إلى “المُعلِّم”

إلى “المُعلِّم”
سهير جرادات

ليسمح لي سيد البلاد أن أخاطبه بأحب الألقاب وأقربها إلى قلبه ، ألا وهو ” المُعلِّم ” ، هذا اللقب الذي ورثه عن والده الملك الباني – رحمه الله – حيث يخاطبه المقربون ورجالات الدولة وموظفو الديوان الملكي ب ” المُعلِّم ” ، ويختبئ خلفه السياسيون عند اتخاذهم القرارات ذات الفائدة الأحادية من خلال إيهام المواطن بأنها أوامر ورغبة ” المُعلِّم”.
الألقاب والأسماء والنعوت لا تمنح للملوك اعتباطاً وارتجالا؛ إذ إن لقب “المُعلم ” يمنح لمن يمتلك الخبرة ورجاحة العقل ، والدرجة العليا من العلم والثقافة ، ولمن هو الأقدر على الاحتواء ، وتقديم النصح والحكمة والمشورة .
ليعذرني ” المُعلِّم ” ، فإن ما يجري في البلاد لا يرضي العباد، والأمر أصبح يحتاج إلى تدخل سريع من قبل المُعلِّم الأول بأن يحسم الأمر ، لأن الأمور أصبحت تتفاقم ، وبحاجة إلى تدخل سريع لايقاف الاحتقان الذي يشهده الشارع .
منذ ولادة الثورة العربية الكبرى وحفاوة استقبال الأردنيين للهاشميين في معان الأبية والعلاقة الودية التي تجمع الحاكم و الشعب قائمة على المحبة والرحمة ، إذ اعتاد الناس في ليلة العيد على مكارم القيادة؛ بأن يُطلق سراح السجناء لإدخال الفرح والسرور على قلوب أبناء الشعب الواحد ، لا أن يتم في ليلة العيد الزج في السجون بمعلمي الوطن ، ومعلمي أبناء الوطن .
نحن في الأردن نتغنى بالحرائر ، ونعتز بنسائنا الخالدات أمثال ” بندر ومشخص المجالي ” ، اللتين أصبحتا رمزا وطنيا، يكشف عن مكانة المرأة الأردنية ، وادائها لدورها في حب الوطن والدفاع عنه ، فكن أول السجينات بعد ثورة الأردني ضد العثمانيين على فرض الضرائب ، ولكن اقتياد معلمات الأردن وتوقيفهن لساعات في “النظارة ” ، أمر غريب عنا ودخيل علينا .
ليسمع مني ” ” المُعلِّم” بأن هناك من ” يدفش ” المواطنين إلى الشارع المحتقن ،الذي يشهد ترديا في الأوضاع الاقتصادية ، ويعاني ارتفاع الأسعار ، بعد أن أرهق المواطن الفساد وكثرة الفاسدين وتفشي الواسطة والمحسوبية ، وانتشار المخدرات والفقر والبطالة ، وما نشهده من معاناة جراء فساد الغذاء وتلوث المياه ، عدا عن راتب الموظف الذي بات لا يكفي قوت يومه ، كل ذلك جعل المواطن يلجأ إلى الشارع ليعبر فيه عن غضبه وسخطه لما آلت اليه أحواله وأحوال بلده ،حيث شهدنا هتافات وصلت سقوفها عنان السماء.
كلنا على يقين بأن ” المُعلِّم” لا يرضى بأن يبقى المعلمون في السجون ، ولا أن يُزج بهم في النظارات مع الحرامية والسراقين ، وذلك حفاظا على مكانتهم لدى طلبتهم وليتمكنوا من تقديم العلم لهم ، حتى لا نصل إلى يوم يعاني فيه بناة المستقبل من الشباب الجهالة التي فرضتها علينا ظروف “فيروس كورونا ” والتدريس عن بعد .
لا ُيرضي” المُعلِّم” أن نصل إلى مرحلة كسر بعضنا بعضا ، وحتى لا نكسر هيبة المجتمع ، ولا تُكسر هيبة الدولة على حد سواء ، وحتى لا يتم اضعاف الدولة التي تعاني أصلا التردي الاقتصادي ، علينا اللجوء للحكمة وترجيح العقل ، وتجاهل الشعارات، والتجاوز عن محاسبة أي طرف وتبادل الاتهامات ، وفرض الحلول التي تعيد الأمور إلى نصابها، والتوقف عن تحويلنا إلى( مع أو ضد) ، وتقسيم الشعب إلى قطبيين .
وبعد أن اصبحت الحدية عنوان المرحلة ، لغياب الحصافة في التعامل مع الازمة ، فإن علينا تجنب الشطط وترجيح العقل والرشد واستخدام الحكمة لامتصاص احتقان الشارع ، وتخفيف حدة الغضب وغليان الشارع ، وأن يتم تحمل المسؤولية من جميع الأطراف ، بحيث يضع الشعب يده بيد القائد لايجاد الحلول المناسبة باسرع وقت، ومحاسبة المقصرين في التعامل مع الازمة ومعاقبتهم ، وليساندهم الاعلام ليؤدي دوره الوطني بدلا من تكبيل يده ومنعه من الكتابة، وطرح وجهات النظر والحلول ، و حتى لا نصل إلى مرحلة تصبح مصدر اخبارنا خارجية وليست داخلية ، وبالتأكيد فإن التكاتف وتغليب صوت العقل سيمكننا مع ” المُعلِّم” أن نصل إلى حل قائم على( لا غالب ولا مغلوب)، لانه في غير ذلك سيكون الكل خاسرا .
إذا كان مايدور في شوارعنا يراد من ورائه ارسال رسالة خارجية ، فللأسف فإن اثارها الداخلية ستكون أشد قسوة باحداث انعاكسات سلبية على سير العملية الانتخابية ، لان هذه الاعتقالات وحالة التأزيم التي يشهدها الشارع من ضرب وتنكيل بين الطرفين وشيطنة المعلم والأجهزة الامنية ، سيجعل الشباب يعزفون قبل كبار السن عن المشاركة في الحياة السياسية ، كما يعزفون تماما عن الاشتراك في الحياة الحزبية ، إلى جانب زرع الخوف في قلوب الشباب من التنظيمات الحزبية والعمل النقابي، ليعودوا إلى الخلف خمسين أو ستين عاما ، إلا أن نزول هذه الاعداد الكبيرة الى الشارع ينذر باننا سنشهد ولادة حزب جديد مختلف وأقوى من الأحزاب والنقابات الموجودة ، وهو ” حزب أبناء الوطن “.
دعوني أخبر ” المُعلِّم” بأن شعبه فقد الثقة والامل في المسؤولين ، ووصل لقناعة بأن قلوبهم ليست على الوطن وغير مخلصين له ، وأنهم غير قادرين على حماية مصالحه ومقدراته ، حتى بات يبحث عن حقه وخلاصه من الأموات بعد أن فقد الرجاء من الاحياء ، وبات ينادي ويطالب ب ” وصفي التل ” الذي استشهد قبل 48 عاما ، الذي يعد الرمز للوفاء والإخلاص للوطن .
على ” المُعلِّم” أن ينصف المعلم ، حتى يبقى الوطن كما قال جبران خليل جبران: يقوم على كاهل ثلاثة: فلاح يغذيه، وجندي يحميه، ومعلم يربيه.
Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى