مأساة التحرير العلمي / د. أيّوب أبو ديّة

مأساة التحرير العلمي

أقصد بالعنوان حول “التحرير العلمي” ضرورة إيلاء الدقة العلمية في نشر الخبر وبخاصة عندما تنشر تقارير متخصصة في مجال الطاقة أو الاقتصاد مثلاً فكما أن هناك ضرورة للتدقيق اللغوي والفني وما إلى ذلك هناك حاجة ماسة للتأكد أن الأرقام المتداولة في مجال الطاقة مثلاً، دقيقة إلى حد ما. فقد نشرت الرأي ملفاً عن الطاقة بعنوان “الطاقة المتجددة: عنق زجاجة أم بوابة للاعتماد على الذات؟” يوم الأحد الموافق 23 تموز 2017 بقلم حيدر القماز مستشار إعلامي منتدب لوزارة الطاقة والثروة المعدنية منذ زمن وفيها بعض الاخطاء غير المقبولة.

في المقدمة يتسا َءل القماز: ” وما هو المطلوب لتسهيل التحول إلى الطاقة البديلةوتخفيض فاتورة الطاقة التي تجاوزت أربعة مليارات دينار سنوياً؟” ومن المستغرب أن هذا الرقم لم تصل إليها أبداً فاتورة الطاقة بعد عام 2012 حيث بلغت أقل من 2 مليار عام 2016 ومن المتوقع أن تنخفض أكثر هذا العام، أي أن المبالغة كانت أكثر من ضعف وهذا أمر غير مقبول من إعلامي متخصص بمسألة الطاقة، إذ ينبغي الإدراك أن فاتورة الطاقة لم تتجاوز مساهمتها في مجمل الإنتاج القومي في عام 2016 ما قيمته 7%، بعد ان وصلت ٢١% عام 2012، وهذا يدل على أن الأردن يسير في الاتجاه الصحيح وأن هناك مشاكل أخرى ينبغي أن تعطى صفة الأولية في القطاعات الأخرى.

كذلك يتكرر النحيب حول خسائر شركة الكهرباء الوطنية “نيبكو” المملوكة للدولة علماً بأننا سمعنا كلاماً متكرراً ومقالات منشورة تؤكد على أن هذه الشركة قد أطفأت خسائرها منذ زمن، بل ويتضح من التقرير السنوي للشركة أن أرباح شركات التوزيع بات كبيراً جداً حيث أن معدل تكلفة شراء الطاقة 37 فلساً بينما معدل تكلفة بيع الكهرباء بالكيلواط. ساعة هو نحو 73 فلسا، أي أن هناك من يربح نصف المبلغ.

مقالات ذات صلة

ومن اللافت أيضاً أن مقرر لجنة الطاقة والثروة المعدنية في مجلس النواب يصرح، وربما يكون الكلام منسوباً له عن غير معرفة، إذ يصرح أن المملكة تستورد ما نسبته 96% من الطاقة أي ما يعادل 26% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يؤرقنا إذا كان المصدر صحيحاً، فإذا كانت لجنة الطاقة ليست عندها أي معرفة مقبولة بوضع الطاقة في الأردن فكيف لها أن تدير تشريع قوانين وتعليمات الطاقة؟

ومن الملاحظ في الملف المذكور عينه أن كمية الكهرباء المنتجة من الطاقة المتجددة قد تراكمت في عام 2016 لتبلغ 4.7% وهذا جيد . وفي أي حال من الأحوال كانت أسوأ السنوات عام 2012 عندما وصلت مساهمة فاتورة الطاقة بنسبة 21.1% وليس %26 ، وأنها انخفضت في عام 2015 إلى 9.5% ثم توالى انخفاضها لتصبح 7% تقريباً عام 2016.

ويتابع مقرر لجنة الطاقة في مجلس النواب قوله: “إن عام 2025 سوف يشهد ارتفاع الحمل الكهربائي الى 6 جيجاواط، أي 6000 ميغاواط، الأمر الذي يتطلب خطة كاملة للطاقة.”

هذا الكلام أيضاً يدل عن عدم إدراك للخطة المتكاملة للطاقة التي تضعها الدول كي تخفض من استهلاك الفرد للكهرباء بدلاً من أن تزيد من استهلاكه، فعلى سبيل المثال فإن استهلاك الفرد في السويد من الكهرباء قد انخفض في عام 2011 الى 14030 كيلواط. ساعة عنه في عام 2009 عندما وصل الى 14143 كيلواط. ساعة . كذلك الأمر في الدنمارك حيث انخفض من 6220 كيلواط. ساعة عام 2009 إلى 6122 كيلواط. ساعة عام 2011. وللأسف فقد ارتفعت في الأردن من 1692 كيلواط. ساعة عام 2015 إلى 1719 عام 2016. وكافة الدول المتقدمة التي تقوم بإجراءات تحسين كفاءة الطاقة وتقوم بإجراءات ترشيد استهلاك الطاقة تنخفض لديها كثافة الطاقة المستهلكة، وهي قضايا شرع بها الأردن منذ صدور قانون الطاقة المتجددة وترشيد استهلاك الطاقة رقم 13 لعام 2012 وبدأ يسير بخطوات إيجابية لتطبيقها.

وطالما أن التقرير يشير إلى تحقيق ربح تشغيلي زاد عن 200 مليون دينار نهاية عام 2016 فإن المراقب لذلك يستهجن رفع رسوم العبور للطاقة المتجددة بنسبة %400 علماً بأننا بدأنا في الأردن نفاخر بأننا قد حققنا خلال السنتين الماضيتين مشاركة كبيرة من الطاقة المتجددة من دون أن تكلف الدولة شيئاً كبيراً بل أصبحت دخلاً مهماً للدولة، فكما صرح رئيس هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن بأن الأنظمة التي باتت مربوطة على شبكة الكهرباء الأردنية لغاية نهاية شهر حزيران 2017 قد بلغت 113 ميغاواط، إضافة إلى 25 ميغاواط من أنظمة العبور المشغلة والمربوطة فيما هناك مشروعات تتجه نحو التنفيذ والربط بقدرة 150 ميغاواط؛ وهذا إنجاز عظيم نتمنى أن يستمر لأنها قدرة إنتاج وطنية ليست نظيفة فحسب بل قليلة التكاليف وسريعة الإنجاز وإستراتيجية، فلا يمكن أن يتحكم بها أحد سوى قرارنا الوطني، وأيضاً تخلق فرص عمل عظيمة، إذ فتحت الطاقة المتجددة فرص عمل لهذه الكمية المتواضعة من الطاقة الشمسية تقترب من 20 ألف فرصة عمل لغاية الآن؛ فمن غير الحكمة أن يتراجع الأردن عن هكذا مشاريع طالما أنها فتحت هذا القدر الكبير من فرص العمل بهذه النسبة المتواضعة من القدرة على الإنتاج بل المفروض دعمها دعما لا محدودا وإعطاؤها أهمية فائقة وتكريم العاملين فيها بما يليق بإنجازاتهم الوطنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى