الإختلاف سياسي وليس فقهي / د. هاشم غرايبه

الإختلاف سياسي وليس فقهي

وكما في كل عام، دخل عالمنا الإسلامي هذا العام أيضا في خلاف حول ثبوت دخول شهر رمضان وشهر شوال، وانقسم الى فريقين، كلٌّ يدّعي أن رؤيته هي الصحيحة.
مصيبتنا أن الخلاف ليس فقهيا، ولا هو عن حرص على تقوى الله أو رغبة في تقبله للطاعات، بل هو سياسي بامتياز، ففي حين تشكل السعودية قطب العالم الإسلامي كونها تحتوي البقعة الأقدس على وجه الأرض، فهي تريد أن تستفرد بالقرار في هذا الشأن، لأن ذلك يعتبر مبايعة لها على قيادة العالم الإسلامي، لكن من لا يتقبلون ذلك، أو يريدون مناكفتها سواء لخلاف على قضايا ومواقف سياسية، أو كمحاولة ضغط لاستعادة منح وعطايا مقطوعة، نراهم يحاولون مخالفة رؤيتها للهلال، والذين قد يكونون على حق (كما في هذا العام)، أو عن رغبة في المخالفة كما هي حال إيران ومن يدور في فلكها.
أما الذين ينساقون خلفها بلا تمحيص لقرارها، فهم يفعلون ذلك خوفا من قطعها المساعدات، أو التزاماً بتحالف فرضته أمريكا لتنفيذ مخططاتها في المنطقة.
هكذا رأينا أن القضية ليست منافسة بين فريقين على اتباع المنهج الإسلامي الصحيح، فالفريقان أصلا متفقان على منع قيام حكم إسلامي، لأنهما أولا مكلفان كليهما من الغرب بذلك، وثانيا فهما يخشيان التطبيق الشرعي الصحيح، لأنه يستوجب أن يكون ولي الأمر شرعيا، والقاضي يخشى الله وليس خاتما في يد السلطان، وأن تطبق أحكام الشريعة…وهذا يعني أنهما سيغدوان خارج السلطة!.
إذن فالموضوع سياسي مصلحي، بدليل أنه لا يحدث خلاف على رؤية شهر ذي الحجة، فيتحدد موعد عيد الأضحى دائما ثابتا وموحدا في كل العالم الإسلامي، والسبب أنه مرتبط بالحج، والذي هو بيد السلطات السعودية.
فهل هلال شهر شوال أقل وضوحا من هلال شهر ذي الحجة!؟
بعد هذا التوضيح حول دوافع الخلاف بين الأنظمة الحاكمة للعالم الإسلامي، ندخل الى السؤال الجوهري: لماذا لا تكون هنالك اتفاقية على اعتماد وسيلة علمية فلكية، لتكون تحكيما منطقيا لا خلاف عليه في تحديد بداية الشهر القمري؟.
الذين يرحبون بهذا المطلب هم عامة الناس من بين المسلمين لأن ذلك يريحهم من القلق على صحة صيامهم، لكن هنالك معارضون لمثل هكذا توافق، هم من أصحاب الإربة أي ذوي الأجندات، وهم فريقان: الاول هم الأنظمة ومن يوالونهم لأنهم يتظاهرون بالتدين تقية من الناس فيما هم لا يريدون خيرا بالدين، بل يسعون الى جعله نقيضا للعلم والتقدم، وإظهاره دائما على أنه السبب في التخلف القائم، والفريق الثاني هم المتنطعون أي المتشددون الذين يعتقدون أن استخدام وسائل حديثة غير الرؤية البصرية مخالف لتهج السلف الصالح، وبالتالي فذلك بدعة وضلال.
الفريقان متناقضان من حيث المبدأ، لكنهما في النتيجة يقدمان الخدمة المثلى لأعداء الدين الخارجيين، حيث يتفقان على تكبيل الدين ومنعه من أن يصل الى أن يكون المحتكم في كل حياة الناس، لذلك نلاحظ كيف أن الأنظمة الرجعية ترعى الجماعات المتشددة والتي تدعو الى تكبيل الحاضر بقيود أنماط معيشة الماضي تمنعه من الإنطلاق والتجدد، وبالتالي تثبت هذه الأنظمة وجهة نظرها بأن الدين هو العائق من التقدم.
الفريقان يدّعيان أن رؤية الهلال يجب أن تتحقق بالعين المجردة، محتجين بالحديث النبوي الشريف: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”، وفي زمن النبوة كان تطبيق ذلك بالتحقق بالعين المجردة، لأنه تكن هنالك مراصد متقدمة كاليوم.
الإصرار على الرؤية بالعين المجردة لا يستقيم مع اعتماد وسائل تقنية حديثة في العبادات الأخرى، فمواعيد الصلاة مثلا كانت تعتمد على الشمس، وكان موعد أذان العصر مثلا يقام عندما يصبح طول ظل عصا مغروسة عموديا ضعفي طولها، لماذا تقبل هؤلاء اعتماد الساعة والتقويم الذي تقدره الحسابات الفلكية للشهر الشمسي لعشرات السنين القادمة؟، ويرفضون الحسابات الفلكية للشهر القمري، مع أنهما مرتبطان ببعضهما بدقة عالية جدا!؟.
الطرفان حريصان على إبقاء حالة التيه هذه، أحدهما عن سوء النية ودافعهم الصد عن الدين ، والثاني عن حسن نية لكن دافعهم الجهل والتخلف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى