تحت الضوء

#تحت_الضوء

د. #هاشم_غرايبه

تعتبر قصة المهندس التونسي “محمد الـزواري” خير شاهد على مدى الإضرار الذي ألحقته الأنظمة العربية المعادية لمنهج الله بالأمة، وكم ساهمت في إعاقة تقدمها، فأخرتها عن مواكبة تقدم الأخرى، فجعلتها بذلك في ذيل الأمم، وأفقرتها رغم غناها بمواردها الطبيعية.
ولد هذا الشاب الطموح عام 1967 في “صفاقس” الواقعة في جنوب تونس، وظهر نبوغه مبكرا، لكنه ككثير من اقرانه طورد من قبل الأجهزة الأمنية بسبب ميولهم الإسلامية، وناله مثلهم الاضطهاد وخاصة بعد الحملة الدامية التي ارتكبتها السلطات الأمنية يوم 8 أيار عام 1991 في عدة جامعات تونسية، تمهيدا لحظر كل تنظيمات الإسلاميين، لفرض التوجهات العلمانية لنظام “بن علي”، وكانت متلازمة القمع إضافة الى الفشل وفساد النظام هي الوقود الذي أشعل الثورة الشعبية العارمة في تونس بعد عشر سنين ثم انتقل الى باقي الأنظمة.
بعد الإفراج عن “الزواري” غادر كالكثيرين غيره تونس، وتنقل في المنفى بين عدة أقطار، أكمل خلالها التعليم الجامعي ونال شهادة الدكتوراة في الهندسة، وكان تخصصه في الطيران.
ورغم نبوغه في علمه الذي يؤهله ليكون مبتكرا مبدعا ولأنه هنالك من الأنظمة العربية من يرعى المبدعين ويخطط لارتقاء بلده، لكنها جميعا طاردة للابداع، ولا يمكن أن يكون اتفاق كل الأنظمة على ذلك صدفة، بل لا بد أنها مبرمجة لكي تدفع المبدعين الى الهجرة للغرب المتعطش للإستثمار في منتج عقولهم.
وعندما تكون العقيدة الإسلامية مترسخة في النفس، فهي تقاوم كل الضغوط والمغريات، لذلك بقي الزواري يتنقل بين سوريا وليبيا والسودان، من غير أن يجد من يتبنى ابداعاته، لكنه تعرف الى (حماس) في سوريا، وفيها وجد ما يتجاوب عقيدته، في استثمار ابداعاته في ما يرضي ربه وهو الجـهاد، ولخبرته في قمع الأنظمة العربية فقد أخفى علاقاته ونواياه حتى عن زوجته التي تزوجها خلال عمله الأكاديمي في سوريا، حيث وجد متطوعين من أقطار اسلامية أخرى جاءوا ليساعدوا في تأسيس قاعدة تصنيعية مستقلة تؤمن مقارعة العدو، بعد إذ أغلقت سبل المدد من الأنظمة العربية، بل حوصرت المقاومة من قبلهم، ومنع التبرع لها واضطهد كل من يدعمها، وصودرت كل الجمعيات الخيرية التي كانت توصل لها التبرعات.
ورغم كل ذلك التضييق، إلا أن هؤلاء المجاهدين كان الله يعمي العيون عنهم، فاستطاعوا التحرك من غير أن يتم رصدهم ولا اكتشاف نواياهم، فظل الزواري يدخل القطاع ويخرج من غير أن يفطن أحد الى ما يقوم به، وأسس لصناعة طائرات بدون طيار وغواصات مسيّرة، في الوقت الذي لم تكن هذه التقنيات معروفة في غير أمريكا والكيان اللقيط.
لكن أعين الخونة الكثيرة المنبثة في عرض المنطقة وطولها، المتربصة بالمقاومة الإسلامية، اكتشفت أخيرا هذه القدرات والنوايا، وعرفت من كان وراءها، فخطط العدو لاغتياله، وكان الميدان الأسهل للتنفيذ هو موطنه تونس، الذي يعج بالعلمانيين المتطرفين في معادة الإسلام، والمستعدين للتخلص من الإسلاميين ولو كان في ذلك خيانة أمتهم، فتم اغتيال الشهيد الزواري عام 2016 ، حيث عاد الى وطنه بعد الثورة على “بن علي”، واستقر به مع بقائه على تواصل مع الفريق الصناعي الذي دربه في إيران، وأسس له في القطاع، فأنجز مع ضابط سابق في الجيش العراقي تصنيع طائرات (الزواري) الانتحارية، ثم (أبابيل) المسيرة، ثم مشروع (غراب) الذي لم يستعمل بعد.
هكذا، ارتقى شهيدا مثله مثل كثيرين من العلماء والمخترعين الذين رفضوا أن يخدموا الغرب أو يفيدوا باختراعاتهم غير أمتهم، وبالطبع معروف أنه لم ينجح أي اغتيال لأي من ابناء الأمة طوال القرن المنصرم من غير تعاون وتنسيق استخباراتي مع نظام عربي، بدليل أنه في جميعها قيدت الجريمة ضد مجهول، ولم يكتمل التحقيق رغم كل الدلائل على أن العدو هم من نفذه، لئلا ينكشف المتعاونون مع العدو.
وهكذا خسرت الأمة قامة علمية أخرى، بسبب ممانعة تولى المخلصين المعتنقين لعقيدة الأمة، تحت مسمى محاربة الإسلام السياسي، لكنه ترك بصمة هامة أسست لمحو التضليل الذي روجت له الأنظمة المتخاذلة من أن حجب الغرب التقنية عنا قدر لا يمكن تغييره، ففتح بابا للتقدم وتطوير القدرات الذاتية مهما كانت المعيقات، فالعزيمة المعتمدة على العقيدة لن يقف أمامها شيء، مهما بدا مستحيلا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى