رنا الصباغ تكتب .. الأردن “يقضي على حرية التعبير”!

#سواليف

كتبت .. #رنا_الصباغ *

ناقش البرلمان الأردني الخميس مشروع #قانون_الجرائم_الإلكترونية شديد القسوة ، وسيوجه #ضربة #قاسية لحرية التعبير في الفضاء الافتراضي، آخر معقل لحرية التعبير في الفضاء المدني المتضائل منذ سنوات. إذا تم تمرير هذا القانون، سيثني العديد من الأردنيين عن التعليق على القضايا العامة الحساسة ومشاركة أفكارهم على منصات وسائل التواصل الاجتماعي العالمية مثل فيسبوك، وتويتر ،وغيرها.

ويعكس الاقتراح، الذي قد يخضع لتغييرات تجميلية وتخفيض #عقوبات لامتصاص نقمة الشارع، الحملة العربية واسعة النطاق على #حرية_التعبير ووسائل الإعلام المستقلة التي أعقبت الربيع العربي الفاشل. حيث أقر مجلس وزراء الإعلام العرب في المغرب في حزيران / يونيو الاستراتيجية العربية الموحدة للتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي العالمية، والتي أعدها #الاردن بتكليف من المجلس ذاته.

تتضمن الاستراتيجية مشروع قانون استرشادي لتنظيم عمل هذه المنصات وحماية وسائل الإعلام العربية وجمهور المستخدمين. كما تحاول الدول العربية ذات الغالبية غير الديمقراطية تعزيز نفوذها مع منصات #الإنترنت الدولية القوية مثل فيسبوك، وتويتر، وإجبارها على إزالة المحتوى الناقد وإغلاق الحسابات التي تنشرها.

وكانت الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح، وهي منظمة غير حكومية تدافع عن #حقوق مستخدمي التكنولوجيا في الأردن، قد طالبت بسحب مشروع القانون ونبهت إلى العديد من المواد الإشكالية. على سبيل المثال، يسمح مشروع القانون للمدعي العام بحجب منصة تواصل اجتماعي في جميع أنحاء البلاد حتى بدون أمر من المحكمة. وقد طبقت السلطات أصلا هذا الإجراء بالفعل من دون اللجوء إلى القانون.

في نهاية العام الماضي تم حظر منصة تيك توك مؤقتًا بعد أن قام المستخدمون ببث مباشر لاعتصام سائقي شاحنات في جنوب البلاد، استمر لعدة أيام ضد رفع أسعار المحروقات، وتجاهلته غالبية وسائل الإعلام التقليدية. ولا يزال تيك توك غير متاح حتى الآن، لكن بات الأردنيون يستخدمون شبكات افتراضية خاصة (VPN) للوصول إليه.

كما يمكّن مشروع القانون الحكومة الحدّ من 75% من حركة المرور على منصات التواصل الاجتماعي العالمية التي ترفض فتح مكتب فعلي في الأردن، مما يجعل الوصول إلى محتواها شبه مستحيل. ومن خلال هذا القانون، يمكن للحكومة حظر الإعلانات على مثل هذه المنصات بعد مرور 60 يومًا على إخطارها، وسيتم تحميل مسؤولي مواقع الويب، والأشخاص الذين يديرون التطبيقات، والصفحات، أو القنوات الافتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية الجنائية عن المحتوى الذي ينشره الآخرون، وفقًا لمقترح القانون.

كما انتقدت المنظمة غير الحكومية اللغة الفضفاضة لمشروع القانون، مثل “اغتيال الشخصية، وازدراء الأديان، ونشر الأخبار الكاذبة، وإثارة الفتنة، والنعرات والحض على الكراهية “. يمكن أن تشمل العقوبات المقترحة في حال خرق القانون أحكامًا بالسجن تصل إلى 3 سنوات، وغرامات تتراوح في المتوسط بين 28 ألف دولار أمريكي، و58 ألف دولار أمريكي، ولكن يمكن أن تصل إلى 100 ألف دولار في بعض الأحيان.

بحسب الخبراء الإعلاميين والقانونيين هناك أيضَا مواد إشكالية تتيح للدولة تقديم شكاوى نيابة عن المسؤولين والكيانات العامة في الحالات التي يتعرضون فيها للإساءة، في حين يتعين على الأفراد العاديين القيام بذلك بأنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه أي مستخدم لشبكة افتراضية خاصة VPN عقوبة السجن، والغرامة إذا تم استخدام VPN لارتكاب جريمة، أو إخفائها.

وأثار مشروع القانون بالفعل استياءً بين جماعات حقوق الإنسان الدولية، وأثار قلقًا شديدًا من الولايات المتحدة أقرب حليف غربي للأردن. قال المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل قبل يومين: “هذا النوع من القوانين، مع تعريفات ومفاهيم غامضة، يمكن أن يقوض جهود الإصلاح الاقتصادي، والسياسي المحلية في الأردن، ويزيد من تقليص الحيز المدني الذي يعمل فيه الصحفيون، والمدونون، وغيرهم من أعضاء المجتمع المدني”. وحذر من أن مشروع القانون المقترح يحد من حرية التعبير على شبكة الإنترنت وخارجها.

ووفقًا لمؤشر حرية الصحافة العالمي لمنظمة مراسلون بلا حدود لعام 2023، تظل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) ، للعام الحادي عشر على التوالي، أسوأ منطقة في العالم من حيث حرية الإعلام. ولا يوجد بلد في المنطقة يحقق حتى درجة “مرضية” من الحريات السياسية والإعلامية.

وكتب المعلق والكاتب الناقد أحمد حسن الزعبي، الذي يواجه المحاكمة بسبب تعليقات أدلى بها على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد فيها وزيرًا في منصبه بتغريدة على تويتر: “إذا أقر القانون سنغلق صفحاتنا جميعًا”. وأضاف في تغريدةٍ أخرى “من يستحق أن يحاسب على الأخبار الكاذبة هي الحكومة وليس المواطن”.

حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في سبتمبر الماضي من أن الأردن كثف الملاحقة والمضايقة للمعارضين السياسيين، والمواطنين العاديين، باستخدام سلسلة من القوانين لإسكات الأصوات المنتقدة على مدى السنوات الأربع الماضية. وقالت المنظمة إن السلطات كانت تستخدم قوانين غامضة لاحتجاز واستجواب، ومضايقة الصحفيين والنشطاء السياسيين، وأعضاء الأحزاب السياسية، والنقابات المستقلة، بالإضافة إلى أفراد عائلاتهم.

وأُلقي القبض على عشرات النشطاء في السنوات الأخيرة بسبب تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي. وفقًا لوسائل الإعلام المحلية، وتم إحالة ما مجموعه أكثر من 17 ألف قضية تتعلق بالجرائم الإلكترونية – بما في ذلك تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي – إلى المحاكم منذ عام 2019 وحتى الآن. ويتزايد العدد باستمرار. إذا تم تبني مشروع هذا القانون، فقد يجد الأردنيون أنفسهم مسجونين، وموقوفين، أو تم تغريمهم حتى قبل إدانتهم بما تعتبره الحكومة جرائم إلكترونية صيغت بطريقة غير واضحة.

قبل أن يبدأ نقاش اليوم الخميس تلقى عدد من أعضاء البرلمان الذين يحاولون تعديل مشروع القانون مكالمات هاتفية “توجيهية” من جهات رسمية. في غضون ساعات من مشاركته في اجتماع اللجنة القانونية في البرلمان قبل أيام، اضطر رئيس البرلمان أحمد الصفدي الى تغيير تعبيراته بعد أن وصف بعض الغرامات الواردة في مشروع القانون بـ “أرقام فلكية”.

وقالت النائب السابقة الدكتورة رلى الحروب أمين عام حزب العمال لصحيفة “جوردان نيوز” إن “القانون سيدخلنا مرحلة أسوأ من مرحلة الأحكام العرفية”.

وأوضح رئيس تحرير موقع” Jo24.net “، باسل العكور، وهو من بين عدد قليل من المحررين المستقلين العاملين في البلاد، لـ “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود (OCCRP.org) ” إنه إذا تم تمرير القانون: “فإنه سيحول الأردن إلى سجن كبير، ومملكة خوف حيث يخشى الناس من فتح أفواههم”.

وأضاف أن العمود الفقري لمشروع القانون الحالي له علاقة بمسألة التوقيف: “وهي عقوبة مسبقة قبل أن يدان الموقوف فعليًا حيث سيسجن الصحفي، وتصادر معداته ويغلق مكتبه، ويخرب بيته قبل أن يصدر قرار الإدانة”.

رغم الانتقادات الواسعة لمشروع القانون من قبل 15 حزبًا سياسيًا، ونقابة مستقلة، ونشطاء سياسيين وعشرات الصحفيين منذ إرسال مشروع القانون إلى مجلس النواب في 17 يوليو/تموز، تواصل الحكومة التأكيد على احترام حق المواطنين الدستوري في حرية التعبير، والإصرار على أن مشروع القانون لن يحد من عمل الصحفيين . وتقول إن مشروع القانون ضروري لحماية الأردنيين من الاحتيال والتزوير والسرقة عبر الإنترنت والاعتداء الجنسي على القُصّر.

ويوضح مؤيدو المشروع أنه السبيل الوحيد لحماية الحرية من الانفلات لعدم تحصينها بالمسؤولية خصوصًا في العالم الافتراضي والفضاء المفتوح الذي جعل لكل مواطن منصة لينشر فيها ما يشاء. ويستذكرون حالات متنامية للشتم، والنَيل من الأعراض، والابتزاز، واحتيال الشخصية.

قد يكون رفض واشنطن المباشر والعلني التبريرات، والحجج الأردنية، يهدف إلى تعزيز جبهة منتقدي المشروع في الأردن، وقد يمنح الحكومة أيضًا الوقت للتفكير مرة أخرى في بعض الحقائق الصعبة. ووراء تحذيراتها العلنية، ربما تكون الولايات المتحدة قد أخبرت عمّان أن أي فشل في الاستجابة للانتقادات، والتقدم بمشروع قانون أكثر عقلانية قد يؤدي إلى عقوبات اقتصادية لا يمكن للأردن تحملها.

تضاعفت المساعدات الأمريكية للأردن 3 مرات على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية حيث تتمتع المملكة بعلاقات استراتيجية سياسية وعسكرية متينة مع الولايات المتحدة. كما تستضيف عمان ما يقرب من 3000 جندي أمريكي على أراضيها.

في السنوات القادمة، سينفذ الأردن منظومة شاملة للتحديث السياسي، والاقتصادي، والإداري التي قادها الملك عبدالله الثاني ما بين عامي 2021-2022 مدعومة بترويج إعلامي واسع النطاق للإعلان عنها وشحذ الهمم.

وترقى هذه الإصلاحات إلى مستوى الوعد بديمقراطية برلمانية أوسع، وحكومة أكثر تمثيلاً، وإصلاح للجهاز البيروقراطي، وتمكين الشباب والنساء. لكن في الواقع، فإن مشروع القانون الجديد المخالف لبنود دستورية، ومواثيق عالمية هو طعنة في ظهر هذا الوعد ونقطة ارتداد مفصلية عن الصورة الزاهية التي تم رسمها لشكل البلاد التي دخلت مئويتها الثانية، ويثير مشروع القانون أسئلة أكثر من الإجابات حول اتجاه الأردن الحقيقي.

إقرار القانون سيحرج أعضاء البرلمان أو ممثلي الشعب. الأنكى أن غالبية أعضاء مجلس النواب الحالي باتوا أعضاء في الأحزاب الجديدة التي تقدمت بترخيص، والقديمة التي أعادت تكييف نفسها مع قوانين الانفتاح السياسي الموعود. حيث يتساءل العديد من غالبية المواطنين الفاقدين أصلا الثقة بدور الأحزاب عن مدى مصداقية العمل الحزبي الموعود، في الوقت الذي يشارك أعضاء هذه الأحزاب في تكبيل أفواه الأردنيين.

إن حرية التعبير والإعلام المستقل بما فيها وعود التحديث الشامل ليست أكثر من انعكاس لحالة من الإنكار التي تعيشها بعض مفاصل صنع القرار في المملكة، والتي باتت تقترب من مفهوم “صناعة الوهم” الذي تحمله وتروج له النخب السياسية، والاقتصادية، والإعلامية الجديدة، لإخفاء الفقر المتزايد، والفساد، والمحسوبية، وانهيار الخدمات العامة.

بعد أجواء الانفتاح التي عاشتها البلاد عقب اندلاع احتجاجات ما سمي بـ”الربيع العربي”، طلب الأردن من العديد من الصحفيين المطالبين بالإصلاح أو المؤمنين بدور “السلطة الرابعة” أن يقرروا إذا ما كانوا يؤيدون أو يعارضون الدولة. بالفعل لم يعد هناك مجال للبقاء في مساحة مهنية مستقلة لخدمة الصالح العام.

أما الذين يصرون على البقاء في المساحة المستقلة، فإنهم يُوضعون تحت المجهر، وقد يتعرضون للترهيب، والمضايقة، والتنصت على هواتفهم ليلًا نهارًا مثلما حدث لعشرات من معشر الإعلاميين. قد يصبحوا أعداء للدولة بعد أن يطلب منهم تحديد ولائهم: مع بلدهم أم مع مهنتهم. بعض أولئك الذين يقدمون الإجابات الصحيحة والواضحة حول ولائهم، يكافؤون بتعيينات دبلوماسية رفيعة، ومناصب وزارية، واستشارية.

سيكون الأردنيون، بما في ذلك وسائل الإعلام، أحرارًا في متابعة مشاهد جميع تغييرات التحديث الموعودة من على الهامش، لكنهم بحاجة إلى توخي الحذر الشديد فيما يقولونه عنها في حال تم إقرار هكذا مشروع قانون.

  • الكاتبة كبيرة محرري OCCRP لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
    ** نقلا عن (CNN)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى