ظل الحمار / د. محمد شواقفة

” ظل الحمار ”

لا أستطيع أن اتجنب استخدام هذا العنوان الساخر و هو لمسرحية كتبها الألمانى فريدرش دورينمات – اتمنى ان لا يقرأ هذا الدبوس و يتهمني بالسرقة – و هي تلقي الضوء على الذين يفتعلون الأزمات و يبحثون عن الاصطدام مع أصحاب الرأي و الفكر و عادة ما ينجحون في فرض مواضيع تكون مادة خصبة للاثارة و المزايدة و ربما تكون طريقا للفت الانتباه.
و تبدأ القصة دائما بفكرة تضخيم المشكلة التي قد لا تكون موجودة اساسا والقدرة و البراعة على دفع الامور التافهة بقصد او بدون الى قمة الأمور الحيوية بدافع الشر و حب الفتنة و ربما أحيانا بغباء لا تفسير له و كما يقال “يعمل من الحبة قبة”.
الحكاية تدور أحداثها حول طبيب استأجر حمارا ليذهب للقرية المجاورة ليعالج مريضا و رافقه صاحب الحمار في ذلك اليوم شديد الحرارة… طلب الطبيب ان يتوقفا لنيل قسط من الراحة و اراد ان يجلس قليلا في ظل الحمار ، لكن صاحب الحمار رفض ذلك و احتج كونه أجره الحمار ليركبه و لم يؤجره ظله. و ابتدأ نزاع و نقاش و استفحل و تطور و انقسم الناس في القريتين الى حزب الظل و حزب الحمار و حسب القصة تطور النزاع إلى حرب طاحنة خلفت خرابا كثيرا و دمارا . و انتهى المشهد بتساؤلات الحمار نفسه …. هل هو من يتحمل اللوم في النزاع أم ظله ؟!!!
كنت في أحد المشافي من ضمن الفريق الذي يزور المرضى و كان الطبيب يحاول الاطمئنان على أحد المرضى بعد عملية جراحية صعبة …. و طلب منه ان يحاول النهوض من السرير و محاولة المشي دون مساعدة ….و كان في الغرفة مريض ثان يراقب بهدوء و يستمع باهتمام …
و بالفعل نجح المريض بتنفيذ تعليمات الطبيب و لكن لم يكن من المريض الآخر إلا ان أبدى امتعاضه و استياءه … لانه شاهد ما لا يريد او يحب من خلال ثوب المريض الثاني المفتوح من الخلف تماما….. لم يكن من الطبيب يومها الا ان اقترب من المريض الذي ابدى احتجاجه و قال له: لا داع للقلق فقد أخبرتني الممرضة أنك مشيت بالأمس كامل رواق المشفى … و همس بأذنه و أنت بالمناسبة ترتدي نفس الثوب المفتوح من الخلف …. انتبه دائما لما تقول و تفعل …. أن تفكر فيما تقول أهم بكثير من أن تقول ما تفكر به ….
دعاني استاذي بالدكتوراه لعشاء مع الطلبة و كنت حديث العهد به و هو بالمناسبة هندوسي …. و كان المطعم يحتوي اشكالا متنوعة من الاطعمة و الاطباق …. و لكنني اخترت طبقا من شرائح اللحم البقري ” الستيك”… و كنت أجلس مقابله تماما …. لم أفهم حينها سبب امتعاضه و عدم ارتياحه رغم أنه كان يحاول أن يكون لطيفا و مضيافا ….. و أدركت بعد حين أنني كنت ألتهم أمام عينيه ما هو بالنسبة له مقدسا و محرما …. و على حسابه …
لم يدعني مرة أخرى طيلة خمس سنوات لا زلت أعتبر أنني كنت ضحية جهلي و سوء تصرفي رغم انه لم يكن مقصودا أبدا….
الجهل مصيبة و الجهالة مصيبة مركبة … و لك عين و للناس عيون… و سواء قصدت أم لم تقصد .. انت مسؤول عن كل ما تقول و تكتب …. فالكلمة كطلقة القناص قد تصيب أو تخيب و لكنها إن خرجت لا تعود….

” دبوس عالجهالة”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى