أ.د محادين .. هذه أسباب تصاعد الجريمة في المجتمع الأردني

خاص بسواليف – فادية مقدادي


شهد #المجتمع #الأردني خلال الأيام الماضية مجموعة من #الجرائم المروعة في تفاصيلها ، اثنتان منها حدثت في محافظة اربد ، آخرها أول أمس الاثنين راح ضحيتها شابان شقيقان ، وأصيب والدهما الذي ما زال في العناية المركزة ، على يد صاحب أسبقيات ، ما أثار حالة من #الخوف والفزع والاستهجان والاستنكار لطبيعة الجريمة المركبة التي تمت ، و #أداة_الجريمة التي استخدمت والتي قام القاتل بصنعها بنفسه .

موقع سواليف الإخباري توجه بمجموعة من الأسئلة للاستاذ الدكتور حسين محادين- الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع والجريمة والمدرس في جامعة مؤتة حيث قال ، أن#الجرائم التي ترهب مجتمعنا ووجداننا الجمعي نتاج متوقع لطبيعة #التحولات المتسارعة.

ومن حيث رؤية علم النفس الاجتماعي ، بيّن الدكتور حسين محادين أنه من الضروري التذكير علميا هنا واستنادا إلى دراسة الحالة الجرمية المذكورة ؛ بأن وصول اي مجرم إلى حد المجاهرة والاستعداد القَبْلي تخطيطا لأداة جريمته وتنفيذها، إنما يستلزمان بوضوح ولغايات التحليل والفهم ضرورة ربط هذه الاستعدادات المسبقة للجريمة مع نوعية التنشئة النفس اجتماعية التي تشربها هذا المجرم في طفولته وربما تلقيه التعزيز الضمني من والديه ،أو من تلقيها عبر محفزات البيئة الثقافية والحياتية القاسية التي عاش/ يعيش فيها مثل هؤلاء والتي تشجع على اقتراف العنف والعدوان باعتبارهما شكلا من أشكال الرجولة أو الفروسية السائدة والإتقان تعززان مكانة الأشخاص الشرسين والمعتدين على النظام العام مثل أن يعيش فرد ما في منطقة يحترف سكانها في موضوعات التهريب للأسلحة أو الدخان..الخ. أو اعتادت احتضان السيارات المسروقة في حدودها كمجتمعات محلية جراء اعتقادهم بأن المنظومة الأمنية معتزة او غير صارمة التطبيق، او ايمانهم بضعف وندرة نيل العقوبات القانونية بنظرهم من جهة، ومن جهة متمة تمشيا مع العرف السائد عند الكثير من الأسر؛ القائل والممارس غالبا عند تنشىئتنا لأبناء من الجنسين “اريد ان تكون/ي ضاربا لا مضروبا/ة “. وهذا تحديد ما يُسميها عالم النفس الشهير فرويد بخبرات الطفولة العنيفة، والتي تشكل وتغذي جذور السلوكات العنيفة بصورة متنامية من الطفولة حتى الكِبر ، ونوعية أنماط التنشئة “متسامحة ام عنيفة مثلا” هي التي ستحدد لاحقا اي عندما يكبر الأبناء شكل ومضامين مواقفهم وسلوكياتهم العدوانية نحو أنفسهم اولا ؛مثل الجرأة او الإقدام على الانتحار، أو سلوكاتهم نحو الاعتداء أو قتل الآخرين.
وإلا كيف يمكننا أن نفهم ونفسر المبررات النفس اجتماعية والقانونية التي دفعته لارتكاب كل هذه التجاوزات وبالتالي أن يكون لدى المجرم/ة صاحبا الاسبقيات كل هذه الأعداد من القيود الجرمية المطلوب/ة عليها قانونيا.


وتابع الدكتور محادين :
يبدو أن استخدام العنف وفي ذروته قتل أخرين، إنما يرتبط بتورم واغتراب الذات المجرمة وعدم سويتها فكرا وممارسات،، وارتبطت مع جرأتها للمرأة الاولى أيضا على ارتكاب الأبناء لجرائمهم نحو الآخرين وهنا تكمن أهمية استمرار برامج الوقاية المتنوعة من الجرائم وبغض النظر عن العوامل التي قادت لارتكابهم هذا الفعل المدان دينا وقوانينا .

وغالبا ما تكون مبررات اقتراف مثل هذا الفعل الجرمي لا تستحق أن تُقابل بقتل النفس التي حرم الله قتلها ومع هذا تُقتل للأسف، أو أن يكون حجم ونوعية الخلافات بين الأفراد أو الجيران والمجاميع بسيطة وتافهه، ومع ذلك نجد أن الأشخاص القتله مستفزون اصلا بحكم نوعية تربيتهم الأسرية والبيئية التي عززت لديهم اصلا ومنذ الطفولة ، فكرة ورجولة الاعتداء أو حتى إخافة الآخرين حاضرة في ثنايا نفسيتهم العدوانية، وبالتالي نجد أن التسامح قبلا وعدم تنفيذ العقوبة القانونية والإصلاحية على مثل هؤلاء المجرمين نتيجة للتنازل عن الحق الشخصي،او الصلحات العشائرية احيانا تقودان إلى التشجيع الضمني للمعتدين على تكرار عنفهم وزيادته، أو حتى بعض من عوقب بالسجن قبلا على تكرار الافعال الجُرمية، وهذه ما تعرف في علم اجتماع الجريمة بجرائم العود.


وأضاف :

لعل من اللافت في العديد من الجرائم المرتكبة أنها قد أعد لها قبلا اي الشروع بالقتل ، وان مرتكبيها غالبا هم من أصحاب السوابق المطلوبين ليس فقط على جرائم الأبناء أو القتل بل ربما على جرائم مالية/اقتصادية وممن سبق لبعضهم أن اقام وخرج لاحقا من مراكز الاصلاح بعد أن قضى مدة محكوميته، إضافة إلى استخدام القتلة والعدوانيين للأسلحة البيضاء والأدوات الحادة عند ارتكابهم لجرائمهم سواء القتل الكامل أو حتى تقطيع بعض أعضاء الضحايا،وهذه الادوات الحادة تذكرنا ما تم استخدامه من قبل الجماعات الإرهابية. وما بقوه لنا مشاهدين عبر ثقافة الصورة المصاحبة لادماننا جميعا، لاسيما الشباب منا لمشاهدة فيديوهات عنيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. ولعل الأخطر أيضا هنا – مع رفضنا لجميع أشكال العنف دونما اشتثناء – هو أننا نلاحظ كباحثين، بأن وقوع جُل هذه الجرائم قد وقعت ضمن حدود وبين افراد الأسرة أو العشيرة الواحدة احيانا ، ما يعني أن طبيعة وفلسفة التكافل قد تراجعت وأن أهمية ادوار الأسرة الأساسية في تعميق قيم الحوار بالتي هي أحسن كقيم عليا في مجتمع عربي مسلم يُفترض أن تكون هي السائدة والأكثر فعالية تربوية قد ضعفت ايضا،أو قلت كثافتها الدينية والأخلاقية، وبالتالي حلت محلها السلوكات غير المتوازنة للأسف.
دون أن ننسى ايضا ،أن هذه الوقائع العنيفة إنما تهدد مبررات استمرار البناء الأسري السليم ككل،وكأني بالأسرة الأردنية وهي وكيلة ومصنع المجتمع الأساس للتربية السوية للأفراد من الجنسين وهي المعمقة لقيم التأزر والتسامح الإنساني قد أخذت تفقد أو تضعف مبررات قيامها أو إنشائها اصلا،،وإلا كيف نفسر ارتفاع نسب الطلاق لدينا في السنتين الأوليتين من زواج الشباب، وكيف يمكن أن نفهم ارتفاع سن الزواج بشكل لافت، مع قلة الإقبال عليه اصلا في ظل اهتزاز البناءات الاقتصادية ممثلة بالفقر والبٍطالة ، وتراجع تأثير منظومة القيم الدينية والتكافلية حتى بين معظم الأخوات والأخوة في الأسرة الأردنية وبشكل أوضح في المدن الكبيرة..؟

لكن …
لماذا ارتفاع وتغير أشكال الجرائم في مجتمعنا ٱخذ في الصعود والاستفزاز لوجداننا الشعبي؟
قال الدكتور محادين : من المنطقي التذكير بأن التشخيص الدقيق لاي تحدٍ مجتمعي هو الطريق الأسلم والاسرع لوصف العلاج الناجع لمثل هذه المهددات الأمنية التي نعيشها ،
وقال أن تردي #الأوضاع #الاقتصادية وإجراءات الخصخصة المتسارعة منذ بداية القرن الحالي دون وجود اقتصاد اجتماعي متدرج لحماية الشرائح الفقيرة أردنيا قد زاد ضمنا نسب #البٍطالة وحجم فجوات التنمية بين محافظات الوطن، إذ ساعدت ضعف سياسات المعالجة الحكومية لهذين التحديين التوأم معا قد انجبت احباطا واضحا في الوجدان الشعبي والأسري معا، الأمر الذي عمل على تفكيك قيم التكافل بين الأفراد والجماعات جراء هشاشة الدخل المالي للأسرة الأردنية تأثرا بارتفاع تكاليف الحياة على العموم، ما قاد إلى تشظي وضعف ادوار قيم الجماعة في الأسرة والمجتمع بالتالي مقابل انتشار القيم الفردية، وهذا ما عمق احساس الأفراد المحيطين بصعوبة الحياة. اصلا وهم يشاهدون ويعانون من غياب العدالة النسبية في العمل المروج ،او حتى في ظل سيادة تنظيم الواسطة عوضا عن قيم القانون والمواطنة الحقة، وكذلك ارتفاع الشعور بالاغتراب في دواخلهم في ظل غياب الوعد المنتظر بالعمل أو حتى الزواج أو تعذر إمكانيات الهجرة ..الخ.
وكلها عوامل تتضافر لإنجاب #السلوك #العنيف والجرمي أو حتى التطرّفي لدى الشباب كأصحاب ثقافة فرعية خاصة بهم من اميز مؤشراتها هي تمتع الشباب دون غيرهم من شرائح المجتمع الأردني الأخرى ببعدي الزمن حاضره ومستقبله فهم معنيون كثيرا بالحاضر والمستقبل معا، إضافة إلى تمتعهم بالجرأة على المغامرة والتجريب دون خوف غالبا وهنا مبعث قلق مضاف احتمالية ازدياد أعداد الجرائم العنيفة إذا لم نستدرك مؤسسات دولة وأسر ومنظمات مجتمع مدني واعلام تنويري وعبر برامج تمكين وتوظيف مدروسة ومتسارعة للشباب من الجنسين للوقاية والمعالجة لهذه التحديات المُفرخة للعنف والجرائم المستجدة على خبراتنا كأردنيين فكرا وتطبيقات في حال استمرارها لاسمح الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى