خلف قضبان المعلم

خلف قضبان المعلم
شبلي العجارمة

کيف مرت قوافلهم وهم مکبلون بالحديد,بعد أن ألبسوا الشرطي والدرکي والسجان والقاضي عباءة العلم وهيبة اللقب والوظيفة ,يا قومِ أوليس منکم رجلُُ رشيد!.
حاولت الحياد ما استطعت في مثل هذا الوقت في مثل هذا الظرف في مثل هذا الموقف ,لکن أبت النفس التي هذب غراٸزها معلم ,وأبی القلم الذي أرضعته يد المعلم أحرف الهجاء والإملاء,أبت خزاٸن فکري التي أترعها معلم وحرس إبداعها معلم وغرس نبوغها وسقی ظمأها معلم ,أبت کل الفصاحات أن أنحاز للظلم للجور لمسخ صورة المعلم وتشويه قيمه وثوابته ,أبت کل وقاحاتي الأدبية أن ألتحف بالصمت وخبز المعلم يتعرض لمٶامرةٍ بغيضة .

“العلم يٶتی ولا يأتي”, هذا ما قاله الإمام مالك بن أنس لهارون الرشيد حين طلب منه تأديب أولاده ,وحسبنا بهارون الرشيد من سلطان کما قيل ;کان يغزوا عاماً,ويحج عاماً ويسترح عاماً,وحسبنا بالإمام مالك صاحب الموطأ,ما کان من هارون الرشيد إلا أن أثنی علی حکمة الإمام وقوله ولم يردها عليه تحت صولجان السلطان وجبروت العرش لامبراطوريةٍ هزت عروش الأرض ونشرت العدل والسلام .
نحن والتاريخ يدون معارتنا الکبری جٸنا بالعلم وأهله مکبلين بالحديد ومصفدين بالقيود ,نحن من أشبعنا الشعب بشعارات النهضة والإصلاح والتنمية المستدامة ,وها قد بدأنا أولی خطوات الإصلاح من الخلف الأخير ومن قعر التوقعات وبسواد الوجه ,أردنا الإصلاح بنهضته المقدونية من زنزانة المعلم وسجن العلم والقلم والکتاب ,أين تذهبون بنون والقلم وما يسطرون ,أين تدحرون بأواٸل النزول إقرأ باسم ربك الذي خلق ,بماذا تجيبون الله بهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ?,ما خطبکم بحديث النبي لطويس الذي ناف علی السبعين من سني العمر والرسول يقول له ‘أهلاً بطالب العلم يا طويس ,يا طويس والله ما مررت بمدرٍ ولا وبرٍ ولا حضر إلا استغفر لك ملك ‘?,هذا حال طالب العلم وتکريم نبي السماء للأرض له فما بال من علم طويس ?.
هو المعلم الذي سجن کل رغباته في قبو فقره وعوزه من أجل رسالته المقدسة,هو المعلم الذي يٸن الأٓن خلف جدران الجنرال الذي علمه ,هو المعلم الذي يستظل سقف بيته ذو العشرة مترات ونصف في کنف سور مستعمرة الوزير وصاحب السعادة والدولة ,هو المعلم کشف سوأة عورته علی جهاز السجن طالبه الذي علمه القيام والجلوس والسکوت ورفع الإصبع .
ياه لتبدل وجه الزمن وتغير الأدوار,حين يرفع المعلم إصبعه خلف قضبان السجن أو في طابور السجناء لسجانه وتلميذه ليستأذنه لقضاء حاجة أو أخذ جرعة الدواء أو الاتکاء علی حاٸط السجن !.
ليتني مت قبل هذا المقال الموجع لي وللقاریء والمحرر والناقد,ليتني بقيت أضعف الطلاب في الإملاء وأسخمهم في التعبير ,ليت المعلم لم يعلمني تفسير ما يحدث واجترار الظروف المحبطة ,ليتني لم أصل لهذا الحد من الخجل وهذا القدر من الجحود وأکتفي بالدفاع عن معلمي بربع قلم ونصف قصاصة إلکترون لحصد المزيد من الإعجاب والتعليق والثناء وعبارات الإطراء .
ما زال المعلم حراً رغم غياهب السجن وظلمات الجور ,لا زال صوت المعلم صدی يقرع کل البوابات العالية والأسوار المحصنة ,لا زال صولجان المعلم أقوی من کل القرارت والضغاٸن وحلقات تصفية الحسابات .
هل سيفتح لنا المعلم باب سجن الوطن الکبير,لأن المعلم الذي علم الحداد والسجان والحراس والموتی هو السجان ونحن السجناء!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى