بلا مجاملة

#بلا_مجاملة

د. #هاشم_غرايبه

يكثر الحديث عن فشل الإسلام السياسي، لكن عند مراجعة القائل بذلك، نجده يقصد فشل حزب الإخوان الإسلاميين في الحكم.
طبعا لن تسأله: لماذا يعتبر حزبا سياسيا اعتمد برنامجه على انتهاج الإسلام ممثلا وحيدا للإسلام، فيما لا يعتبر حزب البعث مثلا الذي اعتمد القومية العربية ممثلا للأمة، ولا الحزب الشيوعي في الكيان اللقيط ممثلا للشيوعية، لأنه سيبهت ويقول كلاما معلبا عن الماضوية والتخلف عن ركب التقدم العالمي المتمثل برأيه بالليبرالية، ليتبين لك أنه حافظ لمقولات لم يبذل جهدا في فهمها ولا التحققق منها.
وإذا أصر على ترديد العبارات الخشبية ذاتها بالقول أنه يعاديهم ليس لأنهم يريدون تطبيق الإسلام بل لأنهم عملاء للغرب.
ستتغاضى عن تناقضه الصارخ، فلا تسأله إثباتا لمقولته، لأنك تعلم أنه داعم ومؤيد لأنظمة عربية تعلن جهارا نهارا ولاءها للغرب، بل وتمارس العمالة بلا مواربة تحت مسمى التحالف والتنسيق الأمني، فتكتفي بسؤاله: هل هنالك نظام حكم في أي بلد في العالم يحكمه الإخوان، أو هل لديك واقعة تاريخية تسلموا فيها الحكم يمكننا فحصها تثبت رأيك؟.
بالطبع سيرتبك، لأنه لن يجد غير التمسك بالقول: هم فاشلون وهذا شيء معروف لا يحتاج الى دليل.
أي هي عنزات ولو طاروا!.
من ناحيتي، فلست في معرض الدفاع عن حزب الإخوان المسلمين، ولا عن غيرهم من الأحزاب، ولو كنت مقتنعا بأن هذا الحزب أو ذاك سيحقق لأمتنا ما تصبو اليه من استقلال وعزة لانتسبت إليه، فأنا احترم التزام المرء بأي إطار جبهوي منظم، يهدف لإخراج أمتنا من حالها البائس الراهن، لكن الممارسات التنظيمية للأحزاب الحالية منفرة لمن يحب العمل العام، ويغلب عليها الشخصانية، اي اتخاذ التنظيم وسيلة لارتقاء الشخص وتحقيق الأمجاد والمكاسب الفردانية، وليس الإرتقاء بالفكر والبرنامج.
ولعل ذلك من أهم أسباب فشل العمل الحزبي، فالأنانيات التنظيمية جعلت التنافس البيني بين الأحزاب مقدما على التناقض الرئيسي مع السلطة القامعة لكل من يعارض ويطالب بالإصلاح، كما أسهم القمع الداخلي داخل الحزب ذاته في تمسك القيادات بالمنصب، مما أدى الى عدم تجدد الدماء الرافدة، فترسخت الأخطاء، مما أوقف التصحيح الذاتي، وعطل تطوير البرامج وفق المستجدات.
يثبت صحة ما سبق، استمرار المنحنى الهابط في حال الأمة، مقارنة بالصعود المتسارع لدى الأمم التي تماثلنا في تعرضها لظلم الغرب وهيمنته، مثل الصين والهند وروسيا وسنغافورا.. وحتى في الدول المتخلفة كرواندا التي أنهكتها الحروب الأهلية أكثر منا.
لم تنهض تلك الأمم إثر انقلاب عسكري، ولا بعد انتفاضة شعبية، بل عندما تولت السلطة إدارة نالت شرعية الحكم من إخلاصها لبلدها، وليست لولائها للغرب وتنفيذها لإملاءاته، لأن تقديم الأنظمة العربية الولاء لأمريكا ثمنا لبقائها في الحكم، ضريبته المباشرة تقديم مصالح الراعي الأعلى على مصالح الرعية، فرأينا خيرات البلاد تضيع بلا تحقيق أي مردود يحقق الاستقلال، سواء تلك الفاسدة التي أفقرت شعوبها لإجباره على التطبيع المهين، أو تلك التي أضاعت الموارد الهائلة ما لا ينفع، وبذرت على مظاهر البذخ العمراني، فيما هي لا تقوى على حماية عماراتها إلا بالاستعانة بقواعد عسكرية غربية، لتبقى على الدوام مستعمرة مهانة.
من ابتدع مصطلح الإسلام السياسي هو الغرب المستعمر وعملاؤه الخانعون، بهدف شيطنة الداعين الى اتباع الساسة لمنهج الله، فالإسلام منهج حكم وليس مجرد طقوس تعبدية، ونظام سياسي اجتماعي اقتصادي متكامل، لا يقبل التجزيء، وبالطبع فمن ينتهجه سينجح قطعا، لأنه الوصفة الإلهية المطلقة الصحة لتحقيق كرامة الأمة، وإرساء العدالة والأخوة البشرية والمساوة.
ولما كانت أنظمة (سايكس – بيكو) هي وسيلة المستعمر الغربي لفصل الأمة عن منهجها، فلا يتوقع أن تسمح بعودته بإرادتها، بل بالنضال.
وبناء على ذلك، فكل حزب يسعى مخلصا للتحرر من هذا الواقع، عليه أن يضع برنامجه مرتكزا على تطبيق منهج الله.
والقول بأن الإخوان يحتكرون الدين حجة ساقطة، فديننا ليس مؤسسة كنسية تحتكر صكوك غفران، ولا إمامة فقيه يوزع مفاتيح الجنة، فالاجتهاد لاستنباط برنامج سياسي منه متاح لكل عاقل مؤمن.
بعد كل التجارب والأخطاء آن لنا أن نميز بين الغث والسمين، فمن يريد خيرا لهذ الأمة، لن ينفعه برنامج مستورد، بل ما يستمد من الإسلام، فقط لاغير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى