حكاية المسكوكات المزيفة والمواقع الأثرية المدمرة / د . زيدان كفافي

حكاية المسكوكات المزيفة والمواقع الأثرية المدمرة
قرأت كما قرأ غيري خبر استبدال مسكوكات أثرية باخرى مزيفة في «متحف الآثار الأردني» بجبل القلعة بعمّان.
هزني هذا الخبر كما أثار حفيظة الإعلام والمواطنين في الأردن. ليس لأن السرقة تمت في متحف الأردن الأول، الذي تأسس في عام 1951م، فقط ، لكن لأنها أيضاً حصلت على يد فاعل :ربما يكون أردنيا؟.. وأكتشف التزوير على يد باحث فرنسي.
يبين الخبر أمرين، هما:
أولاً: الإهمال من المشرفين على المتحف، وثانياً:عدم الإهتمام والدعم لهذا التراث من قبل القطاعين العام والخاص. ويقفز إلى ذهني سؤال، لماذا هذه الضجة الإعلامية الآن على هذه الفعلة الشنيعة؟ فالآثار تعدّ وثائق تاريخية تثبت الهوية الوطنية العربية والإسلامية؛ كنت أتمنى سماع هذا الصراخ والضجيج الإعلامي أيضاً عند تدمير الآثار في بلاد الربيع العربي. أليس تراثنا العربي واحدا، والأردني جزءا منه؟.
إن ما حصل يعدّ مثلبة على القائمين على أمر المتحف ، وأن عليهم تحملها، لكن يجب أن لا نتسرع بالحكم عليهم قبل الانتهاء من تحقيقات الجهات الحكومية المسؤولة في الأمر. أعرف كما يعرف غيري من العاملين بالآثار أن أية قطعة أثرية موجودة في متاحف الأردن لا يمكن دراستها ، أو أخراجها من خزائن المتحف إلاّ بعد المرور باجراءات صارمة، من بينها موافقة أمين المتحف التي هي في عهدته، وبموجب التوقيع على سند إخراج رسمي من عدة جهات.
إننا نفتخر بمتاحفنا الأردنية، فهي تقوم بمسؤولياتها حسب امكانياتها المتاحة، لكنها وللأسف لا تلقى التفهم والدعم المادي الكافي. التدمير لا يكون فقط في سرقة وتزييف محتوى خزائن العرض والقاصات، ولكن أيضاً بعدم توفير بيئة العرض والحماية لمعروضاتها. والحماية لا تكون المحافظة عليها من السرقة، بل بصيانتها والمحافظة عليها للأجيال القادمة. وبطبيعة الحال، فإن هذا الأمر بحاجة لتوفيير أجهزة وفنيين، فهل تم توفيرها لجميع متاحفنا الأردنية؟ إن هذا الأمر في رأينا، هو مسؤولية الدولة والمواطن في آن واحد. فهل توفرت في متاحفنا البيئة اللازمة؟ أستطيع القول وبملئ فمي: لا. يجب أن لا ننتظر طويلاً وننتظر، فساعتها سنندم يوم لا ينفع الندم. إن عدم توفر الإمكانيات اللازمة للحفاظ على هذا التراث، وعرضه وتعريف الناس به هو مسؤولية تقع على عاتق القائمين على المتاحف. فالمتاحف هي ليست مكان لقضاء الوقت، بقدر ما هي مؤسسات أكاديمية تسرد القصة التاريخية للبلد. فالمعروضات سطور مكتوبة في كتاب تاريخ الوطن. فهل نلوم دائرة الآثار العامة لتواضع امكانياتها الفنية والمادية؟ أم يجب أن نمد لها يد العون والمساعدة من الجهات الحكومية والخاصة.
عودة لمسألة الآثار في الأردن والحفاظ عليها لديمومتها، ومن هنا يجب أن نستفيد مما حصل في متحف الآثار الأردني مؤخراً، وأن ننظر للأمر نظرة فاحصة شاملة ونراجع حساباتنا بخصوصها. المواقع الأثرية هي مستودعات الآثار، وقام ويقوم المواطنون الأردنيون في الوقت الحالي، في الخفاء، بتدمير هذا المواقع بحثاً عن كنوز وهمية. لقد قامت دائرة الآثار العامة، وحسب إمكانياتها المادية بتعيين حراس لبعض هذه المواقع، وقيل أنه وفي بعض الحالات أن هؤلاء غضوا الطرف ، أو أهملوا في واجبهم. إنني أراهن على أن موضة البحث عن الكنوز الوهمية لن تتوقف، وسيستمر معها تدمير المواقع الأثرية. أليست خربة عبدون هي التي ضمت في ترابها بعضاً من القطع الذهبية الأصلية والتي زيّفت ؟ لكن السؤال هل تستطيع دائرة الآثار بامكانياتها المادية المحدودة استملاك هذه الخربة التي يعد ثمنها بالملايين؟.
اسألوا دائرة الآثار كم هي المبالغ المطلوبة منها لاستملاك بعض من المواقع الأثرية المهددة بالخطر، وبعدها حاسبوا دائرة الآثار.
إن ما حدث من سرقة وتزييف للآثار هو عيب بكل معنى الكلمة، ونشد على يد الدولة في محاسبة المسؤولين ، لكن لا بد لنا من وقفة تأمل ومراجعة في كيفية توفير الإمكانيات الفنية والمالية اللازمة لمتاحفنا المنتشرة على طول المملكة وعرضها، أقصد هنا المتاحف المبنية والمفتوحة (Open Air Museums) والتي هي المواقع الأثرية.
\خاتمة القول، يجب أن نسأل أكثر من سؤال حول وضعنا الحالي حتى نستطيع أن نرى الضوء في نهاية النفق:
1. هل تتوفر الإمكانات المادية والفنية لدى دائرة الآثار العامة للحفاظ على المقتنيات والمواقع الأثرية؟
2. أرى أن العاملين في قطاع المتاحف هم أشخاص يتمتعون بصفات فنية وذهنية وتعليمية خاصة، بغض النظر عن تخصصاتهم. فهل القائمون على المتاحف في الأردن يتمتعون ببعض من هذه الصفات؟ وهل يتم اختيارهم لشغل الوظائف الشاغرة بناء على قدراتهم المهارية والتخصصية؟
3. حسب معرفتي وعلاقتي بدائرة الآثار العامة منذ أن كنت طالباً في الجامعة الأردنية (نهاية الستينيات وبداية السبعينيات)، فقد مرت فترة طويلة على الدائرة لم يعين فيها متخصصون في الآثار، بل كانت الأولية على تعيين الفئة الثالثة، خاصة حرّاس المواقع الأثرية. فأصبحت دائرة الآثار ملاذاً للمتنفذين لتعيين الحرّاس في مهمة وهمية.
4. إن الحفاظ على القطع الأثرية في المتاحف -مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأشخاص التي هي في عهدتهم، لكن هل يتقاضى هؤلاء علاوة مجزية عن مسؤوليتهم؟ إن ما يتقاضونه الآن هي علاوة متواضعة، وباء عليه يجب إعادة النظر بها.
5. إضافة للقطع المعروضة في خزائن العرض، تقتني المتاحف الأردنية آلافاً من القطع الأخرى المخزّنة في مستودعات تتبع لدائرة الآثار العامة. السؤال هل هي مخزّنة بطريقة علمية تراعي الحفاظ على ماهيتها؟ أعلم من خلال وجودي عضواً في المجلس الاستشاري لدائرة الآثارالعامة أن هناك تصاميماً ودفتر عطاء جاهز منذ عام 2009 لبناء مستودعات حديثة حسب الأصول لحفظ المقتنيات الأثرية، لكن للأسف ولغاية الآن لم ير هذا المشروع النور بسبب عدم دعمه مادياً من قبل الجهات الحكومية المختصة.
أرجو في نهاية الأمر أن لا نختزل جميع أمور الحفاظ على تراث الأردن فقط بمسألة سرقة وتزييف مجموعة من القطع النقدية، على أهميتها، ونعدّها نهاية المشكلة، بل لا بد من وضع حلول جذرية لكل المشاكل التي تعاني منها دائرة الآثار العامة بشكل عام، والمتاحف الأردنية بشكل خاص.
عن الراي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى