوية، ونماذج محلّية تستلهم من بعضها عملياً ولكن مفرداتها لم تعد تجنح نحو اعتبارها أجزاء من تنظيم كوني عابر للدول.

استقبال يقول الكثير..

استقبل الشيخ بني ارشيد “رأي اليوم” في مكتب حزب جبهة العمل الإسلامي في الجبيهة وبصورة ودودة ومنفتحة وضّح موقفه الجديد بالقول “نعم أقوم بمراجعتي الخاصة ونقوم في الجماعة بمراجعة كاملة لنهجنا حتى نستمر.. قبل فترة وصلنا لمرحلة صعب الاستمرار بذات الزخم والوزن إذا ما تمترسنا فيها”.
مقر الحزب الذي نادى من خلاله القيادي بني ارشيد بدولة مدنية، في عمارة لا تبدو مكتملة البناء، وفي باب الحزب استقبل “رأي اليوم” أحد الإداريين، طالباً بتجهّمٍ -وعلى الطريقة الكلاسيكية الاخوانية- من مراسلة الصحيفة “خلع حذائها” ليرشدها لاحقاً الى مكتب الشيخ، وبالوصول لمكتب “أبي انس” توثّق الرجلان من ان يبقى الباب مفتوحاً تماماً ويسنداه بكرسي، كل هذه التفاصيل كانت لا تزال توحي بالقواعد القديمة للجماعة، فالحزب يتعامل مع “أرضية مكاتبه” كمكان للصلاة والعبادة تنجّسها الأحذية، ويمنح لنفسه الحق في فرض قواعده على الزائرة (التي قبِلت طبعاً من جانبها).

بني ارشيد في مكتبٍ بعيد، ولا يستقبل زواره غالبا في المقرات وسط عمان، هكذا يقول من يلاقونه، ولكنه بالمقابل يرفض القول انه يسعى لاي خلاف، ويصر على اظهار نقاط التوافق وان اخفق يقول “وهذا لا يزال مثار نقاش في الجماعة”.

الجلوس أمام بني ارشيد بعد هذه التفاصيل الصغيرة جداً والروتينية غالباً لمن هو قريب من الجماعة، حمل الكثير من الأسئلة عن مدى حقيقة الرواية التي روتها شخصية اردنية موثوقة جداً لـ “رأي اليوم”، اعتبرت ان أكثر ما يحتاجه الباحث عن حقيقة ما يجري في عمان هو أن يقابل الشيخ بني ارشيد، ليدرك أن “كل الأردن” يتغير.

النصيحة في حينها- وإن لم تكن واضحة تماماً- بدت مغرية صحفياً، كونها تقود للقاء مع أكثر شخصيات الاخوان المسلمين جدلية وحنكة سياسية وتشدداً، على الأقل هكذا كان الانطباع الذي تزحزح آخر أركانه بعد الاستماع للرجل.

آخر الانطباعات في المشهد، وقبل الخوض في تفاصيل اللقاء كانت ان الشيخ لاحقاً يذكر ان الحزب اقل تقبّلاً للتغيير من الجماعة (رغم ان التغيير قد يخدم الحزب أكثر من الجماعة برأي “رأي اليوم”)، وهنا يمكن تصنيف الإداريّ على بوابة المقرّ ضمن رافضي التطور.. هذه التفصيلة قد تساعد من يريد أن يفهم أكثر كيف يتصرف كل طرف من المذكورين، وكم الشدّ العكسي الذي يواجهه ويخفيه بني ارشيد نفسه.

صورة جديدة ونضج سياسي..

بدأت “رأي اليوم” حوارها مع بني ارشيد بسؤاله: ما الذي تغيّر بين الشيخ الصقوري المتشدد وبني ارشيد المطالب بالمدنية؟

الشيخ بني ارشيد اعتبر انه اساساً لم يكن متشدداً، وأن التشدد انطباعٌ أسهمت بإيجاده أجهزة تفرغت له، وسهّل هو لها مهمتها ببعض تصرفاته ومواقفه السياسية المتشددة. أما ما تغيّر فلا يوارب بني ارشيد وهو يقول “أظنني نضجت سياسياً”، ثم يشرح مرحلة “النضج السياسي” باعتبارها أوسع صدراً لقبول الآخر والتأكد من أن المطالبة بالحقوق للجميع تكفل الحقوق للجماعة. بني ارشيد يرى ان نضجه ينعكس وبصورة واضحة على قناعاته و”تابوهاته” السابقة، ويصرّ على انها ليست مرتبطة فقط بشخصه وانما بمراجعات تقوم بها الجماعة ككل وبدأت منذ مرحلة الربيع العربي وما تلاها، وهي مرحلة- برأي بني ارشيد- أصلا فرضت على الجماعة تسريع مراجعاتها.

بني ارشيد وبعد خوض طويل بضرورة المراجعات في الأفكار والمعتقدات لدى كل الكيانات السياسية، اعترف لـ “رأي اليوم” ان “جماعة الاخوان المسلمين في الأردن لو استمرت بنفس الصيغة القديمة فلن تتمكن من البقاء بذات القوة والزخم”، موضحاً أن الصيغ التي تصلح لمراحل معينة لا يمكن ان تبقى صالحة لمراحل أخرى.

الشيخ المفكّر أضاف “بالمناسبة والأردن ككيان سياسي يحتاج لمراجعة ليبقى بذات القوة وهو غير قادر على الاستمرار بذات الصيغة الحالية”، وأن الأردن القوي ينبغي له ان يكون دولة مدنية وناضجة (والنضوج مفردة اقتبسها الشيخ من خطاب رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز) وبعقد اجتماعي جديد فعلا كما ورد في كتاب التكليف الملكي للرئيس الرزاز وفي كلام الرئيس الجديد نفسه.

مراجعات تاريخية..

بني ارشيد في محاولاته للتأكيد على ان التغير مألوف في الجماعة، أعاد سرداً تاريخيا يمكن المرور على ابرز محطاته، فالرجل تحدث عن أولى مراجعات الجماعة في عام 1990، حيث كانت الجماعة تضع تعريفاتها الواضحة للمجتمع الأردني، “في الموروث لدى التنظيم كانت المجتمعات جاهلية”- يقول بني ارشيد-، “الا اننا في الأردن وبالتصويت عرفنا المجتمعات ومنها الأردني كـ “مجتمعات إسلامية اصابتها بعض التشوهات”. من المراجعة المذكورة يمكن للباحث استنتاج الأسباب التي جعلت الجماعة في الأردن ترفع شعار “اصلاح النظام” بدلا من اسقاطه كما في بقية الدول.

عاد أيضا بني ارشيد للتذكير ان الحركة لم تستخدم مفردة “الديمقراطية” رغم مشاركتها في انتخابات عام 1989، وان “بعض الاخوة كانوا بحكم الموروث والمألوف يعتبرون المصطلح غربياً وبالتالي كفراً”، وحينها استخدمت الجماعة لفظة “شورى”، الامر الذي تحول في عام 1993 (الانتخابات التالية في الأردن) إلى رديفين يكتبان في بيانات الجماعة كمكملتين لبعضهما. ثم في 2003 استخدمت الجماعة مفردة الديمقراطية ودون قيود او اعتراضات.

التغير الكبير يذكر به بني ارشيد (والذي كان شخصياً عرابه) هو في انتخابات عام 2016، حيث لم ترفع الجماعة شعارها التاريخي “الإسلام هو الحل” وانما اتجهت لشعار “نهضة وطن وكرامة مواطن”، ولم تخض الانتخابات لا باسم الجماعة ولا الحزب وانما كائتلاف واسع فيه المسيحي والمسلم والحزبي وغير الحزبي تحت عنوان “الائتلاف الوطني للإصلاح”.

قوام الكيان الاخواني الجديد..

تبدو جماعة الاخوان المسلمين في مرحلة مخاض، حيث يصر بني ارشيد على ان أفكاره لم يتم تبنيها بصورة مؤسسية نهائية بعد، وان الجماعة في مرحلة حوار ومراجعة، الا انه استطاع ان يوضح أفكار “تياره” والذي يلاقي قبولاً لدى الجماعة اكثر من الحزب (جبهة العمل الإسلامي).

أفكار التيار “الارشيدي” (نسبته “رأي اليوم” لبني ارشيد) في الجماعة تنادي أولا بفصل الدعوة عن السياسة، حيث تتخصص الجماعة في الجوانب الاجتماعية والدعوية والتربوية بينما يتخصص الحزب بالجانب السياسي. ويرفض بني ارشيد ان يعتبر ذلك “علمانية”، وانما توزيع تخصصات، ويصر على ان سياسة الحزب تقوم على ما يشتمله الدين من سياسة، وعلى الاجتهادات الأخرى.

وبسؤاله اذا ما اراد للجماعة ان تقتبس النموذج التركي مثلاً، أجاب بني ارشيد انه “لا يرتاح ولا يقبل ولا يريد استنساخ أي تجربة أخرى، وان الأردن يحتاج ويستحق تجربته الخاصة”. كلام بني ارشيد حفّز “رأي اليوم” لمقارنته بكلام رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز، والذي اطلق في اول أيامه شعار “تجربة أردنية منفتحة على الجميع ولكنها مستقلة بمعاييرها وتنفيذها”.

الدولة المدنية..

يتحدث بني ارشيد عن طرح تنامى فترة الانتخابات الأخيرة حول مفهوم الدولة المدنية واذا ما كانت الجماعة في الأردن تستطيع تبنيه، وان الطرح المذكور دفعه لدراسة بحثية معمقة لمفهوم الدولة المدنية أولا ولاحقا لمدى قبولها في الأوساط الإسلامية. المُخرج مثير للاهتمام، فبحسب الشيخ المتجدد فجماعة الاخوان في العالم كله تقبل طرح الدولة المدنية وتطالب فيه، الا “بعض الاخوة في الأردن فقط يرفض ويحارب مفهوم الدولة المدنية”.

ويفصل بني ارشيد “الدولة المدنية هي عصارة التجارب الإنسانية التي وصلت لعقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي بذلك لا تتناقض مع الدولة الإسلامية، لا بل وتؤمن مفاهيم التعددية والتشاركية والتعاقدية والمواطنة”. بني ارشيد وعبر شروحاته اللاحقة يمكن القول انه يرى “الدولة المدنية” كصيغة وسط بين مفاهيم الدول الحالية التي يصفها في العالم العربي بالديكتاتوريات، وبين صيغة الدولة الإسلامية التي يطالب فيها التنظيم تاريخيا.

بني ارشيد اكد انه لا يعارض الحريات الفردية ولا ممارستها، لا بل ويطالب بها له ولـ “الاخر” في المجتمع الأردني، ودلّل على ذلك بتواجد شباب الاخوان المسلمين بين شباب الدوار الرابع في الحراك الأردني الأخير دون أي تحفظات على الغناء والرقص والعزف هناك ويضيف “كانوا شبابنا بين اللي بأرجلوا (يدخنون الأرجيلة)”، ويؤكد لم ننزل لمكتسبات حزبية ومنعنا قياداتنا من التواجد حتى لا يفشل الحراك بسببنا، ويختم “ليس من مصلحة أحد الشعور بأننا اردنا ركوب الموجة.. وتاريخ اخوان مصر حاضر في اذهاننا جميعا.. نحن مكوّن أردني لا نزيد على غيرنا الا بالعمل للوطن”.

الشيخ بني ارشيد في حواره الزخم والمختلف، طرح الكثير من الأفكار الإضافية على الصعيد السياسي الداخلي والخارجي التي تحتفظ “رأي اليوم” بحقها في نشرها لاحقا بتقاريرها وتحليلاتها وحتى حواراتها..
(رأي اليوم – فرح مرقة)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى