وفي بعض الحب أذى / سهى عبد الهادي

وفي بعض الحب أذى

هل نحن عادلون مع من نحب ؟

والسؤال هنا ليس سؤالا فلسفيا بقدر ما هو سؤال يتعلق بحياتنا اليومية الواقعية ، يتعلق بمن نحب من أبناء وأزواج وأخوة وآباء وأمهات ، بمعنى هل يؤثر الحب في علاقاتنا بشكل يجعل تقديم المساعدة لمن نحب يأخذ طابع التعزيز الإيجابي غير المحمود أحيانا ، والذي قد يأتي بنتائج مغايرة لهدف هذه المساعدة ليصبح ضررها أكبر من نفعها ، وهل في هذا حب حقيقي أم هو ظلم مبطن تغطيه قشور الحب الهش

لتوضيح الفكرة أكثر ، فلنفترض أن أحد أحبائنا يعاني من مشكلة ما ، وهذه المشكلة تؤثر بشكل سلبي على حياته وتطورها ، سواء كان ذلك على المستوى المهني او الأسري أو الإجتماعي ، وقد تؤثر بشكل غير مباشر على من يحيطون به ومن ترتبط حياته بحياتهم بطريقة أو بأخرى ، وكما نعلم أن الإنسان في أغلب الأحيان لديه مقاومة داخلية شديدة تتمظهر بعدم الإعتراف بأنه يعاني من مشكلة ، سواء كان ذلك بشكل مقصود ومتعمد أو بشكل غير مقصود وغير متعمد ، وتعتبر هذه وسيلة وحيلة دفاعية لا إرادية يلجأ إليها الفرد في حال شعوره بما يهدد كيانه ووجوده المعنوي

مقالات ذات صلة

وفي تحليل الحالة الأولى عندما يكون الإنكار متعمد ومقصود من صاحب المشكلة ، يحدث أن يكون الفرد فيها على وعي بمشكلته لكنه لا يستطيع الإنتقال إلى مستويات أعلى من هذا الوعي ، أي أنه لا يستطيع تطبيق خطوات إستراتيجية حل المشكلات القائمة والمتمثلة في خطوات تبدأ بالوعي والإعتراف بوجود مشكلة كخطوة أساسية أولى تمهد طريق الوصول إلى حل ، ثم دراسة هذه المشكلة والتفكير بها بعمق وبشكل مجرد ، ثم طرح إقتراحات وبدائل لحل المشكلة ، ثم إختيار بعض الحلول المناسبة من المقترحات المطروحة لإخضاعها للتجربة والتقييم ، ثم إنتقاء الحل المناسب والأفضل لحل المشكلة

أما في الحالة الثانية عندما يكون الإنكار غير متعمد وغير مقصود ، فنحن هنا أمام حالة تفتقر حتى إلى الوعي اصلا بوجود مشكلة ، وعليه قد يحتاج الفرد إلى عناصر خارجية كأشخاص آخرين أو مختصين لمساعدته على رؤية المشكلة وإيجاد وعي بها ، قبل العمل على إستكمال باقي خطوات إستراتيجية حل المشكلات

ولعل من الأمور الهامة التي ينبغي التركيز عليها في هذا السياق هو دور الأحبة الذين يحيطون بالفرد صاحب المشكلة ، وقدرتهم على تقديم المساعدة لمن يحبون ، وأهمية وعيهم في تقديم المساعدة البناءة والمدروسة وذات الشفافية العالية لما فيه صالح محبوبهم ، مما يستلزم في مرحلة ما البعد عن المجاملة المزيفة ، وتحييد النفس والإكتفاء بموقف المتفرج ، ومدح المحبوب بما ليس فيه ، وإغفال عيوبه ونقاط ضعفه التي قد يرى محبوه أنها من الأسباب الواضحة وضوح الشمس وراء تعثره في حياته …

كل هذا وأكثر يتم التعتيم عليه والسكوت عنه بذريعة حفظ العلاقات ولو على غش ، وهذا ما قصدت بسؤالي هل نحن عادلون مع من نحب ، فما سبق فيه ظلم كبير وضرر جسيم مستتر تحت مسمى الحب الذي لا يمكن وصفه إلا بالحب الهزيل ، ولعل الأفضل الإستعاضة عن كل ذلك بالصدق والمصارحة وتقديم النصيحة الرشيدة المستمدة من مشاعر المودة والحب الحقيقي غير المشوه بنمط الحياة الحديثة التى لا تفتئ أن تقوض كل ما يقرب الإنسان من أخيه الإنسان ، ولعل من الأمثلة التي تقرب فهم ما أود الوصول إليه في هذه المدونة ، نموذج الأم التي يقتضي دورها احيانا الحزم مع إبنها عند ملاحظة إعوجاج ما في شخصيته ، بهدف مساعدته على الوعي بذاته من أجل إصلاحها ، فهل يعني هذا إنتفاء الحب من طرف الأم لإبنها ، بالعكس ففي هذا قمة الحب الصادق ، لإن الأم لا تريد من هذه الدنيا إلا أن ترى إبنها في أفضل حال ، ولعل محب اضطر إلى أن يقدم لمحبوبه الدواء المر ليراه يشفى ويتعافى ، وفي طيات ما يقوم به عدل ، لا بل حق عليه لمن يحب

وقد يتفاوت دور الأحبة في مساعدة محبوبهم ، كل حسب وعيه وقدرته وتنوع خبراته الحياتية وأساليبه المحببة ، ويلعب الإنسجام النفسي والعاطفي والفكري بين الأفراد دورا كبيرا في تسهيل عملية إستقبال صاحب المشكلة لتدخل محبيه ، حيث تقل مقاومته كلما شعر بصدق المشاعر ، وحسن الأسلوب ، وعدم وجود أحكام مسبقة أو خضوعه لأي أحكام جديدة أثناء أو بعد عملية المساعدة بما يؤثر على نظرته وتقديره لذاته أو تقدير الآخرين له ، وهذا يتطلب من مقدم المساعدة أن يكون على قدر من الذكاء والصحة النفسية والقدرة على غرس الطمأنينة في قلب من يتلقى المساعدة

في الحب ، النصيحة حق وواجب لكل من تجمعهم علاقات المودة والرحمة والخير ، وكل العدل يكمن في ان نقف مع من نحب لنجعلهم أقوى في مواجهة ما يعتري حياتهم من مطبات ومعوقات دون مواربة أو خجل او مجاملات عقيمة ، وليبقى السؤال هل نحن عادلون مع من نحب ؟ حاضرا دائما في الأذهان ، في الشدة وفي الرخاء ، وفي ذلك كل الحب ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى