أيها المغترب توقف ……. فأنت في زمن الكورونا

أيها المغترب توقف ……. فأنت في زمن الكورونا

مهند الهندي / دبي

مرت الأيام سريعًا.. وبعد أزمة كورونا استوقفني انه اليوم .. قد مضى على رحيلي أكثر من عشرون سنة، بل اتذكر تحديدًا متى غادرت بلدي وحينها رافقتني والدتي الى المطار والدموع تنسكب من عيناها ، وقررت أن أبدأ حياة جديدة بهدف البحث عن لقمة العيش، ولكني أطلب اليوم وقفة مع النفس للمراجعة وضبط البوصلة جيدًا، حتى أكتشف أن سنوات العمر قد هربت مني بغير رجعة

حالة من الاهتمام والجدل قرأتها لأحدى الأشخاص “أيها المغتربون استمتعوا حيث أنتم”، والذي غاص من خلاله في أعماق المشكلة واعتبر أنه “مهما طالت سنين الغربة بالمغتربين، فإنهم يظلون يعتقدون أن غربتهم عن أوطانهم مؤقتة، ولا بد من العودة إلى مرابع الصبا والشباب يوماً ما للاستمتاع بالحياة، وكأنما أعوام الغربة جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب، لاشك أنه شعور وطني جميل، لكنه أقرب إلى الكذب على النفس وتعليلها بالآمال الزائفة منه إلى الحقيقة، فكم من المغتربين عانى الأمرّين، وحرم نفسه من ملذات الحياة خارج الوطن كي يتمتع بالأموال التي جمعها بعد العودة إلى دياره، ثم طالت به الغربة وانقضت السنين، وهو مستمر في تقتيره ومعاناته وانتظاره، وكم من المغتربين عادوا فعلاً بعد طول غياب، لكن لا ليستمتعوا بما جنوه من أرزاق في ديار الغربة، بل لينتقلوا إلى رحمة ربهم بعد عودتهم إلى بلادهم بقليل، وكأن الموت كان ذلك المستقبل الذي كانوا يرنون إليه! لقد رهنوا القسم الأكبر من حياتهم لمستقبل ربما يأتي وربما لا يأتي وربما لا يأتي أبداً، وهو الاحتمال الأرجح.

دعني أطلب منك عزيزي أن تعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، لأسألك عن هدفك الذي سافرت من أجله؟ وهل استطعت تحقيقه أم لا؟ هل تذكر ذلك الوعد الذي قطعته لأحبابك بأنك لن تزيد عن بضع سنوات من السفر، تتمكن خلالها من تحقيق هدفك في ذلك الحين من امتلاك الشقة الملائمة أو غيرها؟ ألا تتفق معي أن هدفك الآن قد تطور بشكل ملحوظ؟ وأنه بمرور الوقت صرت تعمل فقط من أجل تحسين حياة أولادك وتكوين مستقبلهم في غربتك ، وهذا بالتأكيد حقك.. ولكن اسمح لي أن أسألك عن اللحظة التي سوف تكتفي فيها وتقرر العودة إلى الوطن، هل هي بعد عام أو خمسة أو حتى عشرة؟ المهم.. هل خططت لمستقبلك؟ أم أنك ستنتظر حتى ينهي أولادك دراستهم الثانوية، لتبدأ حياتهم الجامعية.

.. الغالبية العظمى من أبناء المغتربين يعانون كثيرًا عند العودة إلى وطنهم والالتحاق بجامعاتها، أنا لا أتحدث عن المجموع الذي يؤهلهم للالتحاق بالجامعات الحكومية أو الخاصة، وما يتبع ذلك من مصاريف إضافية تحتاج منك مزيدًا من الأعوام بالغربة لتغطيتها، ولكن أعني الجانب الاجتماعي والسلوكي؛ فهم قد ترعرعوا في مجتمع مغاير تمامًا من ناحية العادات والتقاليد، وهو ما يؤثر على تكوينهم النفسي وينعكس على تصرفاتهم، ما بين الانغلاق الكامل وعدم القدرة على التكيف مع الوضع الجديد، وبين الانبهار الكامل الذي يصاحبه محفظة ممتلئة بالنقود من خلال والده الذي يعمل بالخليج، وهو ما يدفع بالكثير من الشباب إلى الانحراف المبكر نتيجة غياب دور الأب.

تكمن أحد الجوانب الأخرى للمشكلة في أنك عزيزي المغترب قد تكونت لديك صورة سلبية أكثر من اللازم عن الواقع ، صحيح أن أحوال الوطن لا ترضي أحدًا، ولكن الصورة لديك تزداد سوءًا من خلال متابعتك لعالم البرامج الحوارية التي تبحث عن السبق الصحفي في قضايا الفساد والجرائم. أضف إلى ذلك أنك تعايش الواقع في المجتمع لمدة أسابيع قليلة من خلال أجازتك السنوية، والتي تلاشت فيها علاقاتك مع الأهل والأصدقاء، اللهم إلا ممن ضاقت بهم سبل الحياة ويرونك المخلص لمشاكلهم، ولم لا.. وأنت بالنسبة لهم رجل يعمل لمدة احدى عشر شهر في العام، ثم يعود إلى بلده محملاً مما ادخرته من المال، تلبس ثوب “الدفة” وحوارك معهم يدور حول أنواع العطور والملابس والاسماك وأسعار جمارك السيارات

مشكلتك يا عزيزي أنك لا تشاهد الوطن إلا من خلال دائرة ضيقة ترتبط بواقعك المرير حين غادرته، ذكريات الوطن ترتبط معك بزحمة “السيارات” وخناقات السائقين، وسوء الشوارع، بينما لم تعرف أنه توجد دوائر أخرى أوسع، تضم شريحة استطاعت من خلال تملكها المال أن تصبح حياتها مختلفة عن تلك التي عشتها أنت، حياة يدور فلكها في عمان الغربيه ودير غبار ، ومنتجعات البحر الميت، أغلبهم من الشرفاء الذين كسبوا أموالهم بالحلال، وقرروا أن يغيروا من نمط حياتهم، وأنت بإمكانك – إن أردت- أن تستمتع بحياتك في بلدك على نفس المنوال

أنا لا أطلب منك العودة ولا البقاء، وإنما أطلب منك أن تقرر ماذا تريد أن تفعل؟ وأن تحدد هدفك بوضوح، وتصبح صادقًا مع نفسك! ماذا تريد الآن من الغربة؟ وإلى متى؟ لا تدفن رأسك في الرمال وتؤجل الإجابة على هذه الأسئلة إلى حين تتحسن الظروف والأجواء في وطنك، فهذه عشرات السنين قد مرت ولم يحدث ما تنتظره من تحسن، وستمر أيام العمر سريعًا لتصبح مجرد ذكريات

ولكن والأجمل ان الغربه مهما قدمت لك فهذا لا يوازي راخة النفس وهواء الوطن وأن تكون على مقربه من والديك وأهلك وعشيرتك وان تكون حاضرا معهم في ادق التفاصيل في فرحتهم وحزنهم وكبرهم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى