الطفل وحضانته بين الشريعة والتشريع / شروق طومار

الطفل وحضانته بين الشريعة والتشريع
شروق طومار

على الرغم من كثرة الدعوات في السنوات الأخيرة لتعزيز مصلحة الطفل الفضلى في قانون الأحوال الشخصية، إلا أن تعديلات مجلسي النواب والأعيان على القانون في المناقشات الأخيرة والتي أجرت بعض التحسينات على مواده، لم تطل العديد من المواد ذات المساس المباشر بمصلحة الطفل.
التشبث بما جرت عليه العادة والتوجس من الخوض في عدد من مواد هذا القانون ومقاومة التغيير فيها يتم عادة بالتذرع بضرورة الالتزام بنصوص الشريعة الاسلامية التي يفترض أن يستند إليها القانون بمقتضى الدستور، لكن استسهال اللجوء لهذه الحجة لا يؤدي فقط إلى ظلم بعض الأطراف، وإنما ينطوي أيضاً على ظلم للشريعة ذاتها التي تولي مصلحة الأبناء أولوية أولى، وتحقيق العدالة مبدءً أساسياً في نصوصها وأحكامها.
واحدة من أبرز المواد التي لم تكن محلا للنقاشات الأخيرة هي المادة 171-ب من القانون المؤقت الحالي والتي تقضي بسقوط حق الأم في حضانة أبنائها في حال زواجها بغير محرم من الصغير، وهي بذلك تحرم الطفل من حقه في رعاية أمه عند زواجها مهما كان عمره وبغض النظر عن مدى احتياجه لها، وإلا فإنها ستحرم الأم من حقها في الزواج، وكلا الحالتين لا يتماشيان مع الطبيعة العامة للشريعة الاسلامية التي تكفل تلبية الاحتياجات الطبيعية للأفراد بشكل منظم وعادل ودون تعد على حقوق إي الأطراف.
السند الشرعي الذي يجري الرجوع إليه فيما يتعلق بهذه المادة هو حديث شريف حيث يقول الرسول الكريم لإمرأة طُلقت وأراد زوجها انتزاع ابنها منها ” أنت أحق به ما لم تنكحي”، لكن ومع التأكيد على أن الحديث هو أحد مصادر التشريع، إلا أن في القرآن الكريم أكثر من دليل على أن الأصل في الأمر هو تحليل بقاء الطفل في حضانة أمه بعد زواجها.
من تلك الأدلة على سبيل المثال ما ورد في الآية (23) من سورة النساء من قوله تعالى “وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بهن”، فهذه الآية تدل اولاً على أن ابنة الزوجة تتربى في حجر زوج أمها، كما أنها تحرم عليه، وبالتالي فإن الشرط الوارد في المادة المذكورة أعلاه لاسقاط حق الأم في الحضانة لن يعد متحققاً بمجرد الزواج من الأم.
من ناحية أخرى، فإن المحكمة تجيز بقاء الصغير في حضانة أمه في حال موافقة الأب على ذلك، بغض النظر عن كون زوج الأم محرم من الصغير أم لا، فهل تعطي موافقة الأب رخصة لمخالفة ما نصت عليه الشريعة إلا إذا كانت الشريعة بالأصل تبيح ذلك بينما تمنعه التشريعات؟
كما أنه في حال موافقة الأب على بقاء المحضون مع أمه بعد زواجها لا يشترط تنازل من تلي الأم في حق الحضانة بموجب القانون وهي الجدة لأم ثم لأب، وبذلك يُعطى الأب الصلاحية في سلب الجدة حقها في حضانة الطفل.
والسؤال الأهم الذي يجب الإجابة عليه هو: ما هي الحكمة من اسقاط حق الأم في حضانة طفلها عند زواجها؟ وكيف يمكن أن تتحقق مصلحة الصغير في حرمانه من حقه في رعاية أمه له؟ وإذا كانت العلة هي في الخوف من تقصير الزوجة في رعاية زوجها في حال حضانتها لأطفالها من غيره، فهل تسقط هذه العلة إذا كان الزوج من أقارب الصغير ولن يعود بذلك له ذات الاحتياجات ونفس الحقوق على زوجته؟
الأسئلة كثيرة ولا تنحصر فيما ذكر، وبالنظر بموضوعيه لهذه الأسئلة والمعطيات، يتضح بأننا بحاجة إلى إعادة النظر في فهمنها للنصوص الشرعية وما ترمي إليه من أهداف عند الاستناد إليها في التشريع خاصة فيما يتعلق بشأن غاية في الأهمية والحساسية كهذا الشأن، وضرورة ترجيح مصلحة الأبناء على حرصنا الزائد على عدم العبث بمنظومة الأعراف والخوف من مواجهة صعوبات التغيير، وإلا فإننا سنظل على مسافة بعيدة من تحقيق العدالة وصيانة الحقوق التي تكفلها الشريعة والأصل أن تحميها القوانين.
*في التعليق الأول صورة المقال في النسخة الورقية من جريدة الغد

Image may contain: Shorouq Toumar, sitting

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى