وصفي التل يشخّص أمراض المسؤولين في المجتمع

وصفي التل يشخّص أمراض المسؤولين في المجتمع
موسى العدوان

” إن الوضوح في التفكير، كالوضوح في العمل، أساس في قناعتي للحكم . . وإذا كنت شخصيا قد عانيت بعض الشيء، في كل المراحل التي تشرّفت فيها بحمل المسؤولية، فإنني قانع بأن سبب تلك المعاناة، هو إصراري على التمسك بالوضوح في كل شيء . . الوضوح في تفكيري وأفكاري . . الوضوح في عملي وخطواتي “.

“وصفي التل ”

يصادف يوم الخميس القادم، ذكرى استشهاد وصفي التل رئيس وزراء الأردن الأسبق، والذي وقع بتاريخ 28 / 11 / 1971 تاركا كرسيه فارغا حتى الآن . وبهذه المناسبة وإكراما لروحه الطاهرة، أجد أن واجبي الوطني يدفعني للتذكير ببعض أفكاره، فيما يتعلق بمواصفات المسؤولين آنذاك.

مقالات ذات صلة

يقول وصفي رحمه الله، لابد من تحديد أمراض ومشاكل المجتمع قبل محاولة بنائه، حتى إذا ما عُرف المرض أمكن معالجة الداء. وقد حدد دولته أمراض المجتمع بأنها ناتجة عن صفات المسؤولين، حيث أوردها بكلمات بسيطة ولكنها بليغة، تستحق الدراسة واستنباط العبر والدروس وهي : الاعتذارية، القططية، النعامية، والتمنّن. وفيما يلي توضيح مختصر لمقاصدها.

1. الاعتذارية : وتعني الاعتذار والتبجح بأسباب واهية، تهربا من تحمل المسؤولية عند حدوث الأخطأء، وإرجاعها للغير أو لأسباب خارجية. وفي هذا تغطية لأسباب الأخطاء الحقيقية، فنغش أنفسنا لنعيد ارتكاب نفس الأخطاء في مرّات لاحقة. وعلى سبيل المثال جرى إلقاء اللوم على الإنجليز بهزيمتنا في حرب فلسطين، رغم أننا كنا المسؤولين عن تلك الهزيمة نتيجة للتفاهة والميوعة والضعف، حيث كنا أداة طيّعة في يد كل من أراد بنا الشر والهزيمة، وعلّقنا مصيرنا ومصير بلادنا للمفاجاءات والصدف.

2. القططية : وهذا داء أشد من داء الاعتذارية، لأنه مشتق من النسيان الذي هو أهم صفات القط. فالقط يُضرب ويُعذب ويُهان، لكن إذا ما لاطفته ومسّدت على ظهره بعد ذلك ، سرعان ما ينسى إهانته والإساءة إليه. ورغم أن التسامح والنسيان صفات محببة في الإنسان، إلاّ أنها رذيلة وطنية عندما يتم التسامح مع من خذلنا وخاننا وتخلى عنا. وعليه يجب أن لا نغفر لمن أساء لشعبنل ووطننا، وأن نرد له الصاع صاعين مهما طال الزمن.

3. النعامية : وتتلخص بعدم حل المشاكل التي تواجه المسؤول، وفقدان عنصر الحسم في معالجة القضايا التي تعترض سبيل العمل. إن أسلوب النعامة في تغطية رأسها والهرب والمراوغة وعدم مواجهة الحقائق ومعالجتها بصراحة وحزم، انتظارا لفرج من عند الله قد لا يأتي، قد يؤدي لاستفحال الخطر وتطوره في وقت لاحق لا نملك دفعا له.

4. التمنّن : من أخطر أمراض المجتمع هو التمنّن الذي يمارسه بعض المسؤولين، وهم الذين يتفاخرون بالقيام بالواجب ويحملّون مواطنيهم جميل اشتغالهم بالأعمال العامة، فيطلبون منهم تقديم آيات التبجيل والتكريم لما يقدموه.

لقد لخص وصفي التل – طيب الله ثراه – أمراض المسؤولين، قبل أكثر من نصف قرن ليس لمجتمعنا فحسب، بل لأمراض المسؤولين في مختلف المجتمعات العربية، والتي ما زالت تتكرر في البلدان التي ابتلاها الله بمسؤولين هبطوا عليها بمظلات سوداء، فعملوا بما اؤتمنوا عليه تفتيتا وتدميرا على مرأى الجميع دون مخافة من الله.

أكرر الترحم على إبن الوطن البارّ الشهيد وصفي التل، وأسكنه فسيح جناته رغم أنف الحاقدين، وأختم ببعض أبيات من قصيدة الشاعر حيدر محمود :

قد عاد من موته وصفي ليسألني * *
هل ما يزال على عهدي به وطني ؟
ولم يقل إذ رأى دمعي يغالبني * *
ألا كفى . . وأعيدوني إلى كفني !
فباطن الأرض للأحرار أكرم من * *
كل الذي فوق الأرض من عفنِ !

التاريخ : 24 / 11 / 2019

المرجع :
كتاب وصفي التل بين الماضي والحاضر / ممدوح حوامده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى