“أشعر بالقلق على أمي لأنها ترتدي حجاباً”.. حادث أورلاندو يطارد مسلمي أميركا

سواليف _ هافينتغون بوست عربي

يعرف كثيرون تلك المدينة بـ”الفورت”، وهي التي كانت في الماضي موقعاً قديماً للجيش الأميركي خلال حروب السيمينول الثانية. وقد حاول المسلمون خلال الأسبوع الماضي ممارسة شعائرهم بالمدينة من خلال الصلاة في أحد المباني التي لا تحمل أي علامة، بينما مارس آخرون شعائرهم في مسجد آخر قريب، وفي المقابل تكرر مؤخراً صياح المارّين بجوار أماكن عباداتهم بعبارات مناهضة لهم، فيقولون “قتلة”. ولا يخلو المشهد من انتشار سيارات الشرطة حول تلك الأماكن.

عاش عمر متين، المجرم الذي ارتكب مذبحة أورلاندو، في الفورت حيث تعيش كثير من العائلات المسلمة أيضاً في المدينة، وهم يعملون بالمستشفيات ويديرون بعض الأعمال الخاصة بهم. وفي أعقاب المذبحة التي وقعت خلال عطلة الأسبوع الماضي، يعيش المسلمون حالياً في حالة من القلق، مما قد يجلبه عليهم ذلك الحادث، في الوقت الذي يدعم فيه بعض جيرانهم دونالد ترامب ويصفقون لدعوته التي تطالب بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة.

بذاءات

يعمل عبد الرؤوف شدّاني طبيباً للقلب، وكان قد جاء إلى الولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي قادماً من باكستان. وهو أيضاً إمام مسجد أصدقاء فلوريدا المسلمين، الذي طالب بوضع لافتة جديدة على المبنى الخاص بالمسجد المكون من طابقين، والذي لا يزال في حالة تجديد. وقد تأخرت اللافتة عن موعد تسليمها، فلم تكن جاهزة عندما وقعت المذبحة في أورلاندو.

والآن يعتقد شدّاني أن الأمر كان “خيراً غير معلوم”. فلا يزال الناس يستطيعون أن يتجمعوا ليكسروا صيامهم في رمضان وقت المغرب بالمكان، بلا أي نوع من المضايقات، حيث قال شدّاني إن ثمة بعض الشعور بالأمان لأنّ المكان لا يحمل اسماً.

وبدأ السكان غير المسلمين خلال الأيام العصيبة التي أعقبت الحادث يتعرضون بالبذاءات للأشخاص الذين يدخلون ويخرجون من المركز الإسلامي بفورت بيرس، وهو من أشهر مساجد المدينة، والذي اعتاد عمر متين ارتياده. وزار عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي المركز يوم الجمعة، لإجراء مقابلة مع أحد أعضائه، ويدعى عمر صلاح، وهو محام بمكتب مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية في ولاية فلوريدا. واعتاد المركز تقديم مساعدات قانونية مجانية للجالية المسلمة، التي يعتبر متين جزءاً منها.

واعتاد الأطفال الذين يرتادون مسجد أصدقاء فلوريدا المسلمين أن يلعبوا بفناء المسجد في المساء، إلا أنه قيل لهم إنهم يجب أن يظلّوا في الداخل في الوقت الحالي.

1 بالمائة مسلمون

وتبلغ نسبة المسلمين حوالي 1% بين الطبقة العاملة في المدينة والتي يبلغ تعدادها 44 ألف نسمة. فكثير من المهاجرين يعيشون بالمدينة منذ عقود من الزمن، كما أن أبناءهم وُلدوا في الولايات المتحدة. لكن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط الذي تضربه الحروب، وكذلك الجدل الدائر حول منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة باعتباره جزءاً من استراتيجيات القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ترك مسلمي أميركا على المحك، والمسلمون هنا تنتابهم الحيرة حول رد الفعل الذي يجب أن يتبنوه تجاه ما يحدث.

يقول بيدار باخت، مدير أحد المطاعم “نحن في حاجة إلى أن يتواصل المسلمون مع غير المسلمين”. وقد تطوع باخت بإعداد الإفطار اليومي للمصلين والصائمين بالمركز الإسلامي في فورت بيرس، حيث أضاف قائلاً “علينا أن نقدم أنفسنا للناس، وأن نخبرهم بأننا أشخاص عاديون. فأنا أشاهد الأفلام وأسمع الموسيقى”.

واعتاد باخت أن يطبخ إفطار الصائمين في المطبخ الخاص بالمسجد، لكنه في الوقت الحالي يفعل ذلك في المنزل لكي يتجنب كاميرات التلفزيون. وفي الغالب يغلق المسجد أبوابه خلال هذه الأيام، كما قال كثيرون إنهم لا يعرفون أي شخص وصل إلى عائلة متين، فليس ثمة من يريد أن يرتبط بمثل تلك الأعمال الإرهابية.

وفي حديثه عن “صديقي” والد عمر متين، قال باخت “بالنسبة إلي، صراحةً لا أعرف ما الذي يمكنني قوله له إن اتصلت به. إنه فقد ابنه، لكن ابنه ارتكب شيئاً مرعباً، فلذا هل ينبغي علي أن أعبر عن تعاطفي معه أو ألعنه؟”

نريد مساعدتك

ووصفت ليندا هودسون، عمدة المدينة المعروفة بزراعة الحمضيات، الجالية المسلمة بنفس الكلمات التي استخدمها عديد من الأشخاص الآخرين، حيث قالت “إنها اختفت تقريباً”. حيث أوضحت أنه لم يحاول أي شخص من مرتادي المسجدين التواصل معها. وصرحت هدسون “إن قال لي أحدهم “نريد مساعدتك”، سأتحرك على الفور لتقديم المساعدة بكل طاقتي”. وأضافت أنها كانت تعرف أمين مكتبة مسلماً، لكنها الآن لا تقابل في طريقها أي مسلم، حتى هؤلاء الذين تعرفهم.

بيد أن كثيراً من المسلمين يوضحون أنهم مختفون لأنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع، حيث يقولون إنهم “نشأوا هنا”، كما أنهم مختلطون في المجتمع، لأنهم جزء من الروتين.

وكان متين الذي أطلق الرصاص على أكثر من 100 شخص في أورلاندو، دفع فواتير استخدام المرافق قبل يوم من الهجوم الذي شنّه، حيث تقول هدسون “الناس يعتقدون أن أحد الأشخاص الذي كان يسير بيننا، كان يكرهنا”.

وبدأ مهاجرون من باكستان وبنغلاديش وبلاد أخرى خلال مطلع السبعينات، في الاستقرار بتلك المنطقة المشهورة بانتشار بساتين البرتقال. حيث تحولت أحد الكنائس القديمة التي كانت تقع على طريق “ميدواي” المزدحم، إلى مركز إسلامي، واليوم يصلي في المركز حوالي 150 مسلماً، بمن فيهم عائلة متين.

ستصوت لصالح ترامب

ويبلغ متوسط دخل الأسرة في فورت بيرس 26 ألف دولار، وهو نصف متوسط الدخل القومي، حيث تعد كثير من الأسر فقراء ومن أصحاب الطبقة العاملة. وقد تسببت بكتيريا يعود أصلها إلى قارة آسيا في إهلاك محاصيل الحمضيات والزراعة بالمدينة، لكن المزارع الخاصة بعصائر “تروبيكانا”، أحد أنواع العصائر المعلبة في أميركا، لا تزال تباشر أعمالها في المدينة. كما يوجد بالمدينة منازل بواجهات بحرية محببة، فضلاً عن وسط المدينة الجميل.

وقالت ماريا مارتينيز، وهي أم لأربعة أطفال تبلغ من العمر 37 عاماً، والتي تسكن بنفس الشارع الذي يعيش فيه والدا متين، إنها ستصوت لصالح ترامب، ولا يعود السبب في ذلك إلى أنها تحب كل شيء متعلق بالمرشح الجمهوري، فالأمر ليس كذلك، حيث توضح قائلة “السبب الوحيد يكمن في أنني أعتقد أنه سيكون أكثر صرامة عندما يتعلق الأمر بالإرهاب. وأنا أوافق على المنع المؤقت لدخول اللاجئين”.

يضع أحد كبار السن علم الولايات المتحدة بالقرب من شرفته، ويبرز من حائط منزله غزالة منحوتة وشعار حملة دونالد ترامب بالقرب من باب المنزل، حيث قال إن ثمة كثيراً من حوادث العنف التي يرتكبها المسلمون، بما في ذلك حادث سان برناردينيو، وكاليفورنيا، وهجوم باريس، وهجوم أورلاندو.

حيث أوضح “عندما يكون لديك ذلك المسجد الصغير في طرق مدينتنا”، والذي لديه علاقة بمرتكب المذبحة، فربما قد حان الوقت لننظر إلى من يدخل هذه البلاد. وعلى الرغم مما يقال، وُلد متين في الولايات المتحدة، حيث كان يبلغ من العمر 29 عاماً، والذي وصل والداه إلى الولايات المتحدة منذ 35 عاماً.

ومنذ عامين، ترك أميركي آخر، والذي كان بالصدفة يذهب إلى مسجد فورت بيرس، سيارته هناك قبل أن يسافر إلى سوريا، وهو منير محمد أبو صالحة، الذي عاش في مدينة تقع شمال فورت بيرس، حيث قاد الشاب الأميركي سيارة محملة بالمتفجرات للهجوم على مطعم مكتظ بالبشر في سوريا.

يقول الرجل الكبير “رئيسنا قال إنه سيفتح الأبواب من أجلهم. أما ترامب فقد قال إنه سيمنعهم من الدخول”.

شعور جديد بعدم الارتياح

وتتسم فورت بيرس بحالة استثنائية من التنوع، فثمة كثير من ذوي البشرة السمراء وكذلك البيض، فضلاً عن زيادة أعداد اللاتينيين. لكن كثيراً من غير المسلمين الذين أجروا مقابلات صحفية، يقولون إن المسلمين يميلون إلى الإبقاء على أنفسهم بعيدين، كما أنهم يتحدثون لغات غير معروفة مثل الأوردو والفارسية الدرية. وفي المقابل يقول المسلمون الذين أجروا مقابلات أيضاً، إنهم يعملون في المجتمع مثل أي شخص آخر، فهم أطباء وسماسرة، ورجال أعمال. وقد عملت شقيقة متين في أحد المستشفيات، وأيضاً عملت في أحد مراكز التجميل. أما والده، فإنه يعمل بالتخطيط المالي، وهو ناجح إلى حد ما، حيث يقود الأب سيارة ماركة مرسيدس.

ويدير أكثر من طبيب كلاً من المركز الإسلامي في ميدواي، ومسجد أصدقاء فلوريدا المسلمين في البناية، التي لا تحمل أي علامة، والتي تبعد عن المركز حوالي 5 أميال.

يرتدي شدّاني، طبيب القلب الذي انتقل إلى الولايات المتحدة عام 1975، الزي الباكستاني التقليدي أثناء تواجده بالمسجد، وهو أب لابنتين، إحداهما طبيبة أسنان والأخرى معلمة رياضيات.

أما فادي عودة، فهو مهاجر فلسطيني يبلغ من العمر 33 عاماً، والذي يساعد في إدارة محطة فاليرو لبيع الوقود والأطعمة، وهي استراحة محلية يذهب إليها ضباط الشرطة ورجال الإطفاء أيضاً. يقول عودة إنه يشعر أنه في بيته بهذا المكان، لكنه يشير إلى حالة جديدة من عدم الارتياح بعد هجوم أورلاندو وكذلك الأحاديث التي تتناولها الأخبار عن “المسلمين المتطرفين”.

حيث أوضح قائلاً “يعتقد بعض الناس أنك إرهابي لأنك مسلم”.

ويتناوب على زيارة المكان الزبائن المعهودون، والذين ينادون عودة
بـ”فريدي”، حيث يأتون لشراء الساندويتشات وتبادل الأحاديث اليومية، فضلاً عن فرقعة بعض النكات المتعلقة بكونه مسلماً. ويدرك عودة أنهم لا يقصدون أي إهانة، لكنه يقول إن الأمر المحبط يكمن في أنهم لا يستوعبون مدى الإهانة من ذلك الأمر.

يقول متين “أحد الأشخاص الذين عاشوا معنا لفترة قال لي “فريدي، لماذا تركت أبناء عمومتك يفعلون ذلك؟ في إشارة إلى متين، كما قال أيضاً “متى ستخطط لعمليتك القادمة؟”
يشير عودة إلى أنه حاول الابتسام حينها لكنه لم يستطع.

ويضيف “الناس لا يمكنهم تفهم أن ارتكاب العنف في الإسلام يعد من الخطايا، وما فعله متين ليس من الإسلام. في الحقيقة أشعر بالقلق على أمي؛ لأنها ترتدي حجاباً”.

وتنتاب آخرون مشاعر خوف مشابهة، حيث أصرّ أحد الرجال أن يصطحب زوجته إلى مكان عملها التطوعي في المكتبة كي لا يتركها وحدها. كما تقول امرأة أميركية باكستانية إنها شعرت بالتوتر عندما رأت اثنين من البيض يلتقطان صوراً لها عندما وقفت عند إشارة المرور، حيث اعتقدت أنهما فعلا ذلك فقط لأنها كانت ترتدي حجاباً.

ويقول كثير من المسلمين في المساجد، إنهم يعتقدون أن متين لم يقتل بدافع الدين، بل لأنه كان مضطرباً نفسياً، وأنه أعلن عن ولائه لتنظيم الدولة لكي يحظى بالشهرة.

إدانة العنف

وقال كثير من غير المسلمين هنا إنهم يتساءلون ما إذا كان تشويه سمعة المثليين التي يسوقها علماء المسلمين- فقد عرفوا أن مسلمين متطرفين قتلوا مثليين من قبل- قد لعب دوراً في القرار الذي اتخذه متين بالهجوم على النادي الليلي للمثليين.

لكن المسلمين الذين أجروا مقابلات بالمدينة يقولون إن المتطرفين ليسوا مسلمين وإنه على الرغم من أن الإسلام لا يتغاضى عن المثلية، فإنه بكل تأكيد يدين العنف.

وأوضحت دراسة حديثة أعدها مركز بيو للأبحاث، حول الديانات الموجودة في أميركا، أن المسلمين منقسمون فيما يتعلق بالمثلية. وكان نتيجة الاستفتاء تقول إن 45% من مسلمي أميركا يعتقدون أن المثلية يجب أن تكون مسموحة، بينما يرى 47% منهم أنه لا ينبغي تشجيع المثلية. وقد أوضحت الدراسة أن المسلمين هم أقل الديانات قبولاً للمثلية، حيث اعتقد 66% من البروتستانت، و70% من الكاثوليك، و80% من اليهود والبوذيين، أن المثلية يجب أن تكون مسموحة. إلا أن المسلمين كانوا أكثر من المسيحيين الإنجيليين والمورمون، حيث اعتقد 36% منهم فقط أن المثلية مقبولة.

وفي أعقاب حادث أورلاندو، اجتمع ما يقرب من 1000 شخص لتأبين ضحايا أورلاندو بشاطئ “فيرو بيتش” الأسبوع الماضي، حيث تحدث فيكتور بيج، وهو ناشط محلي مسلم، عن محمد علي كلاي، البطل المسلم الذي ناهض الكراهية والتعصب الأعمى.

حيث قال أمام الجمع الذين كانوا يصفقون “علي كان فائزاً، وعمر متين كان خاسراً”.

حيث ألقى حديثه أمام الـ1000 شخص الحاضرين قائلاً “ما نسمعه دائماً أن المسلمين لا يتكلمون علانية ضد الإرهاب”، لكنه طلب منهم أن يبحثوا على شبكة الإنترنت عن المنظمات الإسلامية المعروفة وسيجدون أنها تدين الهجمات الأخيرة.

فليرعى الله أميركا؟

حيث اقتبس حديثه من القرآن قائلاً “من قتل نفساً، فكأنما قتل الناس جميعاً”.

بيد أن قليلاً من الحضور لم يرحب بحضوره، حيث غادر المكان ثلاثة أشخاص عندما بدأ في الحديث. كما صاح رجل آخر بصوت مسموع أثناء حديث بيج، قائلاً “اجلس”.

وعندما قال بيج كلمة السلام بلغات مختلفة أمام الحضور، تمتمت امرأة إلى أصدقائها قائلة “لماذا لا يقول “فليرعى الله أميركا؟”
وكان أحمر رازا، الذي يمتلك محطة وقود في شاطئ “فيرو بيتش”، أحد المسلمين القلائل الذين حضروا التأبين. وعندما طلب لي أولسن، مدير مطعم “والدو” الشهير، أن يقدم الحاضرون أنفسهم إلى الذين يقفون بجوارهم -ليتعارفوا ثم يحتضنوا بعضهم بعضاً- التفت أصدقاء رازا الباكستانيون الأميركيون إلى بعض الغرباء واحتضنوهم، حيث وضع أحد الرجال يده على ظهر أحد أقرباء رازا ليحتضنه وقال له “هلُمّ، أقبل علي يا رجل”.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Pos

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى