أوراق بنما المسربة: الفساد يُكشف ولو بعد حين / طاهر العدوان

أوراق بنما المسربة: الفساد يُكشف ولو بعد حين
مع بداية القرن وفي ظل ثورة الانترنت وعصر ما بعد الحداثة شاعت مقولة ” العالم اصبح قرية صغيرة ” وهي التي استخدمتها الدول الغنية وشركاتها عابرة القارات من اجل ازالة حدود ومصالح الدول الفقيرة من أمامها فاكتسحت اسواقها وتحكمت بثرواتها . وفي ظل هذا التطور انتشر حزب الليبرالية الجديدة المتوحشة عبر العالم ، بعد ان انتظم في صفوفه جيش من السياسيين الباحثين عن الثراء السريع ، ومن رجال الاعمال المغامرين محدثي النعمة الذين امتهنوا صفقات السمسرة المشبوهة وعمليات غسيل الاموال وتهريبها الى خارج اوطانهم ، عبر شركات (ال أوف شور) التي من خلالها اشتروا العقارات والأسهم ومارسوا حياة الثراء بكل أوصافها فيما شعوبهم ازدادت فقراًً .

غير ان هذا الطابور العالمي من الفاسدين ظن ان فساده لن يكشف ، متجاهلا الوجه الاخر لعصر ما بعد الحداثة لان من صفات القرية الصغيرة ان يعرف الساكن فيها كل شئ عن السكان الأخرين ، لقد انتهى عصر اخفاء المعلومات ودسائس الظلام فلم يعد هناك وجود للقردة الافريقية الثلاثة في حياة الشعوب ، التي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم . في عالم اليوم ( ما فيه شئ مخبى ) فهذه هي اهم صفات عصر ثورة الاتصالات والإنترنت في كشف المستور من الفساد وفضح الجرائم والمجرمين .

قبل سنوات كشفت وثائق ويكيليكس الاقنعة المزيفة عن عدد كبير من السياسيين في العالم ، واليوم يقدم (الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ) الى شعوب العالم اكبر سبق صحفي في هذا العصر ، شاركت فيه اكثر من ١٠٠ صحيفة عبرالعالم حيث قام بنشر اكثر من ١١ مليون وثيقة على موقعه الالكتروني في ما يسمى بأوراق بنما السرية التي كشفت عن اسماء ١٤٠ زعيما سياسيا ورئيس حكومة في العالم قاموا بتهريب اموال من بلدانهم الى الخارج تحت مسميات شركات سجلت في بنما وهو ما يطلق عليه ” أوراق بنما المسربة “.

وبموازاة فضيحة ( أوراق بنما المسربة ) التى ظهرت الى العلن بفضل العمل الشجاع والدؤوب لمئات الصحافيين الاستقصائيين هناك عمل صحفي اخر شجاع حيث قامت مؤسستين إعلاميتين في استراليا وامريكا بنشر الاف الوثائق المتعلقة باكبر فضيحة فساد في العراق ، كشفت تورط كبار المسؤولين العراقيين ، في عهد نوري المالكي ، بعمليات تهريب اموال وتبييضها وتلقي رشاوي حيث فتحت لها ملفات تحقيق في بريطانيا وفرنسا وأستراليا والولايات المتحدة وهي التي تعرف بفضيحة ( لونا اويل ).

مقالات ذات صلة

من المؤسف القول بان الشعوب العربية ابتليت بالفساد والمفسدين ، واذكر كلمات لاحد الدبلوماسيين في بدايات الربيع العربي عندما سئل عن الأسباب التي دفعت الشعوب للخروج بالملايين مطالبة باسقاط الانظمة فاجاب : انه الفساد المستفحل . وبعد ان آل هذا الربيع الى ما آل اليه من نهايات مأساوية ، استأنف الفاسدون فسادهم بكل شراسة ، بعد ان اطمأنوا بانه رغم ضخامة الاحتجاجات الشعبية لم يوضع فاسد واحد من المسؤولين الكبار خلف القضبان . لانه لا محاسبة ولا مساءلة في هذا الجزء من العالم ، بل هناك المزيد من الإمعان باعمال الفساد ، وارتكابها بعيون مفتوحة دون رادع وطني او اخلاقي يمليه دين او ضمير ، حتى بات ينطبق عليهم المثل القائل ” اذا لم تستحي افعل ما تشاء “.

ان شجاعة وتصميم هولاء الصحافيين توجه رسائل واضحة لجميع الحكومات على هذه الارض مفادها : انه مهما بلغت إجراءات القمع للحد من حرية الاعلام ووسائل الاتصال الجماهيري، تحت مزاعم مواجهة القدح والذم والإشاعات حيث وجد الفساد والفاسدون بهذه الإجراءات والقوانين ملاذا آمنا لهم داخل اوطانهم ، فانه ( وبعد تسريب أوراق بنما ) لا ملاذ للفاسدين واخبار فسادهم لانها سُتكشف يوما امام شعوبهم باخبار تأتي من بنما غربا ومن استراليا شرقا ومن اي مكان آخر على الارض “ويأتيك بالاخبار من لم تزودِ “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى