أين الهيئات المستقلة من الأزمة ؟

أين الهيئات المستقلة من الأزمة ؟
د.رياض ياسين

أشفق على الحكومة بمكوناتها ووزاراتها السيادية وغير السيادية وهيئاتها الكامنة في المؤسسات الحكومية التقليدية في ظل هذه الجائحة ونثمن الدور والجهد الكبيرين المبذولين في ادارة الأزمة مع التحفظات على العديد من القرارات.
كنت اترقب ومعي الكثيرون أن الدولة بأذرعها الجديدة وهيئاتها المستقلة ان يكون اداؤها فعالا أكثر ومؤثرا وتوسمنا الخير في هذه المؤسسات المفروض انها موازية وحداثية بما يضمن قدرتها على ان تكون بمثابة طوق نجاة للدولة برمتها في الأزمات كما هو الحال في الظروف الاعتيادية ولكن (وكنت أظن وخاب ظني).

بدأت القصة بانتقال الدولة وتحولها الى نظام السوق والانفتاح والخصخصة، بدا واضحا ان كثيرا من المؤسسات التي تم انشاؤها كان ضروريا في حينه،لكن المشكلة أن هذه المؤسسات يفترض ان تم تسكينها وتوطينها داخل الوزارات وهيكل الحكومة المالي والإداري ولا يتم فصلها. بمعنى ان من يرون ان هذه المؤسسات ضرورية للدولة عليهم أن يتبنوا فكرة ان تكون جزءا من مؤسساتها باعتبار أنها تهدف الى مراعاة التطورات العالمية والتحول الاقتصادي والنمط التكنولوجي.
وهناك من يرى ان الهدف الذي أنشئت من اجله هذه المؤسسات قد انتهى،وبقيت هذه المؤسسات عبئا على ميزانية الدولة ومؤسسات موازية لمؤسسات الحكومة وأكثر من ذلك فهذه المؤسسات تتفوق من ناحية العدد على وزارات الدولة، فهي ضعف عدد الوزارات حوالي 62 مؤسسة، وشكلها مختلف عن شكل مؤسسات الحكومة والنظام الذي تعمل يه مختلف عن نظام الحكومة المالي والإداري كليا ويقترب في اجزاء منه من القطاع الخاص.
استنزفت هذه المؤسسات أكثر من نصف ديون الأردن منذ بدايات تأسيسها العام 2002 مع برنامج التخاصية،والمواطن يسال اين ذهبت اموال التخاصية الجواب في رواتب ومصاريف هذه المؤسسات ومستواها وبرستيج القائمين عليها. والأصل ان يتم تقييم أداء هذه المؤسسسات ومنجزاتها من خلال تقارير دورية وجهات رقابية تقيس مدى فاعلية وانتاج هذه المؤسسات وربط المنجز بالهدف الذي انشئت من اجله.
الحكومات التي مررت العديد من الموازنات العاجزة خلال العشر سنوات الماضية كانت تعلم ان نصف ميزانية الدولة تذهب لهذه المؤسسات،فالأرقام تشير الى ان ميزانية هذه المؤسسات ارتفع بصورة مبالغ فيها لدرجة انها فعلا باتت دولة عميقة ليس فقط في استنزاف الموازنة بل وتوجيه مشاريع وبرامج الدولة احيانا بصورة لا تخدم الاقتصاد الوطني والناتج المحلي. فالأرقام تشير الى اكثر من ملياري دينار موازنة هذه المؤسسات التي على مايبدو لا تخضع لرقابة المؤسسات الحكومية من ديوان الرقابة والتفتيش وديوان المحاسبة. وأصلا لا تظهر ميزانياتها في كشف الميزانية السنوي الامر الذي يبقيها خارج النقد والمساءلة والمحاسبة حتى لو بالسؤال من مجلس النواب .والامر الاخطر ان نظام هذه المؤسسات لايخضع لمعايير ديوان الخدمة المدنية ومن يتعينون فيها ليسوا ممن انتظروا أوكابدوا وعاشوا ذلك الترقب في ديوان الخدمة، وحتى الرواتب والامتيازات والمياومات والترفيعات لها نظام خاص ليس مقيتا مثل نظام الحكومة الذي يزيد الموظف سنويا من 2 دينار الى عشرين دينار حسب درجته وطول خدمته،وبعد كل الزيادات لموظف الحكومة 30سنة فإنه لايجاري عقد الموظف الذي تم تعيينه حديثا في هذه المؤسسات في حال بلغ المتوسط للموظف الذي تم تعيينه حديثا في هذه المؤسسات حوالي 800 دينارا.
الأجدر ان تقوم الدولة بتوجيه هذه الأموال الى التعليم والصحة والمؤسسات الامنية والتنموية وبرامج التنمية وتحسين المناطق الفقيرة والنائية وايلاء المهمشين والمستضعفين بعضا من الاهتمام، اما اذا كان الموظفون السوبر في هذه المؤسسات هم ابناء الذوات واحفادهم والدولة تغطي عليهم باعتبار انهم (موسط) الدولة وركنها الركين فهذه إشكالية تعمق من فكرةالدولة العميقة التي يفترض ان يتم رفضها حتى لا تتعمق وتضرب في جذور تكوين الدولة وتعطل مسيرتها.
على الحكومة إذا كانت جادة أن تعيد الأمور إلى نصابها وتثبت التوجهات السليمة وتخلص الاقتصاد من الإنحرافات دون مماطلة اواعتبارات محتلفة، فكفى ان تقوم بالتفكير أن المواطن هو من سيتحمل عبء كل العجز،فالمديونية وصلت مع كل برامج التصحيح الى إلى أرقام غير مسبوقة ، فقد تجاوزنا قانون الدين العام منذ العام 2004 وتصاعد الدين لدرجة التدخلات السافرة من صندوق النقد وفرض روشيتات لتصحيح الاقتصاد قبل ان تصل الدولة الى مربع الإفلاس. الحكومة مطالبة بالتفكير جديا بدمج هذه المؤسسات والتخلص من المتشابه منها،وضمها كلها لموازنات الدولة واخضاعها لقانون الخدمة المدنية بدل ان تبقى تغرد خارج سرب الدولة لطالما هي غير قادرة ان تخدم الدولة والمجتمع بطريقة فعالة ومؤثرة.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى