لأولي_الألباب

#لأولي_الألباب

د. #هاشم_غرايبه

ربما يخطر بالبال تساؤل منطقي: طوال القرن المنصرم وأمتنا مستضعفة مهانة رغم امتلاكها الموارد الغنية الطبيعية والبشرية، فهل نحن العرب متخلفين أم كسولين أم انهزاميين حتى استمرأنا الهزيمة وتقبلنا التبعية لعدونا؟.
ينقض ذلك التصور، الواقع الذي فرضه صمود بقعة صغيرة من ديار العرب في وجه الكيان اللقيط ومن خلفه من أعتى قوى الشر العالمي، هذا الصمود الأسطوري، رغم أنه معلوم أنها لا تملك طائرات ولا دبابات ولا أساطيل، ومحاصرة حصارا خانقا، فيما أنهزمت كل جيوش العرب مجتمعة من أمامه ولم تصمد قوتهم الموازية لقوة هذا الكيان ساعات معدودة؟.
أليس من واجب النخب المثقفة ومن يدّعون أنهم يمثلون نبض الشارع العربي، سواء كانوا يؤيدون الأنظمة السياسية العربية أو يعارضونها، أليس مطلوبا منهم البحث عن الإجابة؟.
الإنسان العربي هو ذاته، وعقيدته وثقافته ولغته وانتمائه القومي واحد، ومهما بحثنا فلن نجد فارقا بين غzة وأي قطر عربي آخر إلا في النظام السياسي الحاكم.
فكل الأقطار العربية تحكمها أنظمة فرض الغرب عليها انتهاج العلمانية ثقافيا بديلا للفكر الإسلامي، واتباع منهج الغرب الليبرالي سياسيا واقتصاديا بدلا من منهج الله، فيما اختار الغزاويون نظامهم السياسي اختيارا حرا بالانتخاب، وبالطبع اختاروا من يماثلهم في معتقدهم، الذي هو الإسلام، مثلهم مثل أي قطر عربي آخر لو أتيحت له حرية الاختيار.
ولما كانت هذه المنطقة هي الوحيدة من بين كل أقطار العرب التي جرؤ نظامها السياسي على إعلان انتمائه الإسلامي، لذا انعكس ذلك على مخرجات هذا النظام.
الفارق جوهري ومبدئي، وليس مجرد أن الإسلامي يجبر الناس على الصلاة في وقتها ويمنع الاختلاط وبيع الخمور كما يعتقد الساذجون، وبناء على أفعال الأنظمة العربية العميلة للغرب وتدّعي أنها إسلامية.
فالتربية والتوجيه دائبة طوال القرن الماضي، ومن خلال المناهج المدرسية والإعلام الرسمي، في كل الأقطار العربية، على إيلائها للعلمانيين، بذريعة التحديث والتطوير، ومستبعد منها كل من يشتبه بتوجهاته الإسلامية.
كما أن تدريب قيادات القوات المسلحة وتأهيلهم لا يتم إلا في أمريكا، وهؤلاء لا يصلون الى المراكز القيادية إلا بعد التأكد من أمرين: خلوهم من الفكر الإسلامي، وولائهم الأول للحاكم وليس للوطن أو الأمة.
لذلك يتم تفريغ افراد الجيش من أي أفكار إسلامية كالجهاد والدفاع عن العقيدة، وتحويل العقيدة القتالية لمفهوم الدفاع عن الوطن بدلا من الشهادة في سبيل الله، ولأجل تسويغ حماية حدود الكيان اللقيط من المقاومين له، أدخلوا مفهوم الإرهاب، وجعلوا عقيدة القوات المسلحة محاربة الإرهاب بدلا من تحرير الأرض من العدو المحتل لها.
ومن الواضح تماما الفارق الهائل في الأداء بين يتطوع للقتال في صفوف المقاومة بدافع من عقيدته الإيمانية بأن الجهاد واجب عليه، وبين من يدخل الجيش ليتقاضى راتبا وليترقى فيحصل على امتيازات أكثر.
كما أن من يحارب مجاهدا في سبيل الله، وهو يعلم أنه شهيد عنده، سيكون مقداما شجاعا، ومختلف كثيراً عمّن يقاتل تنفيذا للأوامر.
هذا من الناحية العسكرية، أما الأهم من ذلك فهو ما يحققه المجتمع في النظام الإسلامي من ترابط اجتماعي بين المواطنين، لأن عمل الخير ونفع الغير وتقديم العون والتكافل هي مفردات إيمانية، تنظمها مؤسسات رسمية يثق الناس باسلاميتها، فيتسابق الناس على أدائها، ويتنافسون على تقديمها بأعلى معايير الجودة كونهم يعلمون أنهم مراقبون من الله ومجزيون عليها بحسب اخلاصهم، وليست كالأنظمة العربية العلمانية تخضع لمؤسسات رسمية هاجسها الأول ابعاد الإسلاميين عنها حتى لا تحقق نفعا شعبيا لهم، لذلك ينخرها الفساد وتبطل نفعها المحسوبيات.
ومن الناحية الإقتصادية، ولما كانت الحكومة إسلامية، بما يعنيه ذلك من نظافة اليد والإخلاص، فقد استطاعت بقدرات ذاتية، ورغم الحصار الخانق وقلة الموارد الطبيعية، من ابتكار سياسة الأنفاق، لتأسيس مدينة صناعية متكاملة للأسلحة ومخازن لها تحت الأرض، وبكميات مكنتها من مقارعة العدو الى اليوم… ولا تفسير لذلك إلا بالمعجزات، وأن المدد من الله.
وأخيرا لا مفر من الاعتراف أن المجتمع الغزاوي ما تمكن من تحقيق اكتفاء ذاتي مكنه توفير كل متطلبات الحياة طيلة سنين الحصار، إلا بالتكافل الاجتماعي الذي لا يحققه إلا النظام الإسلامي.
هل عرفنا الآن لماذا الغرب وعملاؤه العرب دائبون على إبعادنا عن الإسلام؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى