إقالة الوزراء لن تغير الكثير في أداء الإدارة العامة للدولة

إقالة الوزراء لن تغير الكثير في أداء الإدارة العامة للدولة

أ.د أنيس خصاونة

عمل الوزراء ذا طبيعة سياسية بامتياز حيث الأصل بهم أن يساهموا في وضع السياسات العامة، ليس فقط لوزاراتهم ولكن لكافة قطاعات الدولة، وهذا يتم بالطبع بالتشارك مع السلطة التشريعية.

الوزراء لا ينطبق عليهم نظام الخدمة المدنية فهم ليسوا موظفين دائمين، ولم يتم اختيارهم أصلا حسب التخصص والكفاءة الفنية، وإنما جاءوا لاعتبارات سياسية تختلف من دولة لأخرى حسب مدى تجذر العمل الحزبي وطبيعة النظام السياسي.

مقالات ذات صلة

في ظل غياب الأسس الحزبية لاختيار رئيس الحكومة ووزرائه، وفي ظل غياب قوانين انتخاب أكثر ديمقراطية، وفي ظل غياب قوانين تشجع العمل الحزبي الحقيقي، فإن اختيار الوزراء يبقى عشوائي ويخضع لاعتبارات عشائرية وأمنية وولاءات سياسية، وعليه فلا مجال للحكم على أداء الوزراء ورئيس الحكومة وتقييمه على أسس الكفاءة والجدارة.

صحيح أن الحكومات، رؤساء ووزراء، يتباينون في اهتماماتهم وقدراتهم وحماسهم وإخلاصهم لكن كل ذلك يبقى فرديا ويصعب إخضاع عملية تقييم الوزراء ومساهماتهم وأخطائهم في ضوء معايير التخصص والكفاءة والجدارة التي لم يتم اختيارهم أصلا على أساسها.

بالمقابل فإن الموظفين الحكوميين، وأقصد هنا موظفي الخدمة المدنية، يتم اختيارهم، أو من المفروض على الأقل، على أسس الجدارة والكفاءة، ووصف الوظائف، والتقييم السنوي لأدائهم والى غير ذلك من المنظومات المطبقة على هؤلاء الموظفين.

استقالات الوزراء في كثير من الدول الديمقراطية تتم لأسباب ومسوغات ربما أحيانا أقل جسامة من حادثة السلط أو البحر الميت قبلها، ولكن هذه الاستقالات هي نادرة وقليلة قياسا بحجم العمل العام ولا تكون متكررة لدرجة يمكن أن تؤثر على استقرار العمل وربما استقرار الحكومات.

الرئيس الأمريكي السابق أقال العديد من قيادات إدارته حيث أن معدل الإقالات وصل إلى إقالة ربما كل أسبوعين، لكن النظام السياسي الأمريكي لفظ النظام السياسي الأمريكي الرئيس ترمب نفسه في النهاية وبطريقة غير مسبوقة لخروجه عن القيم الديمقراطية الأمريكية.

ما نريد قوله هنا أن دولة نامية مثل الأردن وفي ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والإدارية التي نعيشها، فإن قدرة ومساهمات الحكومة في التحكم في الأجهزة البيروقراطية والإدارية محدودة خصوصا وأن معدل بقاء الحكومات لا يتجاوز السنتين، وأن العاملين في الأجهزة الحكومية لهم حقوق مكتسبة وتحكمهم منظومة قوانين وتشريعات تنظم شؤونهم، وبالتالي فما الذي يمكن أن تفعله أو تؤثر فيه استقالة وزير الصحة أو غيره؟ وهل من سيكمل المشوار بعد وزير الصحة محصن ضد وقوع كارثة أخرى نتيجة تقصير موظف صغير وعدم أداءه لواجبه؟ وهل يمكن لوزير التربية والتعليم أن يكون مسئولا عن تقصير معلم أو موظف إداري في قرية نائية! أم أن مهمة الوزير هو اتخاذ الإجراءات الناجعة لمعالجة الوضع؟.

ندرس طلابنا في الجامعات أنه ليس هناك مشكلة كبيرة في حدوث مشكلات أو أخطاء في العمل ولكن كفاءة القيادة تكمن في اتخاذ المسؤول أو الوزير للإجراءات الملائمة لمعالجته والحيلولة دون تكرار الخطأ.

لا أعلم كيف يمكن المحافظة على عنصر الاستمرارية والتراكم الخبراتي للمسؤولين إذا أردنا الاستمرار في مسلسل الاستقالات لكل وزير أو مسؤول نتيجة ارتكاب موظف في وزارته أو دائرته لخطأ أو تقصير. نعتقد أن إقالة الوزير نذير عبيدات كانت خطأ فادحا وأن ذلك لا يسهم في معالجة الموضوع حيث أن إقالته لا تعني أن من يستلم الدفة بعده محصنا من حدوث وتكرار نفس الفاجعة التي شهدناها في مستشفى السلط.

نعم لدينا تساؤلات كثيرة وشكوك في جدوى الأسس المعتمدة لاختيار الوزراء، خصوصا وأن بعضهم خالف أوامر الدفاع المكلفين هم بمتابعة تنفيذها في حين تسبب أحدهم بحرج للحكومة نتيجة استقالته بعد سويعات من حلفه اليمين وقبوله بحقيبته الوزارية، لكن يبقى الأمر أن التوسع في الاستقالات الأدبية والأخلاقية ربما لا يؤدي نفس الرسالة التي تؤديها هذه الاستقالات في الدول الأكثر ديمقراطية، حيث نشأت وتجذرت ثقافات إدارية، والتزام بالتشريعات، وتنفيذ العقوبات بشكل صارم على المخالفين.

راعني ما سمعته بالأمس من أحد نواب رئيس الوزراء السابقين عندما بدأ بإيجاد الأعذار للموظف المسؤول عن كميات الأكسجين في مستشفى السلط، حيث قال” أنه ربما لم ينم هذا الموظف لأربعة أيام متتالية” وكأنه يجد له مبررا لعدم التبليغ عن انخفاض كميات الأكسجين واعجبي.

نعم لدينا انتقادات على عدم قيام الحكومة الحالية والسابقة في تأمين البلد بكميات كافية من المطاعيم، وعدم قدرتها أيضا على تطعيم عدد أكبر من المواطنين إذ أنه لم يتجاوز عدد الذين تلقوا اللقاح حتى اليوم عن 2.5% من السكان في الوقت الذي تمكن الكيان غرب النهر من تلقيح أكثر من 78% من السكان بفترة وجيزة.

الانتقادات للحكومة برأينا الشخصي لا تبرر الإقالات والاستقالات الأدبية والأخلاقية فهي لا تجدي نفعا وبقاء الوزير نفسه ومعالجته للموضوع أفضل من إقالته والبدء مع وزير جديد يحتاج إلى مشوار طويل لاستيعاب عمل الوزارة.

جلالة الملك ذاته صرح بأنه يصعب عليه أن نقيل كل مسؤول ولكن نحتاج إلى الإصلاح والتصحيح والمعالجة.

الإقالات والاستقالات تصبح ضرورية في الحالات التي يترتب عليها مخالفات قانونية وفساد وليس لتحقيق “تنفيس” شعبي ومكاسب جماهيرية ترتاح لإقالة أي حكومة وأي وزير بغض النظر عن أدائه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى