وطن علی الهامش / شبلي العجارمة

﴿ وطن علی الهامش ﴾

لن أنسی أول مرة في حياتي سمعت بها کلمة هامش ،کنت في الصف الرابع أو الخامس الابتداٸي لکني أذکر جيداً أنّ أول من قالها لي ولرفاق الصف هو أستاذ الرياضيات حمدي الجندي من محافظة الشرقية المصرية، ولا أنسی أيضاً أنه علمنا کيف نصنع الهامش ونسطره علی الجهة اليسری لورقة امتحان الرياضيات، فليس بالضرورة أنّ يشغل حيزا کبيراً وليس من الأهمية بمکان أنّ يتم تخطيطه بالمسطرة وعلبة الهندسة،فقط شخط عامودي ورأسي بواسطة اليد العشواٸية، ومن فواٸده الإبقاء علی ورقة الامتحان نظيفة من الخرابيش وربما أنّ بعض الطلبة الکسالی سيسلمونها بيضاء ناصعه حتی ربما بلا أسماء ، وأيضاً من فواٸد الهامش أنّ الخربشات وفوضی الأرقام عليها علامة واحده أو اثنتان إذا کان الطالب مزفت بالامتحان.
کبرنا وعاد الأستاذ حمدي إلی بلاده والهامش يتسع ويکبر في حياتنا ويتشکل بألوان وأبعاد أحلامنا ، حتی صار الهامش الفارغ جزءا من بعض قناعاتنا العاجزة بالنجاح،فقد صرنا جنوداً بلا رتب رفيعه علی هامش الوطن،وأحببنا فتيات علی هوامش العنوسة ،وتزوجنا من نساء علی هوامش الأمنيات بجداٸل العمه والخاله بأنّ أهلهن أغنياء وخالهن لديه محطة وقود وابن عمهن مغترب في أمريکا ويتحدث لهجة الدلر السلاقز الأمريکية الشوارعية، استأجرنا وبنينا بيوتا علی هوامش تشبه الرضا بالظل واتقاء سطوة الصقيع والمطر، وأنجبنا أيضاً أطفالا زرعناهم علی کل الهوامش من مراجيح التين حتی مدارس الحکومة الآيلة للسقوط والفشل.
رضينا بکل الهوامش التي أکلت أجمل صفحات العمر البيضاء واستهلکت دفاتر حياتنا الحالمة بنصف الجوع وثلث الراحة وربع الموتة الهنيٸة، لکن أنّ يصبح هذا الوطن الذي رضينا أنّ نکون علی کل هوامشه کي يبقی يحتل المساحة الکبری من کتاب مسيرتنا أنّ يصبح هو الآخر علی هامش أولويات الدولة الفهلونجية والمفکرة بالنيابة عن الشعب الغلبان والمنهمك بالبحث عن کسرة خبزه في کومة قش القرارات المجحفة فهذا ضرب من الاختلال والخلل ، فرٸيس الوزراء المدعي عباءة الولاية العامة زعما ،ووزراء الصدفة والکعکة الساخنة، وأعيان السبات العميق ،ونواب التثاٶبات والنعس وطعجة الراس والعقال هم وحدهم من وضع الوطن علی هامش الأولويات ومعادلات الحظ ولعبة النعام التي تهرول لتدس رأسها في رمل اليأس .
فالوطن الذي يتم سجنه بين خط الأيادي العشواٸية وحافة الدفتر الحادة المستقيمة باتت تذبل عروقه ويصفر وجهه لحد الشحوب وتضيق أنفاسه وأنفاس إنسانه به ، فعلی سبيل المثال لا الحصر يتم فقع قنابل قرارات ونضخ مشاريع بالتخطيط من رماية الخصر الوهمي ومعط أعذار وتبريرات من تحت الإبط کلها حصاٸد في عجير الهامش،وکذلك حين دبت إشاعة صفقة القرن الزاحفه لم تجب الدولة والحکومة علی حد سواء حتی بسلطاتها الثلاث الخالية من البصل والخيار علی استفسارات الشارع عن موضوعية صفقة القرن ومدی جديتها وتبريرات الموافقة أو الرفض انطلاقا من ثوابتنا العامة المعتقد والهوية والعمق الاستراتيجي والأمن بأشکاله العامه.
حين تکتب مسخرات النهج المظلل علی طول الورقة وعرضها بخط واضح وتنسيق جميل ومزرکش بينما توضع الأولويات الملحة والأکثر من ضرورية هي والمواطن والوطن برمته علی مساحة الهامش الضيقة والخانقة بطريقة الخربشات العشواٸية والأرقام المبهمة فيجب أنّ ترحل کل تلك السياسات ودعاة فقهها وخطباٸها المبهرون ،ويجب لملمتهم والتقاطهم بملقط المصلحة وقفازات القرف والملل والتخمه من الکذب والتضليل من علی شاشات المرٸي ومکبرات المسموع ومسطحات ورق الصحف المقروءة.
لقد استغرقنا في سراديب المجهول وأنفاق الصدفة وضربة الحظ وجسور الخوف والرعب من الغد المر القادم أکثر من حياتنا وأطول من عمق هويتنا وأبعد من جذور قوميتنا وکفاحنا الوطني وأنکی من قناعاتنا باستراتيجيتنا الرادعة.
من يضعون الوطن بإنسانه علی هوامش مصالحهم وسفراتهم ونزواتهم ولوبياتهم يجب أنّ نضعهم نحن في ذيل القافلة التاٸهة منذ عقود وفي آخر أولويات الوطن ، لأن من صنع هامشاً للوطن بيده الخبيثة يجب أنّ يعلق علی قضبان هذا الهامش هو وکل دعاة الهوامش الباٸسة في ظل عماٸم الفقهاء وعباءات صناع القرار وظلال سياساتّ العصا والجزرة التي أوغلتنا بالرمل والوحل والطين .

شبلي حسن العجارمة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى