الزحف لاحتلال البرج والزحف لاختراق الحدود . . !

الزحف لاحتلال البرج والزحف لاختراق #الحدود . . !
#موسى_العدوان

كتبت قبل أيام مقالا حول #زحف إحدى سرايا كتيبة الحسين الثانية ( أم الشهداء )، وسأكتب اليوم مقالا مختصرا عن زحف آخر، للكتيبة نفسها، لاحتلال #قرية_البرج قرب رام الله، على #الأرض_الفلسطينية المقدّسة في حرب عام 1948.

مع فجر يوم 15 يوليو شنت القوات اليهودية هجوما واسعا، بقوة لا تقل عن ألف مقاتل على مراكز الكتيبة الرابعة في باب الواد، قاصدين احتلال قرية يالو والهضاب المجاورة لها. ومهدت لهجومها بقصف مدفعي استمر لعدة ساعات. ومع انبلاج الفجر تمكنت القوات المهاجمة من الوصول إلى استحكامات الكتيبة الخارجية، وبدأت بحفر الخنادق قريبا من القرية.

ازداد الموقف حرجا في ذلك اليوم، حيث أكمل #اليهود احتلال القرى المواجهة لمنطقة #اللطرون، وركزوا بها قوة كبيرة تتألف من لواء مشاة ولواء مدرع، منها كتيبة في قرية البرج وأخرى حول قريتي بير ماعين وعجنجول، والكتيبة الثالثة وضعت بالاحتياط في قرية سبليت، وتمركز اللواء المدرع حول قريتي عنابة وجمزو. كانت القوات الأردنية في هذه الأثناء تخطط للهجوم المعاكس على موقعي البرج وبير ماعين، وتنفيذه بأسرع وقت ممكن استباقا لهجوم العدو المتوقع.

في صباح يوم 16 يوليو وردت معلومات من قائد اللواء إلى قائد الفرقة، بأنه قد حصل هياج بين جنود الكتيبة الثانية في اللطرون، وأنهم تمردوا على قائد الكتيبة البريطاني الرائد ( سليد ) مطالبين بالهجوم على اليهود، لأنهم غير مقتنعين ببقائهم في مواقع دفاعية دون قتال في اللطرون، خاصة بعد احتلال اللدّ والرملة، وأصبحت معنوياتهم تنحدر إلى الأسوأ.

قرر قائد الفرقة إرسال الرائد عبد الله التل إلى الكتيبة الثانية، ليشرح لهم خطورة ترك موقع اللطرون الإستراتيجي الذي سيحتله اليهود في حالة إخلائه، وأن هناك خطة تحت الإعداد للهجوم المعاكس في اليوم التالي، إلا أنه لم يفلح في تهدئة الجنود. وعليه فقد تم بعد ظهر يوم 16 يوليو / تموز وبصورة مستعجلة، تجميع قوة هجوم معاكس بقيادة الرائد ( لوكت )، وجرى حشدها في قرية بيت نوبا ( 20 كيلو متر إلى الجنوب الغربي من رام الله )، وتعزيز الدفاع في منطقة اللطرون بِ 100 جندي من الكتيبة الرابعة، إضافة لِ 150 مناضلا من القرى المجاورة.

تشكلت قوة الهجوم من الوحدات التالية :
– سرية المدرعات الثانية – بقيادة الملازم حمدان صبيح البلوي.
– سرية المشاة الثانية – بقيادة الملازم محمد كساب.
– سرية المشاة الثالثة – بقيادة الملازم رفيفان خالد الخريشه.
– فصيل مدافع 6 رطل ضد الدروع – بقيادة الملازم حيدر مصطفى.
– مجموعة إسناد الكتيبة تتألف من 4 مدافع هاون 3 إنش + 4 رشاشات فكرز.
– سرية مدفعية الميدان الثانية بإسناد الهجوم.

قام قائد الكتيبة ( الرائد البريطاني سليد ) بالاستطلاع وأصد أوامره بالهجوم على موقع قرية البرج، لكونها تقع على ربوة عالية تشرف على المنطقة المحيطة بها وعلى الطريق الرئيسية. ولكنه أهمل موقع قرية بير ماعين الواقعة على مسافة كيلو متر واحد، إلى الجنوب من قرية البرج، لاعتقاده بأنها خالية من العدو. وقرر أن يكون خط البدء طريق بيت سيرا – اللطرون، وأن تكون الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر ساعة الصفر. تلخصت الخطة بأن تتقدم سرية المدرعات في طليعة الهجوم، تتبعها سريتي المشاة، تحت ستار من نيران المدفعية وأسلحة الإسناد في .ير ماعين قريبا من الموقع.

زحفت هذه القوة لمهاجمة الهدف في الوقت المحدد، تتقدمها سرية المدرعات بقيادة الملازم حمدان صبيح تتبعها سريتي المشاة. وعندما وصلت إلى خط البدء، فتحت القوات اليهودية النار عليها من موقع بير ماعين، الذي ظن قائد الكتيبة أنه خال من العدو. ولم يكن أمام القوة أي خيار سوى التقدم بسرعة نحو الهدف قرية البرج، إذ كان من غير الممكن تعديل الخطة في تلك اللحظة الحرجة. ومما زاد الموقف صعوبة أن أشعة الشمس الساطعة، كانت تواجه عيون الجنود أثناء تقدمهم إلى الهدف.

احتدمت المعركة حيث صب العدو قذائف أسلحته على المهاجمين، من موقعي بير ماعين ومرتفع قرية البرج. وفجأة خلال التقدم صاح سائق المدرعة الأولى : ( لقد أصبت . . لا أستطيع أن أرى . . يبدو أنني فقدت عيني . . )، إذ كانت إحدى الشظايا قد اخترقت إحدى عينيه، وأخذ الدم يتدفق على وجهه. فأجابه الملازم حمدان : ليس المهم أن ترى بعينيك . . اضغط على دواسة المحرك بقدمك بكل قوة، وسقّ إلى الأمام.

امتثل السائق الشجاع لأمر قائده ونفذه فورا، فاستمرت المدرعة باندفاعها نحو القرية، ولكنها لم تلبث أن أصيبت بقذيفة مدفع ( بيات ) من كمين جانبي وتوقفت ثم انقلبت، حيث اخترقت الشظايا جسم حمدان، واستمرت القوة بهجومها إلى أن احتلت الهدف. وعندما نقل حمدان لاحقا إلى المستشفى، نزع الطبيب من جسده أكثر من مئة شظية. ورغم الجراح البليغة في جسم حمدان صبيح، فقد كتبت له النجاة وشفي من جراحه وعاش بعد الحرب إلى أن توفاه الله. وكانت خسائر العدو في تلك المعركة كبيرة بالأرواح، وصلت لأكثر من 200 إصابة بين قتيل وجريح. أما خسائر القوات المهاجمة فكانت 60 إصابة بين شهيد وجريح، وتدمير 3 مدرعات ومدفع ضد الدروع عيار 6 رطل.

هذا هو زحف أبطال الجيش الأردني على مواقع العدوّ، في حرب عام 1948 خالصا لوجه الله ودفاعا عن الأرض المقدّسة، بخلاف ما يقوم به أبطال الفنادق هذه الأيام، من تحريض المواطنين العزّل للزحف على الحدود دون استعداد لمواجهة العدوّ,

رحم الله البطل حمدان صبيح ورفاقه، ورحم الله جميع شهداء الجيش العربي، وأسكنهم جميعا فسيح جناته، وهم الذين قدموا أرواحهم رخيصة للدفاع عن فلسطين، قبل أن تصبح سلعة للمتاجرين بالأوطان.

التاريخ : 8 / 4 / 2024
المرجع : كتاب أيام لا تُنسى / المؤرخ سليمان موسى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى