وقيدت المسؤولية ضد مجهول!! / د. ديمة طهبوب

وقيدت المسؤولية ضد مجهول!!

لا أظن أن وزير الداخلية سيسهر ليله الطويل في انتظار ما ستسفر عنه مذكرة حجب الثقة التي قدمها مجموعة من النواب، والتي ستعرض على المجلس في جلسة الثلاثاء؛ فلقد اعتاد المسؤولون أن من دخل دار الحكومة فهو آمن، وعلى ممثلي الشعب والشعب من ورائهم أن يرضوا بالعبارة المتداولة في الأروقة السياسية المغلقة «ما عمر مجلس أسقط وزير»، وان يواروا خيبتهم ويرضوا بسواد الوجه مع الشعب او حلول الترضية!
ولكن هناك قلب وعينين لن يناموا! انهم لم يناموا منذ أن فجعت الأم بفلذة كبدها سائد، ولا يقلل من وجع الأمومة كونه شهيدا رفع رأس وطن بأكمله، فالأم أم كانت تريد ابنها قرب رأسها يسجي جسدها، ويصلي عليها، أما ان تنقلب المعادلة فيواري الآباء ابناءهم فتلك فجيعة كبيرة، لا يسليها سوى الجبار، والانتصار لما ماتوا عليه من حب وفداء الوطن، وتحصيل الحقوق ممن ظلمهم وتركهم يواجهون الردى وحيدين الا من قلوبهم العامرة بحب الله والوطن و شجاعتهم النافذة كالسهم في صدور المعتدين.
ستتابع أم سائد كل من دقوا على صدورهم، وتقاطروا على بيت العزاء به وبإخوانه ليقولوا لها إن ذهب سائد فكلنا سائد طوع بنانك، نأتمر بأمرك، ونلبي نداءك.
ستتابع لترى ذات الوزير الملوم على التقصير الذي استبعد المسافة الى الكرك، فلم يصلها الا بعد فوات الأوان، ستتابعه مستغربة ان لم يبادر من تلقاء نفسه الى اخلاء موقع المسؤولية، وتركه لمن يأخذه بحقه!
ستتابع لترى كل من انتفخت أوداجهم بالتصريحات العنترية، والمواقف البطولية، لترى اذا كان أفعال الرجال بمقدار كلامهم!
ستتابع لترى مواقف من خرجت لتنتخبهم مع كبر العمر، وانحناء الظهر، وقيظ الحر ايمانا بأن الوطن يستحق، وان الوقت لم يحن لنفقد الأمل من الاصلاح والتغيير، وان من يمثلونها يرون الكرك قريبة على بعد خطوة من ضمير حي، وعين يقظة، وأُذن تسمع لوعة أم مكلومة، وشابة أرملة وأطفال أيتام.
اليوم الثلاثاء سيقوم بعض النواب بتقديم مذكرة الحجب، وهي خطوة يراها بعض أصحاب الحسابات انتقاصا لهيبة المجلس في حال خسارتها أمام الحكومة، وفشلهم في تنحية الوزير، ويدعون الى مزيد من التريث، ودراسة الموقف، وحلول أخرى بتشكيل لجان، متناسين تاريخ تشكيل اللجان في أوطاننا، وتأثيرها العدمي، وصدق الشاعر إذ قال:
جاءت اليك لجنة تبيض لجنتان
تفقسان بعد جولتين عن ثمان
و بالرفاء و البنين تكثر اللجان
حي على اللجان!
في القرن الثامن عشر في بريطانيا، وهي من أعرق الديمقراطيات التي عرفها التاريخ، تقدم نائب في البرلمان البريطاني اسمه ويليم ولبرفورس بقانون، أكسبه عداوة أغلب زملائه، ناهيك عن نعته بالجنون والعته؛ لأنه طالب بإلغاء تجارة الرقيق في الامبراطورية البريطانية. وبالرغم من انه خسر التصويت لمدة عشرين عاما على التوالي، إلا أن ذلك لم يفت في عضده، ولم يضعف عزيمته، ولم يغير من قناعته بمطالبته، عشرون سنة أورثته سخطا، وكيدا ضده، وهزالا ومرضا في جسده الى أن تحقق له مراده بإقرار القانون، وإقفال صفحة سوداء في تاريخ شعبه!
لم يكل ولم يمل، ولم يستجب لضغوط زملائه بتأجيل الأمر بعد انتهاء حروب الثورة في فرنسا حتى يتهيأ له جو افضل للنجاح، كان صاحب هم وقضية ومسؤولية، لم يهدأ الا بعد ان حقق غايته الانسانية النبيلة.
وفي التاريخ السياسي ما يحفل بهذه الأمثلة، فما بال النسخة العربية عندنا تخاف من الجولة الأولى، وتنسحب بذرائع حفظ ماء وجه المجلس ؟! وهل كرامة المجلس الا بالتماهي مع نبض المواطنين؟!
من ارتكب الجريمة نال عقابه، ولكن كان بالامكان الوقاية والردع لكل ذلك، وتقليل الخسائر فمن يتحمل هذا الجزء من المسؤولية وكيف سيحاسب؟!
هل تقيد المسؤولية ضد مجهول، فلا مقصر ولا تقصير!
توقيعي وصوتي وقراري ينحاز مع ذوي الشهداء، وكل مواطن أردني روعته الأحداث، وطريقة التعاطي معها.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى