للذكر مثل حظ الأنثيين / د. هاشم غرايبه

للذكر مثل حظ الأنثيين

كان لإعلان الرئيس التونسي مصادقته على مشروع قانون يلغي المبدأ التشريعي الإلهي في توزيع الإرث، وقع الصدمة في العالم الإسلامي، فهذا هو إعلان صريح لبلد إسلامي لرفضه التقيد بمباديء الشريعة، رغم أن كل الأنظمة تفعل ذلك لكنها لا تعلنه.
بالطبع احتفى الغرب بذلك، وهتفت له أدواته المنبثة بيننا، وهي منظماته غير الحكومية وأتباعه ممن يسمون أنفسهم بالعلمانيين أو التنويريين، وهم في حقيقتهم ينعقون بما لايسمعون.
لن أدافع عن المبدأ التشريعي في الميراث، فهو بمنطقيته يبين عدالته لمن يبحث عن الصواب، أما المعادي له تعصبا فلن ينفع معه شرح ولا تفسير، لذلك سأبدأ بهدم الركن الذي يرتكزون عليه.
هم يهاجمون الإسلام بأنه يميز بين الرجل والمرأة، تحديدهم الإسلام بذلك يعني أن الشرائع السماوية الأخرى ليست كذلك.
بما أنهم يعتبرون الكتاب المقدس إلهيا والقرآن وضعيا، لننظر الى أحكام المواريث في التوراة:
1 – الأولاد الذكور يرثون أبيهم والبنت لا ترث إلا إن لم يكن له أبناء: ” أَيَّ رَجُلٍ يَمُوتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْلِفَ ابْناً، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ ” [سفرالعدد:9].
2 – للولد الأكبر مثل نصيب اثنين من إخوته: ” لِيُعْطِيَهُ نَصِيبَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُوجَدُ عِنْدَهُ، لأَنَّهُ هُوَ أَوَّلُ قُدْرَتِهِ. لَهُ حَقُّ الْبَكُورِيَّةِ” [سفر التثنية:21].
3 – للرجل حق فى تكتسبه زوجته من كدها، وفى ثمرة مالها، وإذا توفيت ورثها، أما الزوجة فلا ميراث لها من تركة زوجها إذا توفى قبلها: ” فَإِنْ صِرْنَ نِسَاءً لأَحَدٍ مِنْ بَنِى أَسْبَاطِ بَنِى إِسْرَائِيلَ، يُؤْخَذُ نَصِيبُهُنَّ مِنْ نَصِيبِ آبَائِنَا وَيُضَافُ إِلَى نَصِيبِ السِّبْطِ الَّذِى صِرْنَ لَهُ ” [سفرالعدد:36].
بطبيعة الحال فليس في الإنجيل تشريعات، لأنه نزل على بني إسرائيل تحديدا، فلم يكن من ضرورة لتكرار تشريعات التوراة.
وهكذا لا يحتاج المُقارِن الموضوعي لمن يدلُّه على مبلغ إنصاف المرأة في التشريعات القرآنية، إذاً أليس المضبوعون هؤلاء، المبهورون بالغرب، ناعقين بما لا يسمعون !؟.
ندخل الأن الى فهم مبدأ: “للذكر مثل حظ الأنثيين”.
كمدخل، يجب أن نضع في الإعتبار مسألتين أساسيتين:
الأولى: أن التشريع يؤخذ متكاملا فلا يجوز تجزيء بنوده، لأن نقص بند يغطيه بند آخر.
والثانية: أن التشريعات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية هي وحدة واحدة مرتبط بعضها ببعض، فالمجتمع الإسلامي يتميز بارتكازه بنيويا على وحدة العائلة التضامنية، وليس كالمجتمع الغربي الذي يعتمد الفرد كوحدة بنائية، لذلك يركز الغرب على حقوق الفرد كالحرية الإقتصادية والإجتماعية، ولا يرتب عليه التزامات تشريعية تجاه عائلته أصولا أو فروعا، إذ يعتبرالواجبات التكافلية هي مسؤولية الدولة.
من هنا نفهم أن التزامات الفرد في المجتمع الإسلامي نحو عائلته متشعبة، وتختلف مسؤولية الذكر عن الأنثى.
فالإبن الذكر مكلف شرعيا بإعالة والديه وأخته الأنثى العزباء، ورعايتهم وليست الدولة، وهو مسؤول أيضا عن إخوته القاصرين بعد أبيه، وعماته العزباوات إن لم يكن لهن دخل.
لذلك كانت صلة الرحم واجباً على الذكر، ولها كلفة مادية ومعنوية، وأهميتها أنها من أقوى الروابط التي تحمي المجتمع من التفكك، وهي أهم وسيلة لمنع البغاء، كما تحمي كرامة المرأة، ولو بحثت في ظاهرة المتسولين الذين أغلبهم نسوة، لن تجد متسولة واحدة لها إخوة مؤمنون بالله واليوم الآخر.
ولو حسبنا المسؤوليات وكلفها التي يرتبها الشرع على الذكر سنجدها أكثر من مغنم مثلي حظ الأنثى، وعلى أية حال فهذه الأنثى ستجد زوجها وقد نال مثلي حظ إخته أيضا، فستكون المحصلة النهائية متعادلة، مع نيل الأنثى تفضيلا على الذكر بعدم تحميلها مثل التزاماته.
مما يبعث على الأسى جهل هؤلاء المضبوعين بمتطلبات نهضتنا، فهم يعتقدون أن تخلفنا بسبب اتباعنا منهج الله لذلك يطالبون بِهجرهِ وتطبيق التشريعات الغربية، والمستمدة من دستور نابليون الفرنسي، والذي اتفق الباحثون على أن العلماء المرافقين للحملة على مصر أخذوها من الفقه المالكي، ولجهل فقهائنا الدستوريين العلمانيين بشريعتنا، فقد اعتقدوا أن التشريعات الفرنسية مخالفة للشرع فترجموها..وهكذا فبضاعتنا ردت إلينا وهم لا يعلمون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى