أما كرامة ما بعدها كرامة

أما كرامة ما بعدها كرامة
د.رياض ياسين
رئيس لجنة فلسطين النقابية

الكرامة عنوان الكرامة العربية ، فهي المعركة التي أعادت الروح والثقة للعرب ، دارت رحاها في بلدة الكرامـة الأردنية في غور الأردن بتاريخ ٢١/٣/١٩٦٨، حيث قاد موشية دايان وزير الدفاع في حينه الهجـوم الإسرائيلي على الكرامة بهدف ضرب العمل الفدائي الفلسطيني ومعاقبة الأردن على احتضانه للفدائيين وإسناده لهم في معركتهم العادلة ضد الاحتلال الصهيوني.
اعتقد دايان ان المهمة ستكون سهلة لساعات قليلة،فقد دارت مجريات المعركة على طول الجبهة الأردنية.حاولت القوات الاسرائيلية احتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمنى لإسرائيل تماما كما حدث لاحقا في جنوب لبنان،وتكونت القوة الإسرائيلية المهاجمة من قوات رأس الجسر ومن لواءين من المشاة والمظليين ولواءين مـن الدروع وعدد من طائرات الهليكوبتر لإنزال المظليين على الكرامة وخمس كتائب مدفعية وأربعة أسـراب طائرات جوية، أما قوة الهجوم الرئيسية حسب البيان الرسمي الأردني فقد تشكلت من فرقة مدرعة وفرقـة مشاة آلية ، وواضح من هذا الحشد الهائل أن العملية كانت تستهدف الاحتلال. وفي الخامسة والنصف صباح يوم الحادي والعشرين من آذار عام ١٩٦٨ م تحركت القـوات الإسـرائيلية لاجتياح الأغوار على أربعة محاور : محور العارضة ومحور وادي شـعيب ومحـور سـويمة ومحـور )للتضليل والخداع) وهو محور غور الصافي من جنوب البحر الميت حتى الصـافي ، وقـد اصـطدمت بمقاومة عنيفة بعد محاولة التقدم الأولى ودفعت بقواتها الجوية وركزت القصف المدفعي علـى مـرابض المدفعية الأردنية ومواقع الفدائيين الفلسطينيين. وفي الساعة العاشرة صباحا وصلت بلدة الكرامة تم إنزال قوات محمولـة خلف البلدة ودارت في أزقة المخيم معارك بالسلاح الأبيض والأحزمة الناسـفة ، وفـي السـاعة الحادية عشرة والنصف طلبت إسرائيل وأمام خسائرها الهائلة ، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مـن الجنـرال (أودبول) كبير المراقبين الدوليين وقف إطلاق النار، وتم انسحاب آخر الجنود في الساعة الثامنة والنصف مساء حيث تكبدت إسرائيل خسائر إضافية خلال انسحابها من جراء القصف المدفعي الأردنـي وكمـائن المقاومة الفلسطينية المنتشرة على كافة المحاور.
كانت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخنا المجيد نضالنا العربي ، رغم امكاناتنا المتواضعة وإعدادنا القليلة فقد سجلنا صفحة ذهبية في تاريخ الأمة العربية،فرسخنا البطولة في كتاب النضال العربي بكافة أشكاله. وعلى الرغم من الرؤيا القائلة بأن إسرائيل هي الجيش الذي لا يقهر، لكن المعركة غيرت هـذا المفهوم وحولت الجيش الإسرائيلي إلى الجيش الذي يمكن قهره، حينما وجد الإسـرائيليون دبابـاتهم فـي الوحل، كما وجدت جثث سائقي الدبابات داخل دباباتهم المحترقة مكبلة بالسلاسل خوفاً من هـربهم، كمـا لاحظ الناس بأن الذين فجروا أنفسهم بأحزمتهم الناسفة تحت وفي داخل الدبابات، لاحظوا الفرق بين الذي يطلب الموت لتوهب له الحياة وبين الذين يخشون الموت فيموتون وهم إحياء،
الكرامة علامة فارقة في تاريخ المواجهات المسلحة، فقد انتصرت معركة الكرامة لكرامة الأمة، وهي نزال بين الحق والباطل رغم أنّ المعدات العسكرية لم تكن متكافئة بين القوات المسلحة والعدو الإسرائيلي، إلا أن قوة العزيمة والمناورة وحسن التخطيط قلصت الفارق بين الفريقين. صحيح أن المعركة لم تلبث لفترةٍ طويلة إلا أنّها لم تكن سهلة فقد خسر الجانب الأردني ستة وثمانين شهيداً، ومائة وثمانية من الجرحى، وخمسين آلية، وأما خسائر الجانب الإسرائيلي في الأفراد والمعدات فقد بلغت مئتين وخمسين قتيلاً وأربعمائة وخمسين جريحاً، وثمانٍ وثمانين آلية، وتعتبر هذه الخسارة الإسرائيلية من الخسارات الفادحة التي لم تتعرض لها من قبل.
أعادت الكرامة الثقة للنفس العربية المنكسرة وتحطيمها لأسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم وقد قال عنها رئيس أركان العدو: إن معركة الكرامة فريدة من نوعها إذ لم يتعود الشعب الإسرائيلي على هذا الكم من الخسائر حيث استولى الأردن على عدد من آلياتنا ناهيك أننا فقدنا في هذه المعركة من الأليات ثلاثة أضعاف ما فقدناه في حرب سنة 1967م.
أما أبطال الكرامة وقادتها وجنودها فننحني لهم ونقبل جباههم السمراء ،ونترحم على القائد العظيم الحسين الباني بطل العالم العربي. ونحيي أبطال الكرامة الذين رووا بدمائهم الزكية أرضنا المباركة، فكل شهيد له قصة بطولة وحكاية خالدة.
هي الكرامة التي علمتنا أنه لا مستحيل مع الإيمان بالحق والوطن، والأوطان لا تبنى فقط بالتشدق والأهازيج بل بالمزيج من العمل والأمل والتضحيات والفداء للوطن وأهله، هذا ما تركته الكرامة فينا.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى