ستايلك أحلى مع مناصب الدولة / د. ديمة طارق طهبوب

د. ديمة طارق طهبوب
لديها كل المؤهلات العلمية والعملية والأخلاقية والوطنية والسياسية والاجتماعية ما يملأ سيرة ذاتية تسد عين الشمس، ولكن عندما جاءها ذلك الهاتف الذي يمضي الكثير من السياسيين حياتهم في انتظاره ويضحون بالكثير لأجله، كان العمل وخدمة الوطن مشروطة بشرط: بدك تغيري ستايلك ليتناسب مع المنصب!! طبعا غني عن القول أن بطلة القصة محجبة حجابا رزينا لا يعرف الألوان والأشكال والموديلات «المودرن» التي مسخته كأي زي ملون آخر مع غطاء رأس فقط! العجيب أن كل المؤهلات العلمـــــــية والمهـــــــنية تم التغاضي عنها لأجل المنظر والصورة، ولما رفضت البطلة التنازل عن مبدئها في لباسها تم اختــــــــيار أخرى تناسب الصورة الوزارية والصورة الذهنية التي يراد تسويقها عن البلد، ولا بأس ان كانت بمؤهلات أيضا أو بحرف دال يسبق اسمها فما أكثر الألقاب والشهادات في بلدنا ولكن ارتباطها بالمبادئ ذلك شيء آخر!
عجيب هذا التحول الاجباري الذي يراد تسويقه عن شكل الأردن ونسائه في الوقت الذي لا يختلف فيه اثنان ان البلد معروف بمحافظته وتقديره للعادات والتقاليد وثقافة العيب، حتى قبل الدين والتدين، والمتأمل لطبيعة ازيائنا الشعبية التراثية ونمط الستر فيها يعلم ان المحافظة أصيلة فينا وان التقصير والتغريب ثقافة واردة بفعل العولمة التي يراد أن تتلبسنا قصرا وان لم تناسبنا!
هذا الاختلاف المظهري في الشكل المراد تسويقه عن نساء الأردن ليس اختلافا سطحيا في الشكل، بل هو اختلاف أعمق في الفكر والعمل؛ فصورة الأردن الرسمي النسوية تحتكرها النسويات بأجندتهم التغريبية وفي مقدمتها اتفاقية السيداو والدولة تمكنهن من المواقع والمنابر، وتمنحهن صفة التمثيل الرسمي، بينما غالبية نساء الأردن اللواتي لو مشيت في الشوارع او أمكان العمل أو المحافظات ونظرت اليهن والى ازيائهن لوجدت بونا شاسعا بين نساء المجتمع المخملي في الطوابق العليا وبين الكادحات للوطن والاسرة والعيش الكريم في الميادين المختلفة! فهل أصبحت جدتي وجدتك بمدرقتها وثوبها وأمي وأمك بفساتينهن الطويلة وأنا وأنت بحجابنا او جلبابنا او عبائتنا لا نصلح للتقديم أمام العالم؟! وهل الاختيارات للمناصب والمواقع الرسمية والحساسة تتم بسطحية المظاهر والأذواق بالاضافة الى اعتبارات أخرى من القرابة والمصلحة ليس هذا موضع نقاشها؟ وماذا يبقى للأهم من مؤهلات العلم والخبرة والصدق والأمانة؟ أم أن الوجه الجميل يستجلب العفو عن كل المصائب التي تصدر عنه في ظل حكومات تراكمية، يقل فيها الانجاز وتنتقل التركة الثقيلة من الفساد والبروقراطية من جيل الى جيل، ولن تنفع معها جميلة الجميلات في تغيير حالها؟! والسؤال الأهم هل الموجودون في المناصب يملكون السلطة والتمكين أصلا، سواء كانوا بجمال يوسف او قبح الجاحظ، أم ان الفساد عجوز ضاربة الجذور لا تنفع معها عمليات الاصلاح التجميلي او ترقيع أمانة عمان؟!
عندما رُويت لي القصة الافتتاحية وطلب المسؤولون من صاحبتها ان تغير ستايلها تذكرت الرئيسة الألمانية ميركل وحظها المتواضع من الجمال والأناقة ولكن هل أثر هذا في أدائها السياسي؟! هل نظر الشعب والعالم الى ما تلبسه ام الى مواقفها وانجازاتها؟! وهل مواقع التأثير وصناعة القرار مواقع استعراض وعرض أزياء؟! وماذا كسبنا كشعب من أناقة الســـــــيدات الأوائل والوزيرات والنواب وكل جوقة التمثيل الرسمي؟!
الأمر ليس مزحة بل هو توجه حقيــــــــقي لاستبعاد الحجاب المحافظ عن مواقع السلطة؛ فالحــــــــجاب الحقيــــــــقي أبعد ما يكون عن مجرد خرقة فوق الرأس؛ بل هو فكر منتمٍ ونظافة يد وحساب ورقابة ومساءلة وعمل وتضحـــــــية من أجل الوطن والمـــــــــواطن، وهذه كلها طامة أخرى فوق طامة المظهر غير مرغوب بها في السياســـــــة عندنا!!
بناء على قصة صديقتي التي بعد أن طلب منها تغيير «ستايلها» طلب منها ايضا مصافحة الرجال، فإني أقترح على الحكومة إصدار كتيب ارشادات يحدد مقاييس الشكل والمظهر المقبولة «حكوميا» ومحلات التسوق والماركات حتى تكون عونا لكل من تريد خوض مجال العمل العام والسياسة!
قيل اذا انشغلت الشعوب في أشكالها وغرائزها فقد تركت عملها وبناء حضارتها.
هذه دعوة للنظر في النساء المسؤولات وكم يشبهننا شكلا ومضمونا ليكون لنا رأي عندما يأتي دورنا في الاختيار، وهي دعوة لكل من ارتضت الحجاب واللباس المحافظ ان تجمع بين عمق واحترام المظهر واقتدار وتفوق الكفاءة وحسن العمل والبذل في واقع الحياة، لنرسل رسالة عن النساء تقول: لا تنظر الى لون عينيها بل الى جنى يديها.
فعندما تكبر عباءة الوطن سنجد جميعا أثواب ستر وإسبال عز وانجاز تجملنا في عين الأعداء قبل الأصدقاء.
أيتها الحكومة أنت لست «جويل» ونساء الأردن لسن واقفات على بابك للتجميل!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى