انظمه بتتمرجل على الفنانين والمثقفين

عمان – سارة القضاة- منذ مطلع هذا العام، ومع ثورة الشارع العربي، أو ما يطلق عليه الربيع العربي، لا تمضي أيام إلا ونسمع فيها عن اعتقال فنان هنا ومثقف هناك، ناهيك عن المضايقات والاحتكاكات مع فنانين ومثقفين عرب بشتى الأشكال والصور ممن كان لهم رأي مغاير عما يحدث في بلدانهم.
في تونس ومصر وسوريا ولبنان واجه فنانون ومثقفون شعورا بالخوف المضاعف، على أوطانهم، كأي مواطن عربي، وعلى أنفسهم، كمشاهير يسهل تمييزهم، وعلى فنهم الذي بات أسيرا للأوضاع السياسية الراهنة, ولأنهم صوت الناس العالي فقد دافعوا عن الممارسات الرديئة للانظمة.
أوردت الصحف العربية خبر اعتقال وتوقيف صاحب فرقة «وينجز» وعضو في فرقة «كزى مدى»، الفنان اللبناني الشاب زيد حمدان لثماني ساعات، على خلفية إنتاجه أغنية ضمن فيديو كليب بعنوان «الجنرال سليمان» يقول في نهايتها «go home».
ما تعرض له حمدان يكاد لا يذكر عند الحديث عما تعرض له فنانون سوريون من النظام السوري، إذ اضطرت الفنانة السورية يارا صبري وأفراد أسرتها الصغيرة إلى الفرار من سوريا هربا من «شبيحة» النظام، بعد تهديدهم بالقتل من قبل أحد ضباط علي مملوك مدير إدارة المخابرات العامة.
وقالت مصادر موقع «الحقيقة» الالكتروني أن التلفزيون السوري استدعى قبل بضعة أسابيع الفنانة يارا صبري والفنانة منى واصف وفنانين آخرين من أجل «توضيح مواقفهم للشعب، بشكل لا يقبل اللبس،إزاء ما تمر به سوريا منذ أربعة أشهر». وطبقا لمصادر «الحقيقة» ، فإن الاستدعاء جرى عبر ضابط في «الفرع 251» ( الفرع الداخلي) في المخابرات العامة يدعى « لؤي».
وأوضحت هذه المصادر بالقول «إن الفنانين لبوا الدعوة، وتلقوا توجيهات من المخرج وضابط المخابرات المذكور حول ما الذي يجب عليهم قوله وما الذي يتوجب عدم التطرق إليه في المقابلة. وعندما بدأت يارا صبري الحديث تطرقت إلى القمع والتعذيب الذي تمارسه السلطة، وإلى عمليات القتل التي ترتكبها أجهزتها الأمنية. وعندها أمر المخرج بوقف التصوير وبادر إلى الاتصال بضابط المخابرات المذكور الذي حضر إلى المكان وأبلغ يارا صبري بأنه ليس هذا ما جرى الاتفاق عليه، إلا أنها رفضت إملاءات ضابط المخابرات وغادرت القاعة، فلحق بها إلى الممر وأبلغها «نحن نريد تهدئة الأمور، ومن الممكن أن تأتي رصاصة طائشة وتقتل أحد أولادك، وبعدها لا ينفع الندم».
قبل اقل من شهر، اعتقلت الأجهزة الأمنية السورية في العاصمة دمشق عدداً من المثقفين والفنانين السوريين الذين قاموا بتنظيم مظاهرة، مؤيدين بذلك ثورة شعبهم ومطالبه المشروعة، وحقه الكامل في العيش في ظل دولة عادلة وعصرية يحكمها القانون، وتكفل حرية الأفراد، ليتواصل بذلك مسلسل «بلطجة» الأنظمة تجاه فنانيها ومثقفيها.
حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية عددا من الأسماء البارزة في المشهد الثقافي والفني السوري، كان من بينهم: الفنانة مي سكاف، كاتبتا السيناريو ريم فليحان ويم مشهدي، الصحفي إياد شربجي، نضال حسن، سارة الطويل، دانا بقدونس، والتوأم المسرحي محمد وأحمد ملص اللذان تعرضا للاعتقال والضرب، فادي زيدان، جيفاره نمر، محمد زاكر الخليل، المصور الصحفي مظفر سلمان.
كما شارك الفنان فارس الحلو في مظاهرة المثقفين في الميدان وصرح عبر الصحافة وصفحته على الفيسبوك عن تأييده الكامل للمظاهرات، فيما كان الفنان محمد آل رشي أول فنان هتف على الملأ بسقوط النظام، وتعرض هؤلاء الفنانين لعشرات الاتصالات البذيئة يومياً حتى أن بعض التهديدات وصلت إلى القتل والتصفية الجسدية.
كما قتل مجموعة من المواليين للنظام السوري بصورة وحشية إبراهيم قاشوش مغني الثورة في حماة، التي شهدت أكبر تظاهرة مليونية تطالب بإسقاط نظام الأسد في «جمعة ارحل»، حيث عثر على جثته ملقاة في نهر العاصي وقد قطع نصف رقبته واستأصلت حنجرته من الوريد إلى الوريد. وما يزال عديد من الفنانين والمثقفين السوريين يتعرضون بشكل يومي إلى شتى أنواع المضايقات، وما يصح أن يطلق عليه اسم «بلطجة تجاه الثقافة والفنون».
وأطلق عدد من المثقفين السوريين صفحة على الموقع الاجتماعي فيسبوك تحمل اسم الحرية للمثقفين السوريين وصوت الفكر السوري، قالوا فيها «وحيث إننا كمثقفين وفنانين وصحفيين سوريين نعتبر أنفسنا أفراداً من هذا الشعب العظيم، ومنسجمون كل الانسجام مع تطلعاته، ومؤيدين لمطالبه المشروعة، وحقه الكامل في العيش في ظل دولة عادلة وعصرية يحكمها القانون، وتكفل حرية الأفراد، فإننا نعلن أنه آن الأوان كي نقول كلمتنا في هذا المقام، وأن ننزل إلى الشارع إلى جانب أخوتنا الذين قدّموا من دمائهم وعذاباتهم الكثير ليجلبوا لنا الحرية؛هذا الحقّ الذي أقرّته كل الشرائع السماوية، والمواثيق العالمية».
وفي مصر، لم يكن مشهد المثقفين والفنانين يختلف عن المشهد العربي بمجمله، على الرغم من انه كان اخف وطأة واقل ضررا، إذ أبان ثورة 25 يناير تعرض الممثل المصري عمرو واكد للضرب وشقيقه محمد للاعتقال أثناء مشاركتهما في مظاهرات ميدان التحرير، كما تعرض فنانون مصريون ومثقفون للضرب والاعتقال أثناء مشاركتهم في «مسيرة الغضب» التي أطاحت بالنظام المصري.
كما شارك الفنان خالد أبو النجا في المظاهرات، وانطلق من شبرا إلى جامعة الدول العربية، واعتصم مع المتظاهرين في ميدان التحرير في وسط القاهرة، حيث تعرض للقنابل المسيلة للدموع، وتعرضت الفنانة جيهان فاضل لمضايقات الأمن أثناء مشاركتها في المظاهرات، أما السينارست والمخرج عمرو سلامة فقد ضرب بشدة، وتم القبض عليه لعدة ساعات قبل الإفراج عنه.
وفي تونس، كان المشهد أكثر ضبابية، فلم تورد أي من التقارير الإعلامية التي واكبت ثورة الياسمين خبرا يفيد باعتقال أي من الفنانين أو المثقفين التونسيين، إذ بدا وكأن فناني ومثقفي هذا البلد غائبين عما يحصل به، بل أكدت بعض الأخبار استياء العديد من التونسيين من الفنانين الذين لم يتخذوا موقفاً واضحاً قبل الثورة أو بعدها، فيما دافع رجال المسرح التونسي عن الثورة، من بينهم المخرج الفاضل الجعايبي والممثلون جليلة بكار ورجاء بن عمار ونصر الدين السهيلي ولطفي العبدلي ونعيمة الجاني ورؤوف بن يغلان ومحمد علي النهدي ولطفي العبدلي.
واكتفت القوى الأمنية التونسية بإلقاء القبض على مدونين وناشطين وصحفيين وجهوا دعوات للمشاركة في التحرك الاحتجاجي السلمي على شبكة الانترنت.
وفي ليبيا واليمن والجزائر والمغرب كان الوضع أكثر صعوبة، ذلك أن الإعلام لم يكن قادرا على اختراق المشهد السياسي هناك بسهولة، كما أن المشهد الثقافي والفني في هذه الدول يبدو غائبا عن الإعلام العربي بشكل عام.
ولعل ابرز ما حدث في اليمن على صعيد المشهد الثقافي والفني فيها، تفريق قوات الأمن بمحافظة تعز الاعتصام التضامني الذي أقامه الفنانون اليمنيون أمام بوابة السجن المركزي في تعز بعد منعهم من الدخول لزيارة الفنان المعتقل فهد القرني.
التعرض للفنان والمثقف، الذي يعد احد واجهات الوطن وصورته الحضارية، يبقى جرما لا يستهان به مهما كانت درجته، ودون شك هذا لا يلغي ولا يقلل من شأن ما يتعرض له المواطن والإنسان من تهديدات وقتل وتعذيب جسدي ونفسي، بل تبقى الشعوب دائما محركة الثورات ووقودها.
ولربما يثير اعتقال الفنان والمثقف وتعرضه للمضايقات من حفيظة الاعلام وشرائح المجتمع كافة، ذلك ان صوت الفنان لطالما كان صوتا مسموعا، ورأي يحتذي به الاف المعجبين، فيظل دائما صوت الفنان مؤثرا ويخيف الانظمة.
ويكاد لا يخلو أي بلد عربي من وجود اضطهاد فكري أو نفسي أو جسدي يمارس على المثقفين والفنانين المنحازين لمطالب الشعوب والشارع، فكيف يمكن أن تؤمن الشعوب بإصلاحات تعد فيها أنظمة تضطهد مشاهيرها ووجهها الثقافي والحضاري؟!

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى