الدبلوماسي غير الدبلوماسي / د. محمد الزغول

الدبلوماسي غير الدبلوماسي

حوار سفيرإيران في عمّان، مجبتى فردوسي بور، مع موقع المونيتور، يفيض غطرسةً واستعلاءً. ولغة الدبلوماسي الإيراني تفتقر إلى الحد الأدنى من الدبلوماسية؛ فبينما دعا فردوسي بور المملكةالأردنيّةالهاشميّةإلى توطيد العلاقات الاقتصادية مع بلاده، أظهر السفير قلة احترام للعرب عموماً بقوله إن قرارات القمة العربية لا قيمة لها. وعبّر عن نظرة استعلاء مرفوضة تجاه الدولة الأردنية والشعب الأردني؛ فهو تارةً يزعم بأنّ الأردن ليس ندّاً لطهران؛ اقتصادياً بزعم الفارق الكبير في حجم السوق وعدد السكان، وتقنياً بزعم الفارق الكبير في الإمكانات التقنية والصناعية. وتارةً يتهم الأردن بأنه دولة تابعة في علاقاتها الخارجية، قرارها بيد غيرها، ويمنح نفسه حق توجيه النصح للأردن، وتحديد اتجاهات بوصلته الاستراتيجية، وأولوياته الإقليمية. وخلاصة ما قاله فردوسي بور للأردنيين: أنتم من تحتاجون إلى إيران، وأنتم المستفيدون من العلاقة معها، وإيران لا تستجدي العلاقة معكم، فإن جئتم خاضعين، أنزلنا عليكم بركاتنا. إن كان هذا صحيحاً، لماذا تحرص طهران على التقرب من الأردن، على الرغم من كل هذا الصدود الأردني الذي يتحدث عنه السفير؟
تحاول إيران منذ سنوات تحسين علاقاتها مع الأردن لأسباب معظمها مرتبطٌ بالمشروع الجيوسياسي الإيراني الإقليمي؛ فالأردن بوابة للتأثير في الداخل الفلسطيني، وهناك حاضنة شعبية كبيرة للحركات الفلسطينية التي تدعمها إيران مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” وغيرها. كما أنّ هناك أقلية شيعية تريد إيران التواصل معها، تتمثل في أعداد من المهاجرين العراقيين واللبنانيين والسوريين إلى الأردن، علاوة على أعداد من المتشيعين الأردنيين الذين يحظون باهتمام إيراني كبير رغم محدودية عددهم الذي لا يتجاوز العشرات.
وتطمح إيران إلى وضع مستقبلي تكون فيه الحدود الأردنية-الإسرائيلية ورقة ضغط إيرانية في مواجهة القوى الدولية الكبرى وإسرائيل، كما هو الحال في الجنوب اللبناني، وهي مستعدة لتحمُّل تكاليف كبيرة في سبيل تحقيق مثل هذا الهدف الذي لا يمكنها الوصول إليه في ظلّ وجود دولة أردنية قوية ومستقرّة، ولذلك تعمل إيران بشتى الطرق على زعزعة الاستقرار في الأردن، وتدعم أيّ حراك سياسي مُعارض في المملكة.
وتكتسب العلاقة مع الأردن أهمية متزايدة بالنسبة لإيران في الأوضاع الراهنة؛ لما يمثّله الدور الأردني في الأزمة السورية من أهمية بالنسبة للمحور الإيراني في المنطقة. وهناك حديث عن تقارب بين “الإخوان المسلمين” وإيران في الآونة الأخيرة، قد تكون إحدى أخطر نتائجه في الأردن. وهناك شعور متزايد في المنطقة بأن العلاقات الأردنية-الأمريكية تمرّ بمنعطف صعب للغاية بعد قرار الرئيس الأمريكي المستفزّ والمجحف حول القدس الشريف. كما أن العلاقات الأردنية-السعودية اليوم أيضاً، تشهد تحدياً جديداً، وليست في أحسن حالاتها.
وينطوي تركيز إيران على السياحة الدينية مع الأردن على خطر كبير، وتقبع خلف فكرة إرسال أعداد كبيرة من الحجاج، والزوار الشيعة إلى مقامات الصحابة والأنبياء في الأردن،أهدافٌ إيرانيةٌ بعيدة المدى، كانت الدولة الأردنيةأول من استشعرها في المنطقة بذكاء يمتدحها عليه الجميع؛ فكما أن الإيرانيين ووكلاءهم في المنطقة اليوم يقاتلون في سوريا تحت ذريعة الدفاع عن المقدّسات الشيعية، ومقام السيدة زينب- وهي بالمناسبة ليست من الأئمة المعصومين عند الشيعة- ظل الإيرانيون يطمعون بتكريس حق مكتسب لهم في بعض الأماكن الدينية في الأردن، وللأسف فقد مهّدت إحدى الحكومات الأردنية لهم الطريق بقبولها المساعدة الإيرانية في تمويل إعادة بناء مقامات الصحابة، والإشراف الإيراني المباشر على العمل، وبالطريقة التي يتم فيها بناء المراقد الشيعية، خاصة مقام سيدنا جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- في جنوب الأردن.
وفي حالة إنكار متعمدة للواقع، يزعم الإيرانيون على الدوام بأن العائق الرئيس أمام تطوير العلاقات الأردنية-الإيرانية هو إشراف الأجهزة الأمنية الأردنية على هذه العلاقات. ومن اللافت أن هذه المزاعم تتجاهل عن قصد تدخلات الحرس الثوري الإيراني في السياسة الخارجية الإيرانية، كما تتجاهل اتضاح معالم المشروع الجيوسياسي الإيراني في المنطقة بشكل لا لبس فيه.
وعلى الرغم من مرور ثلاثة عقود على انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية، تصرّ طهران على إبقاء ملف هذه الحرب مفتوحًا، ولا تكفّ في أية مناسبة عن تذكير الأردنيين بوقوفهم إلى جانب العراق فيها، رغم أن العراق بكلّ مقدّراته أصبح تحت سيطرة طهران؛ ما يؤكّد أن المظلومية وعقلية المؤامرة والاستهداف لا تزال مُوَجِّهًا أساسيًا للسياسة الخارجية الإيرانية.
ولعل أبرز ما يثير استياء الإيرانيين من خطاب الدولة الأردنية، هو الفهم الأردني لحقيقة ازدواجية الثورة-الدولة التي تعاني منها إيران، والتي تجعل إيران تتصرّف كأنها قضية وليست دولة، وتُنشئ علاقات غير متكافئة مع الآخرين بتعمُّد التعامل مع المجموعات والتيارات السياسية والدينية وليس الدول التي تحتضنها؛ ما يشكّل اعتداءً على سيادة واستقلال تلك الدول، وتَدخُّلًا في شؤونها الداخلية، فمغزى ما يقوله الأردن حول إيران أنها لا تتصرف كدولة مسؤولة يمكن التعامل معها ضمن الأعراف الدولية المُتّبعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى