جلود التماسيح / يوسف غيشان

جلود التماسيح

المثقف والكاتب الفرنسي الكبير اناتول فرانس قال: -انا لست مفتقرا الى اية مهارة، حتى اشتغل في السياسة.
اصيب أحد افراد قبيلة من اكلة لحوم البشر بالصداع مع تقيؤ شديد، وقد عاينه ساحر القبيلة. وبعد الفحص السريري والمخبري قال له:
– ان سبب صداعك وغثيانك، انك تأكل الكثير من المثقفين هذه الايام!
وفي رواية اخرى فقد كان يلتهم السياسيين، اما مندوبنا لشؤون القبائل فقد اكد لنا بأن الرجل المصدوع كان يلتهم المثقفين والسياسيين معا، مدعيا بان اشارة وصلته من آلهة القبيلة تدعوه الى تخليص العالم من الشرور والمصائب والفساد.
عدا ذلك فان البعض من المثقفين ينمون ويترعرعون في حضن السياسي الدافىء، هذا التواطؤ المعلن بين المثقف والسياسي انتج طبقة -بل طبقات -من باعة الكلام وتجار الشعارات واساتذة الـ جلاجلا.
مشكلتنا في العالم اننا ابتلينا ببعض من السياسيين هم انصاف ساسة، وببعض من المثقفين هم انصاف مثقفين. لكن كل واحد منهم يعتقد جازما ان الصهيونية هي التي تقف حائلا بينه وبين الحصول على جائزة نوبل حتى الان.
(وعاظ السلاطين) اسم اطلقه المفكر الكبير الدكتور علي الوردي على المثقفين الذين باعوا انفسهم للسلطان .. وتحولوا هم الى اجهزة لتزوير النص وتحوير الحديث (واختراعه احيانا) من اجل تبرير افعال الحكام.. بهذا تم تكريس الزواج غير المقدس بين السياسي والمثقف .. هذا الزواج ما يزال مستمرا حتى الان ويجدد نذوره باستمرار، لكن بفارق واحد، هو انه صار للمعارضة ايضا سلاطينها ووعاظها.
جولة سريعة بالريموت كونترول المنزلي على الفضائيات، سوف لن تجد سوى سياسي يكذب ومثقف يبرر ويخترع المصوغات الفكرية لاكاذيب السياسي -ما غيره -تلك الاكاذيب التي لا يصدقها حتى هو شخصيا. حاول ان تتابع حوارا او سجالا او ندوة حتى، وسوف تخرج منها اقل فهما وادراكا للموضوع عما كنت عليه قبل الاستماع، لا بل انك سوف تفقد حتى آلية التمييز بين الاشياء، وتضيع (طاستك) وبوصلتك، وتصير مجرد تائه في دول التيه.
المزعج، هو ان آكل لحوم البشر الذي تركناه يعاني من الصداع والتقيؤ في اول المقال لن يقدر على ازدراد بوصة واحدة من لحم السياسي او لحم واعظ.. لان جلود بعضهم اقسى من جلود التماسيح، ولحومهم اقسى من لحوم التماسيح، ودموعهم اغزر من دموع التماسيح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى