أزمة الأخلاق والإفساد في الوطن / جهاد مساعدة

أزمة الأخلاق والإفساد في الوطن

يرى الإمام الغزالي أنّ الأخلاق الحسنة تقوم على أربعة أحكام؛ قوة العقل ( الحكمة)، وقوة الغضب (الشجاعة)، وقوة الشهوة ( العفة)، وقوة (العدل) التي تجعل الحكمة والشجاعة والعفة ملتزمة بحدود الشرع والعقل.
ورغم ما يشهده العالم اليوم من تطور علمي، إلا أن مجتمعنا ما زال يعيش في التخلف، وأقصد بالتخلف هنا، عدم معرفة التصرف الصحيح، وخاصة فيما يتعلق بمجال الحقوق والواجبات، والعلاقة مع الآخرين، مما يولد جهلًا يؤدي إلى أزمات أخلاقية مدمرة للمجتمع، ويشكل إساءات تؤزم العلاقات بين مكونات المجتمع؛ فحين يتفشى الجهل على مستوى الوطن، فإن بنيانه الأخلاقي يصاب بتصدعات، يتبعها هزات عنيفة، فتكثر فيه الشقوق، وتتحطم نوافذه، وتنهار جدرانه، ويَخِرُّ سقفه.
فمجتمعنا اليوم، أصبح يسير في نمطية مَعيبة، يسمح لبعض الفئات الجاهلة في تدمير مجتمعنا وخرق سفينتا التي تبحر في وسط مياه عميقة، فيطل علينا من يدعو إلى نشر الرذيلة وفاحشة قوم لوط مُطلِقينَ على أنفسهم ( المثليين)، أو فئات أخرى تدعو إلى عبادة الشيطان، أو غيرها من الفئات التي لم ينزل الله بها من سلطان.
كما أصبح تخريب الممتلكات العامة، والخاصة ثقافة يمارسها كل جاهل معتوه، باسم الحرية والتعبير عن الرأي، وأصبحت ظاهرة الانفلات الأمني تعبر عن الشجاعة في تحدي القانون.
إنه من المخجل أن تسمح الأردن ممثلة بعشائرها، ومكوناتها القائمة على التربية الحميدة، لهؤلاء الشرذمة من العبث بأمننا المجتمعي، وقيمنا الدينية وثوابتنا الوطنية، فتصرفات تلك الفئة الضالة تهدد منظومة القيم الأخلاقية وتسعى إلى إفساد شباب الوطن.
فنلاحظ أن أزمة الأخلاق قد نضجت، وأصبحت رحاها تدور بسرعة، فهي ليست وليدة ساعة، أو محض صدفة، بل إن انتشارها جاء نتيجة لوجود منظومة وحاضنة للفساد تهدم قيم العدل والمساواة، فأصبحت تلك المنظومة تبني نفسها، وتورث الفساد لغيرها، فاستغلت مناصبها في إبعاد الكفاءات الوطنية عن أخذ دورهم في بناء الوطن، وأصبح الفساد منهجًا والظلم شريعة، وأصبح توريث المناصب سُنّة يجب اتباعها، وأصبحت وزرنة الأصحاب هبة وعطية تُهدى للأصحاب، وإرضاء لبعض النواب، وأصحاب الذوات.
إن أزمة الأخلاق هي من أوصلت الوطن إلى ارتفاع مديونيته، لتصل إلى أكثر من (39) مليار دولار، فأزمة الأخلاق هي أصل كل الأزمات سواء كانت اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية؛ وما تفشي الفقر والإحباط واليأس وازدياد نسبة البطالة، ونهب الثروات إلا مثالًا واضحا على أزمة الأخلاق عند أصحاب الضمائر الفاسدة.
إننا نعيش اليوم أزمة أخلاق تكاد تفتك بمجتمعنا، فهي لا تميز بين أصحاب الكفاءة وغيرهم من الذين لا يستطيعون أن يفرقوا بين الرؤيا والرؤية، والخطة والتخطيط، وبين الألف الممدودة والألف المقصورة.
إن حب الذات على حساب الوطن، والغرور، والكبر، يفتك بأبناء المجتمع، فأصبحت بذاءة اللسان، والفحش في القول والفعل، من القيم الفضلى التي يتباهى بها بعض الذوات.
إن تربية الأجيال على حب الذات، والانتهازية، والغش، واستبدال الرذيلة بالفضيلة يستدعي مِنَّا ثورة عاجلة؛ من أجل إعلاء قيم منظومة الأخلاق، وبنائها في مؤسساتنا لإيجاد جيل متفاعل يمتلك المعرفة والعلوم القائمة على ترسيخ الفضيلة والخُلق الحسن ونشرها في المجتمع.
إن ما تشهده الكثير من مؤسسات الوطن من إعلانها في تبنيها نهجًا جديدًا في العمل، وإحداث ثورات في برامجها ما هي إلا فقاعة صابون سرعان ما ينكشف عملها، فمشاريع تلك لمؤسسات وبرامجها وخططها ما هو إلا تكرار سابق بمسميات مختلفة تم صبغها بألوان مختلفة، أو أنها مؤسسات تجيد عمليات القص والنسخ دون النظر إلى المحتوى.
إن عدم محاسبة كل ظالم سيعطيه قوة في تماديه بالتعدي على حقوق الآخرين، فكل ظالم هو مسبب لكثير من الأزمات الداخلية والخارجية، فتطبيق العدل والحكمة في اتخاذ القرار، والشجاعة في قول الحق، والعفة عن الشهوات يُثمر عنها حُسنَ الخلق، وأن الإفراط بها يُنتج عنها أزمة الأخلاق السيئة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى