إصلاح السجون أهم من العفو العام / د. خالد أحمد حسنين

إصلاح السجون أهم من العفو العام

تفاجأت وأنا استمع لعطوفة مدير الأمن العام أثناء تشرفنا بزيارته في مكتبه مع مجموعة من النشطاء الحقوقيين قبل أيام بشكوى مرّة من ازدحام السجون، واعترافه بانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين السجناء، فضلا عن قضايا كثيرة يتم تداولها في تقارير منظمات حقوق الإنسان.

يعتقد عطوفة المدير أن مسؤولية ازدحام السجون لا تنحصر في جهاز الامن العام فقط، وإنما هناك شركاء كثر عليهم أن يتعاونوا معا لمعالجة المشكلة وما ينتج عنها من ظواهر سلبية تنعكس على السجناء وأهاليهم ومستقبلهم، ولكن هذه القضية فتحت الباب على مصراعيه لمناقشة واقع السجون الأردنية، وهل هي بالفعل تقوم بدورها كمراكز إصلاح وتأهيل أم أنها مكانا لحجز الحرية، وعزل السجين عن المجتمع إلى حين، والاكفاء بذلك كأسلوب لردع المخطئ كي لا يكرر خطأه خشية العودة إلى السجن ثانية؟

من الواضح أن مجتمعات السجون تضم في ثناياها أنواع مختلفة من المجرمين، وربما يكون بعضهم مظلوما، ولكن أكثرهم يمثلون ضحايا لسوء تقدير، أو لظروف اقتصادية أو اجتماعية، أو لضغوطات نفسية أودت بهم إلى ارتكاب جريمة ما أدخلتهم إلى السجن، وبالتالي فمجتمع السجون مجتمع خطر بسبب قدرته على تحويل الشخص (العادي) إلى شخص يتعايش مع مخلتف المجرمين وجرائمهم المتنوعة، ويصبح هذا الأمر بالنسبة إليه مألوفا وقابلا للتقليد والتطوير بسبب تنوع (الخبرات) التي عايشها.

ما يجب علينا فعله هو مراجعة برامج (الاصلاح) التي لا بد أن تكون حاضرة في فترة السجن، وكيف يمكن أن نحوّل (المجرم المدان) إلى مواطن قابل للتعايش مع المجتمع مستقبلا، وهذه البرامج في ظني ما زالت قاصرة عن بلوغ هذا الهدف بسبب نسبة تكرار الجرائم من قبل السجناء المفرج عنهم، وهذه الظاهرة تعكس الوجه الأول للمأساة.

الوجه الثاني يتمثل في رفض المجتمع وقوانين الدولة لخريجي السجون، مع أنهم أولى بالرعاية والعناية من غيرهم، فأول ما يواجهه الخارج من السجن هو حرمانه من شهادة (عدم المحكومية) لسنوات، وهي الشهادة التي تمنحه الفرصة للعمل في القطاعين العام والخاص، وإن كان ذلك مبرر اجتماعيا من باب التحرز في التعامل مع (مجرم سابق) فإن المأساة التي يواجهها السجناء (السابقين) تتمثل في عدم توفير الدولة لفرص عمل لهم، ولو ضمن شروط خاصة، وبالتالي يصبح هذا الإنسان عاطلا عن العمل، ومرفوضا اجتماعيا، وغير قادر على العيش بمستوى الحد الأدنى من الكرامة الانسانية، وعندئذ لا يجد خيارات كثيرة أمامه سوى الانتقام من المجتمع بالعودة ثانية إلى عالم الاجرام.

من القضايا الأخطر المتعلقة بالسجون تلك الخاصة بما يسمى التنظيمات الارهابية أو التكفيرية، فقد تواترت شهادات المحامين والأهالي والصحفيين القريبين من المشهد بوجود نسبة عالية من المظلومين بين تلك الفئة، وأن العديد من الاعترافات تم الحصول عليها تحت الاكراه، ويتعرض هؤلاء إلى محاكمات أمام محكمة أمن الدولة (المطعون بشرعيتها) وتكون الأحكام عالية جدا ولا تتناسب مع طبيعة التهم أحيانا (مثل قضايا الترويج للفكر الارهابي عبر مواقع التواصل) كما يعيش المتهمون والسجناء ظروفا صعبة داخل أماكن اعتقالهم أو سجونهم فيما بعد، حيث نجد أن مئات منهم يقيمون لفترات تزيد على العام في زنازين انفرادية، وضمن ظروف سجن صعبة للغاية (حالة سجن موقر 2)، وهذه الخلفيات مجتمعة إذا تم تركيبها على شعور عميق بالظلم، كفيلة بصناعة حاقدين على الدولة وعلى المجتمع، ويمكن أن يتحول هذا الحقد إلى ارتكاب جرائم فعلية أخطر في نتائجها من الجرائم التي سجنوا بسببها، وهذا حصل في أحداث اربد والكرك والبقعة وغيرها.

إن التعامل مع الفكر المتطرف من خلال برنامج المناصحة الذي يشرف عليه سمو الأمير غازي ليس فعالا، بل إنه محل رفض من كثير من سجناء التنظيمات (استنادا إلى روايات الأهالي) ونحن بحاجة إلى مراجعة شاملة لواقع هذه الفئة من السجناء، ووضع استراتيجية وطنية يشارك فيها علماء النفس وعلماء الدين وعلماء التربية وحقوقيون وخبراء في علم الجريمة، وأن تكون النظرة شاملة في المعالجة، لأن من يحمل فكر رفض الدولة وتكفيرها وتكفير كل من فيها لا يمكن مواجهته بمحاضرات حول الولاء لولي الأمر، ووجوب طاعته.

إن اصلاح واقع السجون يمثل بالنسبة لي وللكثيرين ممن يتابعون قضايا الحريات وحقوق الإنسان أهم ألف مرة من قانون العفو العام الذي لا شك يخفف من معاناة الأهالي إلى حين، ولكنه يزيد من معدلات الجريمة، قياسا على ما حصل في المرات السابقة. كما أن استثناء السجناء (التكفيريين) كما يوصمون في الاعلام، من أي بحث، والتعامل معهم بسوية واحدة فيه ظلم كبير، وهناك حاجة لتغيير استراتيجي في طريقة التعامل مع هذه الفئة، ربما ليس من أجلهم فقط بل من أجل الحفاظ على مجتمعنا من أي مخاطر مستقبلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى