الحكومة تحكم قبضتها على خطباء الجمعة / أ.د أنيس الخصاونة

منذ عام ونيف بدأت خطب الجمعة في المساجد الأردنية تتخذ منحى مختلف عما اعتدنا مشاهدته وسماعه من الخطباء الذين كانوا يتناولون في السابق شؤون الأمة وواقعها المأساوي في فلسطين وسوريا والعراق ومصر وسائر أصقاع بلاد الإسلام والعرب.
نعم كنا نسمع قضايا ذات صلة بالواقع وتلامس مشاعرنا وآلامنا وهمومنا وكان الخطباء يتناولون الأحكام الشرعية وموقف الإسلام من هذه القضايا.
وعلى ما يبدوا أن الحكومة قد نجحت في السيطرة التامة على المساجد وفصلها كليا عن الواقع السياسي الذي يحيط بها عبر تعليمات وإيعازات مكتوبة أو غير مكتوبة للخطباء الذي أصبحوا يخصصون خطبهم لموضوعات تصلح أن تستهدف جمهور من حديثي العهد بالإسلام أو من الذين نحاول استمالة قلوبهم للإيمان .لا أعلم عن مدى صلة وفائدة تخصيص خطبة عن نواقض الوضوء ،أو أجر صوم يوم عاشوراء ، أو عن نعمة الأمطار ، أو الموقف الشرعي من الطلاق على الواتس أب ، أو شفط الدهون في الوقت الذي لا يتحدث هؤلاء الخطباء عن شفط موازنة الدولة وبيع الفوسفات وشفط موازنتها من قبل الكردي ولا عن فضيحة الفيضانات في عمان وعدم قيام أمانة عمان بواجبها بالجاهزية للأمطار والفيضانات في حين أشبعتنا كلاما عن انتهاء كوادر الأمانة من صيانة وتجهيز منشآتها ومرافقها استعداد لموسم الشتاء!!!
لا أعلم كيف يستقيم الأمر للحكومة وخطباء الجمعة أنفسهم يقوموا بالحديث عن نواقض الوضوء في الوقت الذي يتم تقسيم اولى القبلتين وثالث الحرمين وانتهاك حرماته من قبل اليهود!!! لا أعلم كيف يري خطباء الجمعة أنفسهم وهم يتحدثون عن نعمة الأمن والأمان وهي الشيء السياسي الوحيد المسموح بالحديث فيه وعنه من قبل الحكومة في الوقت الذي يتم تقسيم الجارتين سوريا والعراق وتقتيل أبناء المسلمين واستحياء نسائهم وتدمير بيوتهم من قبل حزب الله وإيران ونظام الأسد وطائرات قيصر روسيا الجديد!!!
قبل سنتين كنا نذهب من جبل الى جبل في عمان ومن مسجد إلى مسجد لنستمع لخطبة الجمعة من خطيب يتناول شأنا مهما من شؤون الأمة ونستفيد من قضايا يعرضها سواء كنا متفقين أو مختلفين مع نهج الخطيب لكن لا خلاف على أهمية وصلة وحيوية موضوع الخطبة. الحكومة تريد على ما يبدوا أن تفصل الدين عن الدولة وتريد أن تعزل المساجد عن بيئتها عن طريق تضييق دورها وحصره في العبادات مثل مفسدات الصوم ، ونواقض الوضوء ، وحرمة ملامسة النساء ،وتنميص الحواجب ،وتكبير الثديين ، وتضخيم الشفاه وربما ﻻحقا ربط اﻻلسنة أو قصها. الحكومة الأردنية بقيادة الدكتور النسور وبمساعدة أئمة وخطباء عصريين وديجتاليين من الساعين للألقاب والمناصب تسعى للإفادة من تجربة بعض دول الخليج العربي التي جعلت المساجد شبيهة بالدوائر البيروقراطية تتلقى خطب الجمعة مكتوبة من وزارات الأوقاف وكل ما على فضيلة الأمام هو تلاوتها بصوت جهوري يبرق ويرعد ويدعوا للمسؤولين بالسداد والتوفيق وأن يرزقهم الله بالبطانة الصالحة .

نعم يبدوا أن حكومتنا غير الرشيدة استهوتها قضية فصل المساجد عن واقع الأمة وتريد أن تقلد تجربة بعض جيران المملكة الذين نجحوا في إطلاق يد وحناجر خطباء المساجد ورجال الدين في موضوع العبادات وأحكام تقصير الثوب أو إطالته ،وخروج المرأة الى السوق بصحبة محرم في الوقت الذي منعت لا بل حرمت المساجد وأئمتها من أي دور سياسي حيث احتفظت واحتكرت هذا الدور لنفسها.

على الحكومة أن تدرك بأن أمن الدولة واستقرارها لا يتأتى بمحاصرة المساجد وجعلها جزر منعزلة عن بيئتها ولا بمنع الخطباء من الحديث في شؤون الأمة .

المساجد منذ فجر الدعوة المحمدية كانت منابر تتناول شؤون الأمة وقضاياها وعلى عبدالله النسور وحكومته أن يراجعوا خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب الخلفاء الراشدين من بعده ليروا أن خطب الجمعة ليست مخصصة فقط للعبادات وانما تتناول الشؤون العامة للمجتمع. على الدكتور النسور وحكومته أن ينظروا ويفيدوا من تجارب دول اسلامية ليست ببعيدة عنا سوى بضع مئات من الكيلومترات ونحن هنا نشير إلى تركيا وتجربتها الفاشلة في العلمنة والعلمانية على مدار ثمانية عقود من الزمان لتعود إلى رشدها الان وتفتح مساجدها وتغير تشريعاتها غير الاسلامية وتزيل معوقات تدين مواطنيها ..

على حكومة الأردن أن تنظر إلى تركيا وإلى انتخاباتها التشريعية والفوز الساحق للإسلام والمسلمين.. على الحكومة الأردنية أن لا تلعب بعقائد الناس ومنابرهم ..
على حكومتنا أن لا تحول مساجدنا إلى دوائر بيروقراطية وأئمتنا الى أبواق تبث ما يقرر لهم من موضوعات منفصلة عن واقع الأمة ومشكلاتها..ان قررت الحكومة ان تستمر في تشديد قبضتها على خطباء الجمعة فيمكنها ان تبث خطبة موحدة على نفس موجة اﻻذاعة المخصصة لﻻذان الموحد بصوت الدكتور احمد هليل وما على المصلين اﻻ القول امين وتوفر بذلك نفقات واجور الخطباء…. .
يكفي الدكتور النسور وحكومته ما تسببوا به من أوجاع للناس في مأكلهم ومشربهم وكهربائهم وخنق حرياتهم فالأردنيون طيبون يمكنهم نسيان ذلك كله ولكنهم بالتأكيد لا يهادنون ولا ينسون أبدا من يحاول أن يضيق عليهم ويحاصرهم في معتقداتهم ومساجدهم ومنابر رسولهم عليه أفضل الصلاة والتسليم…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى