ما الذي يجري في الأردن: اتفاقية دبي تكفلت بـ«التلغيم»؟

سواليف

 تتدحرج على نطاق قد لا يكون متوقعاً، بصرف النظر عن التفاصيل، حالة #التصعيد والتأزيم الشعبية والشعبوية الأردنية ولعدة أسباب تحت عنوان التنديد مسبقاً باتفاقية الماء والكهرباء مع إسرائيل، رغم أن ما حصل له علاقة فقط بإعلان خطاب نوايا قبل توقيع هذه الاتفاقية بعد نحو عامين.
وهو ما أعلنته عضو البرلمان السابقة رولا الحروب، من قلب #مسيرة_حاشدة وسط العاصمة عمان يوم الجمعة الماضي، لكن دون فائدة. ويبدو أن المناخ الشعبي الأردني كان يحتفظ بحجم كبير من الاحتقان، وأن تلك الاتفاقية التي أعلنت بظروف غامضة وبأداء متعثر وبخطاب تنقصه الشفافية وفي وقت متأخر، وبعد إعلانات الصحافة الإسرائيلية عنها، لامست العصب الحيوي لحالة الاحتقان التي بدأت تنذر بالاقتراب من « #انفجار_اجتماعي » عملياً سبق أن حذر منه نخبة من كبار السياسيين، خصوصاً أن #الظروف_الاقتصادية صعبة جداً والمعيشية معقدة، عشية عودة الموجة الثالثة والقاسية من فيروس كورونا.

رفض #التطبيع

تتدحرج #أزمة #الماء و #الكهرباء أو #اتفاقية_دبي، كما سميت بسبب مظلتها الإماراتية، بصورة غامضة وغريبة وسط وفي عمق الشارع الأردني، ووسط امتداد غير مسبوق في حالة الاحتجاج، بالرغم من السماح بمسيرة الجمعة ثم إطلاق سراح نخبة من الطلاب الجامعيين الموقوفين صباح السبت.
هذا المستوى من تدحرج الأزمة وسط الشارع وبين المواطنين، قد لا يكون له ما يبرره، لكنه يمتد إلى أوصال ومحطات سريعة؛ فقد عادت أولاً مظاهر تسجيلات الفيديو المعارضة التي تعلن، ضمنياً، حالة من الانتقاد الشرس للدولة وأجهزه القرار والحكومة، وعزل الذات عن السياق العام من قبل نخبة اجتماعية وعشائرية كانت دوماً في صف الخطاب الرسمي.

صحافة إسرائيل «تتحرش» والشارع يقترب من «الخط الأحمر»

وهو ما ظهر على أكثر من صعيد في فيديوهات عدة سجلت داخل الأردن، وأعلنت ضمنياً رفضها للتطبيع والتضامن مع الشارع الأردني، وشمل ذلك وجهاء عشائر شمال الأردن وآخرين جنوب الأردن.
لاحقاً لذلك، وفي مستويات تواصل الأزمة دون إيجاد حلول، يبدو أن في الأفق بعض الحراك البرلماني أيضاً فيما عاد – ضمن معطيات الاشتباك الجديدة، مغلفاً بالإحباط السياسي التام- الحراك الحزبي، وعلى رأسه التيار الإسلامي الأردني، الذي غاب عن لعبة الشارع ولم يلجأ لها طوال الأعوام الأربعة الماضية، لكنه أعلن بوضوح وبعدة لغات ولهجات أنه بصدد العودة للشارع احتجاجاً على التطبيع مع دولة الاحتلال والعدو الإسرائيلي، ودون ظهور أي محاولات لاحتواء الحزب أو الحراك الشعبي على مستوى الحكومة ومجلس الوزراء حتى بعد ظهر يوم الأحد على الأقل.
ظهرت في الأثناء، وبكثافة، عاصفة إلكترونية على شكل بيانات تنديدية أو مقالات تثقب كل الأسقف الحمراء المعروفة، أو على شكل كتابات وعبارات على الحائط أو على شكل منشورات لا أصل لها بمعية سلسلة طويلة من الفبركات والحديث عن قضايا قد لا تكون موجودة في الأصل، حيث تحفل الشبكة الإلكترونية الأردنية الداخلية اليوم، ضمن معطيات التدحرج المشار إليه، بجملة عصبية وشعبوية نادرة وجدت مع بعضها البعض. ويبدو أنها تغذت على الإحباط الناتج عن إعلان خطاب النوايا الإماراتي، ثم غياب الرواية الحكومية، وأيضاً عن الإحباط الناتج عن صدمة التعديلات الدستورية.
عادت الأحزاب للتعبير عن موقفها اضطرارياً، وبدأت حملات التشكيك في كل شيء وبدون إنذارات سابقة أو مبكرة، فيما بدأ الإعلام الإسرائيلي بعزفه على الأوتار الحساسة للوضع الداخلي في الأردن على أكثر من صعيد ودون أن ينتبه المواطنون الأردنيون لمظاهر الخبث والدهاء في هذا السياق.
في الوقت نفسه، بدأ يظهر وزراء سابقون في جملة معترضة تتجاوز في بعض الحيثيات الخطوط الحمراء. وقد نُقل ضمن هذه الجزئية مقال يفترض أنه للوزير السابق أمجد المجالي، وتقدير لزميله طاهر العدوان. كما أعلنت حراكات عن نفسها على أساس أنها تمثل شباب أو أحرار قبيلة بني حسن شرقي البلاد، وحراكات أخرى تبحث عن توحيد مظلة الحراكات وإطار جماعي لتوحيد الحراكات في المحافظات في كل من الطفيلة ومدينة الكرك جنوبي البلاد.
حالة الاحتقان والتأزيم والتلغيم التي سببتها اتفاقية دبي كبيرة وملحوظة ولا يمكن إنكارها، والشارع الأردني بدأ يقترب من حالة غليان فعلية.
وفي المساحة نفسها أيضاً، ثمة ترتيبات لانطلاق مسيرة حاشدة في مدينة الزرقاء الجمعة المقبلة، وأخرى في مدينة السلط في محافظة البلقاء، مما يعني أن موجة الحراكات والوقفات الاحتجاجية بعنوان سياسي وفي ظل إحباط اقتصادي ومعيشي هذه المرة بدأت تطرق أبواب الحكومة والسلطة.
وهو خيار يعني بأن الحل الوحيد الذي قد يتبقى أو يبرز قريباً أمام المستوى السياسي في إدارة الدولة هو التخلص من الحكومة الحالية والعمل على محاولة فتح صفحة جديدة. لكن الأهم هو ما يجري في الجامعات وانضمام قطاعات من الشباب إلى حراكات طلابية بشعارات سياسية هذه المرة، في الوقت الذي تأثرت فيه سلبياً وثيقة المنظومة السياسية، التي كانت قد ارتفعت أسقف الآمال بسببها حتى قبل أسابيع. وواضح تماماً أن كبار المسؤولين، سواء في الحكومة أو حتى في الديوان الملكي، يغيبون عن معطيات الاشتباك.
وواضح أيضاً أن الإعلام الرسمي الذي يتبع الأجهزة الاستشارية العليا أو يتبع حتى الحكومة، وقع في مطب الإحباط هو الآخر، و في حالة امتناع عن تقديم روايات حقيقية وسرديات صلبة يمكن أن تخفف من حالة الاحتقان أو تصنع رأياً مختلفاً بدلاً من الاتجاه الشعبي الذي يعتمد أحياناً على معلومات متسرعة في تقييم المواقف الرسمية.
في كل حال، المستجد الأكثر حساسية قد يتمثل ببدء بعض كبار رجال الدولة في التعبير عن نمط من الإحباط جراء حالة الاستعصاء، وهو ما أعلنه في وقت سابق بعض قادة الأحزاب السياسية عبر «القدس العربي» وعلى رأسهم الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، وهنا تحديداً برزت تلك التغريدة المثيرة للجدل التي خطفت أضواء النخبة والصالونات مساء السبت على مدار يومين لرئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ورئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي.

الإعلام الإسرائيلي

وهي تغريدة يقول فيها بأن في فمه ماء، وبأن القرار شَجاعة، لكن التلغيزات والتلميحات في تلك التغريدة توحي بالكثير، وأهم ما توحي به هو أن النخبة السياسية الحاكمة أو القريبة من القرار يبدو أنها في حالة تجاذب.
وعليه، يمكن القول باختصار شديد بأن المشهد السياسي المحلي الأردني أصبح مفتوحاً على نسخة محتملة من الحراك الشعبي المماثل لما حصل في مرحلة الربيع العربي على إيقاع ما سمي بالمبادرة الإماراتية، رغم أن الحكومة لم تشرح بعد، لا خطاب النوايا ولا خلفيات التوقيع عليه، ولا المكاسب المفترضة والمتمثلة باستدراج مجاني لكمية مياه قد تصل 200 مليون متر مكعب، وبصورة غير مسبوقة. فما شعر به الرأي العام الأردني هو أنه يريد أن يخرج إلى العلن في مستويات انفعال متقدمة ضد إسرائيل والتطبيع.
وقد نسي صناع القرار وصناع الإعلام، سواء في الديوان الملكي أو في رئاسة الوزراء، بأن الشارع الأردني ومستوياته الاجتماعية وحتى العشائرية تقدمت بشكل كبير في التعبير عن اتجاهات معاكسة ضد السلام وإسرائيل والتطبيع في الحرب الأخيرة والعدوان على قطاع غزة.
كما نسي الجميع بأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي أصلاً في حالة احتقان، وأن تمرير أي اتفاقيات لها علاقة ضمنية بما يسمى صفقة القرن يحتاج إلى جهد في هذه المرحلة الخاصة، خصوصاً أن غرف وخلايا إدارة الإعلام الأردني تقف عند حدود رصد ما يصدر عن الإعلام الإسرائيلي دون الرد عليه في الواقع العملي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى