ارحموا أسر المدخنين / منى الغبين

ارحموا أسر المدخنين

رفقا بالمدخنين فقد بلغ السيل الزبى
الموازنة العتيدة منذ ربع قرن وهي تطلّ علينا كلّ عام في وقت يسمّونه البدو وقت ” كلحة الناظر ” _وأعني به أواخر الخريف وبداية الشتاء حيث لا زرع ولا ضرع ولا بيع خروف ولا وجه معروف _فتبشّرنا بأنّها معتلة , وتعاني من العجز , ويخطب فينا وزير المالية بأرقام ونسب لا نفهمها , وتبيّن بحسب العالمين بلغة الأرقام أنّ أغلبها تضليل وتحريف وتزييف وأثناء خطابه نشاهد دولة رئيس الوزراء يراقب كصقر على وشك الانقضاض على فريسته وهو يرمقنا بنظرات حادّة نشعر بحرارتها الحارقة المركزة على جيوبنا فتخترق قلوبنا الواجفة الراجفة وتصل إلى أدمغتنا فتغلي من الحرّ والقهر وخيبة الأمل …… فينطلق المنظّرون والناصحون لإرشاد الحكومة الرشيدة إلى السلع التي تستطيع رفعها لرفد الموازنة العاجزة , ولا تخلو نصيحة أو وصفة من ضرورة رفع أسعار السجائر والدخان , فيلزم المدخنون الصمت وهم يحوقلون سرّا , ويبدأون بتعديل بنود موازنة الأسرة لمواجهة هذه الكارثة بصمت , فيتمّ الاقتطاع من موازنة الطعام والشراب واللباس وسائر مستلزمات الحياة ما يغطي آثار هذه الكارثة , والأسرة توافق على هذا الاقتطاع ضمنا وبدون تشاور لأنّها تدرك أنّ أيّ إخلال يؤدي إلى نقص في هذه السلعة سيؤدي إلى عواقب وخيمة تتحوّل معها حياة الأسرة إلى حياة جهنمية.
المدخنون المساكين لا يستطيعون الاحتجاج لأنّ الدخان آفة صحيّة , والغالبية العظمى من المشايخ يحرمونه , ويعتبرونه من أخبث الخبائث , ولكن يتجاهل هؤلاء الذين يشهرون سلاح الضرر الصحّي , والتحريم الديني بوجه المدخنين أنّ التدخين قد انتشر في جميع أوساط المجتمع صغارا وكبارا , فبحسب العرب اليوم في 3/5/2011م قال مدير مكتب مكافحة السرطان في مركز الحسين للسرطان د.فراس الهواري أن نسبة المدخنين في الأردن تبلغ 28% بين البالغين وترتفع إلى 48% بين البالغين من الذكور مشيرا إلى أن 35% من المراهقين في سن 13-15 سنة هم من المدخنين)) , والذي لا أحد يريد الوقوف عنده أو الإشارة إليه هو أنّ انتشار هذه العادة قد تمّ بتشجيع رسميّ حيث يقال أنّه كان في عقود ما قبل الثمانينات أنّ بعض المؤسسات الرسمية توزّع على العاملين فيها كلّ شهر ” كروز دخان ” مجانا , وبعضها توفّر الدخان لعامليها بأسعار منخفضة , علاوة على انتشارها بين علية القوم وسائر الذين يمثّلون موضع القدوة للشباب وغيرهم , مع غضّ النظر عن انتشار هذه العادة , وعدم محاربتها بجديّة تتناسب مع خطرها وأضرارها مما يدلّ على تواطؤ رسمي ربما لأسباب مادية لتشجيع تلك العادة التي تؤدي إلى الإدمان .
ومقاومة الإدمان على التدخين ليست بتلك الصورة الساذجة التي يظنّها الذين لم يبتلوا بهذه الآفة , وذلك أنّ مادة النيكوتين الموجودة في التبغ هي المسؤولة عن إدمان التدخين ,حيث يعتاد عليها الجسم , ويصبح هذا الإدمان عضويا ونفسياَ إذ إن التزود بالنيكوتين في شكل مستمر , يصبح أمراَ ملزماَ لصاحبه من أجل الحفاظ على توازن معين وإذا لم يوفق الشخص المدمن في الحصول عليه , فإنه يصاب بالأعراض التالية: سهوله الاستثارة والعصبية , القلق الأرق , الشعور بالإحباط , عدم الشعور بالراحة , التوتر العصبي عدم الاستقرار, الصداع انخفاض ضغط الدم , الإمساك , التعب , العجز عن التركيز……… ويضاف إلى كلّ ما ذكر أنّ ترك التدخين للذين اعتادوا عليه عشرات السنين يؤدي إلى أمراض مما يضطر الأطباء أحيانا لنصيحتهم بالعودة للتدخين .
إذن عملية الاستقواء على هذه الشريحة المبتلاة بهذه الآفة , وإشهار سيف التحريم الشرعي , والضرر الصحي عليها لئلا تحتجّ هو نوع من أسوأ أنواع الإرهاب , وأسلوب من أساليب النصب والاحتيال , فمن الناحية الشرعية فإنّ العلماء لم يجمعوا على تحريمه , ومن الناحية الثانية فإنّ المدخن لا يستطيع ترك الدخان مهما شعر بضرره للأسباب التي ذكرتها أعلاه .
إنّ المدخنين يقابلون تلك النصائح القائمة على ذلك الإرهاب بصمت حانق ولكنّهم يقابلون كلّ زيادة بأسعار الدخان باقتطاع من قوت أطفالهم لتغطية تلك الزيادة , فالتحصيل بالنهاية يكون من لقمة الأطفال لا من مخصصات التدخين , وهذا أمر لا يجهله الناصحون المتفيهقون , ولا تجهله الحكومة , ولكنّهم يمارسون هذا النصب والابتزاز باسم النصيحة .
لن أدخل في خطط ومقترحات لمكافحة آفة التدخين لتنظيف المجتمع منها بالتدريج ؛ لأنّ التجارة بالدخان تجارة عالمية لا يرغب أحد من الكبار بالقضاء عليها , وكلّ ما يقال بهذا الخصوص من تحذير من الدخان وضرره هو نوع من الدجل, والنصب, والاحتيال لإعفاء شركات التبغ من التعويض عمّا يسببه التدخين من أضرار , فشركات التبغ تشجّع تلك الحملات على التدخين لتقول لمن أراد أن يقاضيها : إنّك تعاطيت الضرر بإرادتك وبعلمك بضرره فهلكت على بيّنة , ولا يحقّ لك التعويض لأننا لم نخدعك ولم نغشّك .
كلّ ما أريده قوله : أنّ المطالبة المتكررة في كلّ عام وعند كلّ أزمة اقتصادية ( وحياتنا كلّها أزمات متواصلة ) _ برفع سعر الدخان هو احتيال وابتزاز لهذه الشريحة التي تغطّي هذا الابتزاز على حساب قوت أطفالها , فاتقوا الله بأطفال وأسر المدخنين لئلا تجدون أنفسكم يوما أمام دخان خانق , فالنسبة المشار إليها أعلاه يتقى غضبها العادي فكيف إن كان غضبا مكبوتا عشرات السنين يشعربناره المدخن كلما أشعل سيجارة وتذكّر أنّه اقتطعها من قوت أطفاله للإنفاق على فئة مترفة سيجارة أحدهم في اليوم الواحد تعادل راتبه الشهري .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى