محطات في تاريخ حقوق الانسان / د.نهلا عبدالقادر المومني

محطات في تاريخ حقوق الانسان
د.نهلا عبدالقادر المومني

خلال القرن الثامن عشر واجه الحق في تكوين الجمعيات معارضة شديدة من قبل كتاب ذلك العصر من المفكرين؛ حيث اعتبر هذا الحق مهددا لكيان الدولة، لا بل اعتبر من قبلهم منافسا لها في طبيعة أنشطتها ومهامها. ناهيك عن أن هذه الجمعيات لا تمثل في نظر هؤلاء الكتاب مصالح فردية وانما مصالح اجتماعية وهي بذلك عدت في نظرهم اعتداء على الحرية الفردية ذاتها.
لا بل أن المفكر الفرنسي روسو اعتبر الحق في تكوين الجمعيات يتعارض وبشكل صارخ مع مبدأ السيادة الشعبية؛ لأنه يؤدي إلى إفساد التعبير عن الإرادة العامة للأمة.
وجدت هذه المعارضة تأييدا واسعا وآذانا صاغية، فجاء إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي عام ١٧٨٩ تاركا خلفه الحق في تكوين الجمعيات؛ فالإعلان جاء خاليا من النص عليه، بالرغم من أن هذا الاعلان يعد المصدر الأساسي الذي أدى لتوقد شعلة حقوق الإنسان على مستوى العالم بأسره.
لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل توج هذا الرفض المطلق للحق في تكوين الجمعيات بصدور قانون عام ١٧٩١م يجرم صراحة تكوين الجمعيات. ليصار لاحقا إلى الاعتراف به في دستور السنة الثالثة للجمهورية الفرنسية ولكن مع إيراد تحفظات كثيرة عليه، تبع ذلك دستور عام ١٨٤٨م والذي نص بصورة واضحة وصريحة على هذا الحق.

ما دفعني إلى الوقوف مطولا أمام هذه المحطات التاريخية هو الإصرار في حالات كثيرة على البقاء بثبات من قبل البعض في حالة رفض لبعض الحقوق والحريات او محاولة اجتزائها، وفي احيان أخرى الانتقاص منها بتشريع أو سياسة عامة او ممارسة أو منح الغطاء الشرعي لحالة الحق المنقوص لحماية مصالح عليا، في الوقت الذي عبر فيه تاريخ حقوق الإنسان وعبر نضالات وتضحيات كثيرة هذا الثبات بمراحل عدة وأمست حقوق الإنسان وحرياته مسلمات لا تقبل النقاش.
في الحالة الاردنية، قد يكون التعاطي مع حرية التعبير بمكوناتها جميعا وفي مقدمتها حرية الصحافة والاعلام والحق في الحصول على المعلومات نموذجا لفكرة تجاوز مسلمات أضحى متفق عليها والوقوف بثبات أمام حالة تذبذب في التعامل مع هذا الحق بصورة تعكس غياب الفهم الواضح للفلسفة التي يقوم عليها ومحوريته في بناء دولة القانون والحق التي تقوم على التعددية والشفافية والانفتاح والمحاسبة.
هذا التذبذب وحالة عدم الثبات تعكسها تشريعات متلاحقة اخلت بجوهر الحق في حرية التعبير ومست اساسياته خلافا لأحكام المادة ١٢٨ من الدستور الاردني التي أكدت على عدم جواز المساس بجوهر الحقوق عند تنظيمها بموجب قوانين. لا بل أن القيود التي فرضت على هذه الحرية في كثير من الحالات أصبحت هي القاعدة العامة. وأدت كثرة التشريعات المتعلقة بحرية التعبير وتزاحمها وما خلقته من ازدواجية وتكرار تشريعي خاصة تلك التشريعات المتعلقة بحرية الصحافة والاعلام إلى الاستمرار في إبقاء الباب مفتوحا أمام توقيف الصحفيين أو الإعلاميين في حالات عديدة بسبب ممارستهم لمهنتهم وهو ما أدى إلى اتساع نطاق الرقابة الذاتية لدى العديد منهم.
أن ذلك كله يستدعي منا مراجعة شاملة للتعاطي مع حالة حقوق الإنسان التي ما زالت العديد من مكوناتها محل نقاش وجدل انعكست بالنتيجة على المنظومة التشريعية الوطنية . نحتاج في هذا الإطار إلى الوقوف على أرضية مشتركة تعلي من قيم حقوق الإنسان وتؤمن أن لا وجود لدولة القانون دون وجود حقوق كاملة غير مجتزأة يتمتع بها الأفراد.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى