عندما تتحقق المعجزة / وصفي الدعجة

فتاة تقوم عن الكرسي المتحرك بالزرقاء وتتحقق المعجزة

وصفي الدعجة

قصة حقيقية دارت أحداثها في مدينة الزرقاء في أحد أحيائها الشعبية لفتاة تدعى (وردة )من ذوي الاحتياجات الخاصة ترتبط بقصة حب منذ صغرها مع ابن الجيران (قاسم )والذي بادلها نفس الشعور لفترات طويلة لكنها كانت باكية ومؤلمةوبنفس الوقت ذات نهاية غريبةولا تصدق ,وهي من قصص كثيرة لا يعلمها الا القلة من الناس ولا يشعر بمخزونها الانساني سوى من يمتلك أبعاد الروح والإنسانية والنفس الراقية والمتألقة بالمحبة ومراعاة مشاعر الاخرين والاحساس بهم.

وقد وصلتني تفاصيل هذه القصة التي دارت أحداثها قبل ثلاثين سنة بالزرقاء من أحد الأصدقاء الذي سمعها بدوره من أحد أقرباء صاحبة القصة وردة وقد حاولت بكل ما أوتيت من قوة الإحاطة بتفاصيلها واستخدمت فيها اسلوب السرد الشخصي من صاحب القصة واوردتها على لسانه وكأنه هو من يتحدث والهدف من ذلك الإثارة والتشويق لا أكثر.

تقول وردة لطالما شعرت بالسعادة التي لم يكن يعرف مصدرها سوى شقيقتي الكبرى التي كنت ابوح لها بكل أسراري ومن ضمنها قصتي مع أبن الجيران وكانت تستمع لي وتبادلني الحديث وتهتم بي حتى انها في كثير من الاحيان هي من كانت تبدأ بالسؤال عن كل جديد ، فقد كانت تعلم بأن علاقتي مع قاسم روحية ولا تتعدى ذلك كونه أول شاب يعبر لي عن مشاعر لم أكن أعرفها من قبل.

وتضيف وردة والدموع تملأ عينيها وهي تستنشق من شدة حزنها وتتنهد (كانت أجمل لحظات حياتي عندما كنت أخرج مع أمي على الكرسي المتحرك الخاص بي الى السوق او الى الحديقة وسبب سعادتي يكمن في أن هذا الشاب كان ينتظر خروجي في كل مرة حتى يقوم بدفع الكرسي عن امي والتي كانت على الدوام لا تعترض على هذا الفعل بل بالعكس كانت تعبر له عن خجلها وامتنانها لفعله الراقي ولم يكن يكتفي برحلة الذهاب فقط بل يصر على البقاء لرحلة العودة حتى انه في كثير من الاحيان يضطر للانتظار في الشارع وفي مكان بعيد عن عيون أمي لكي لا تحرجه وتطلب منه العودة.

وتقول وردة كان أهل الشاب من الجيران القدماء لنا وكنا على تواصل دائم وتربطنا علاقات جيدة معهم فقد كانت والدته تأتي لشرب القهوة مع أمي في كثير من الاحيان وأمي تذهب اليهم كذلك ،اضافة الى تبادل الزيارات في المناسبات السعيدة والحزينة .

وتضيف وردة بأنها لم تكن تشعر بفوارق تذكر مع بنات جيلها ممن يتمتعن بصحة جيدة ولم تكن تعطي لحالتها أي أهتمام أو أبعاد نفسية فقد كانت تشعر بأنها طبيعية …..أنسانة مثلهم بالضبط وكان أكثر ما يغضبها ويخرجها عن طورها هو نظرات الشفقة التي كانت تشاهدها في عيون الناس وتصرفاتهم معها وكأنهم يريدون أشعارها بأنها أنسانة ناقصة (معاقة ) ومن الكلمات المؤلمة التي كانت تقتلها بالصميم (عندما تسمع احدى النساء وهي تقول لمن معها بالطريق او السوق (ياحرام شوفي هاي البنت الله يكون بعون أهلها ) وكأنها هي من فعلت بنفسها هذا الشىء او انها وصمة عار على أهلها والمجتمع ،وكثيرا ما كانت تود (وردة )الصراخ بوجههم وتقول لهم (أن الله هو من خلقني هكذا وهي ارادته فهل تحاسبوني على شىء هو من عند الله الذي خلقكم كذلك أنتم ؟ ارجوكم لا تنظروا ” نظرتكم الأولى” إلى اعاقتي بل انظروا الى عيوب انفسكم المريضة.

وتروي وردة حكاية من الحكايات الكثيرة التي حصلت معها وهي تبكي والدموع تختلط على خدودها الوردية من شدة ظلم العرب ” ونظرتهم الدونية لكل من هو معاق أو صاحب وضع خاص “وتقول كنت جالسة مع عدد من الاهل والاقارب في أحدى المناسبات وهي زواج بنت خالتي وكنت اشعر بالسعادة واشاركهم بالفرحة فقالت لي أخت العريس على مسمع من الحاضرين عقبالك يا وردة أن انشالله نفرح فيكي عن قريب وما ان أكملت حديثها حتى أخذت أحدى قريباتي بالضحك والنظر نحوي وكانها كانت تود أن تقول (هاي المصيبة مين بقبل فيها )فلم أشعر ما جرى لي فبدأت بالصراخ عليها والخروج من الغرفة وانا أدفع عجلات الكرسي الثقيل

* تعليق من الكاتب وصفي خليف الدعجة عن هذا التصرف من وردة (الاخت وردة صاحبة احساس مرهف ولديها جهاز احساس” خاص ” يختلف عن الأصحاء من حيث ردة فعلها اتجاه اي موقف يصادفها سواء بالكلمة أو النظرة أو اي شىء آخر ، وهذه ميزة إيجابية حيث انها تعطي صاحبها اذا فكر فيها بشكل جيد مزيد من بواعث الاحساس الراقي والتألق والدافعية المذهلة للعطاء والإبداع التي من الممكن أن يستغرب منها الآخرين ، وتعطي للآخرين اي الأصحاء المزيد من الإنسانية والمشاعر الراقية والكمالية التي يرغبون بالوصول إليها إضافة إلى شعورهم بنوع معين من المشاعر اثناء تفكيرهم العميق بهذه الحياة وطقوسها الغريبة.

وتقول وردة عدت الى البيت ودخلت غرفتي وبدأت بالبكاء وقررت الانعزال عن الجميع وفعلا بقيت في غرفتي عدة أيام رغم محاولات أمي واختي المتكررة بأخراجي من عزلتي وحزني ولكني بقيت على أصراري بالابتعاد عن البشر وبعد مرور عدة أيام سمعت باب المنزل يطرق فأذا بأختي الكبيرة تأتي وتقول لي بأن الشاب الذي تحبيه جاء الى أمي وطلب منها الحضور الى منزلهم وأمي تتطلب منك الذهاب معها فهل تذهبين أم لا ؟ ففرحت كثيرا فقد كانت هذه أول مرة تطلب مني أمي الذهاب معها الى بيت الجيران ؟ فوافقت على الفور وارتديت ملابسي وخرجت الى الصالون فأذا بأمي تستغرب وتقول لي (شو جرى يا ست وردة والله انا مستغربة منك بس يالله خلينا نروح ) وبالفعل توجهنا الى منزل الجيران فجاء قاسم حتى يدفع الكرسي فقد كان ينتظر خروجنا من المنزل ولكن هذه المرة مختلفة فنحن متوجهين الى منزلهم وما هي الا لحظات حتى وصلنا فدخلنا وجلسنا بالحديقة الخارجية للمنزل وما هي الا لحظات من وجودنا ببيتهم فأذا بجرس بابهم يقرع فتوجه قاسم لفتح الباب فأذا هي خالته “ام سعيد وابنتها “سهاد” فدخلوا وجلسوا معنا وبعد تناول الشاي وانتظار بعض الوقت طلبت بنت خالة قاسم مني أن نجلس على أنفراد (أي بنفس الحديقة ولكن بزواية أخرى ) فوافقت على الفور وقام قاسم بتحريك الكرسي المتحرك وجلسنا معا وتبادلنا الحديث والضحكات وفجأة وبدون مقدمات وجدت قاسم يقول لبنت خالته ” سهاد ” (ما رأيك بوردة ….أنها رائعة أليس كذلك )؟ فقالت له (نعم ) فقال لها قاسم (أنا أحبها وأرغب في المستقبل الارتباط بها ) فقالت له وبدون أدراك (ماذا تقول يا قاسم ) ؟ فوقفت واتجهت نحو أمها وطلبت منها المغادرة وقالت لها قومي فأنا لا أطيق البقاء هنا أكثر …….طبعا وردة مصدومة مما جرى ولم تستوعب لغاية الان أن بنت خالة قاسم “سهاد ” تحبه وكانت على وشك مصارحته بهذه الحقيقة .

حاولت أم قاسم أن تقنعها بالبقاء لكنها أصرت على المغادرة وأمام ألحاح الحاضرين واصرار أمها على البقاء وسؤالها عن سبب غضبها المفاجىء قامت بأخبارهم بكل شىء وان قاسم يرغب بالارتباط بوردة وهو صارحني بذلك قبل قليل فقالت ام سعيد والدة سهاد هل معقول ان يتزوج قاسم من وردة يا بنتي ، انتي مو شايفه حالتها وأخذت بالضحك وكأن الامر مدبر من ام قاسم وأختها ام سعيد.

((وفجأة بدأ الجميع ينظر نحو وردة المسكينة وكانت أمها أكثر الشاعرين بها بهذا الوقت العصيب والتي بدأت عيونها تمتلأ بالدموع والحزن والشفقة على روح وردة المكسورة)) أما قاسم فهو مصدوم من موقف أمه وخالته وتصرفهما بهذا الشكل وكان أكثر ما يخيفه بهذا الوقت أن يخسر وردة التي أحبها حد الجنون والهذيان ….ولكن وقع ما جرى على وردة كان غير متوقع (بدأت وردة بالبكاء بدون توقف وهي تضع يديها على أطراف الكرسي وتضربها بقوة …. وما هي الا لحظات والمعجزة تتحقق (وردة تقف على قدميها وأمها لا تصدق الموقف وتركض نحوها وتحضنها وتقول لها انتي تقفين يا وردة على أقدامك وتكرر عليها ذات القول ولكن وردة تستمر بالبكاء والصراخ وكأن قوة غريبة اجتاحتها وسكنت فيها وسط ذهول الجميع .

أما قاسم فلا يصدق ما يرى وعلى الفور يخرج الى الشارع ويصرخ (وردة وقفت على قدميها ….يا ناس وردة وقفت على قدميها …وبدأ يطبل بيديه على أبواب الجيران وهو يصرخ بذات العبارة وردة وقفت على رجليها والجميع ينظر ولا يصدق ما يقول .
آما خالته اللئيمة “ام سعيد ” فقد انصدمت وفجأة أصابها شلل باطرافها السفلية ولم يجدوا غير كرسي وردة المتحركة لتجلس عليه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى