لماذا الليبراليون الجدد في الأردن مخطئون؟ وما الحل الحقيقي؟

لماذا الليبراليون الجدد في الأردن مخطئون؟ وما الحل الحقيقي؟

جمال بني عيسى

في العادة عندما نسمع كلمات تقنية مثل #الليبرالية الجديدة – (Neoliberalism) يتبادر الى اذهاننا تصور أن معنى هذه الكلمة هو اجتماعي وله علاقة بتنظيم الأفراد وحرياتهم، ونظن انه منطق اجتماعي سياسي، وهذا تصور مغلوط، وكأشخاص يبحثون للفهم الصحيح للموقف، وجب علينا انصاف من لا نتفق معهم، وإلا سقطت كل فرضياتنا اللاحقة. ما يسمى بالليبرالية الجديدة هو منطق اقتصادي في صميمه، وهو في المثالية الفرضية، منطق يقوم حول قداسة الحرية الاقتصادية الفردية والابتكار وأثرهما على التطور البشري.
العقيدة الأساسية لليبرالية الجديدة تقوم على مبدأ ما يسمى بالسوق الرأسمالي الحر، أي بمعنى السوق الغير منظم بشكل مركزي من الحكومات، و تنطلق هذه العقيدة من فرضية أن التنافس في الابتكار و الرغبة في التطور الفردي هو الدافع الحقيقي الوحيد لنهضة الاقتصاد و البشرية، و ان هذا الابتكار إذا كان مرغوبا به من قبل المستهلكين في عامة البشرية، سوف ينجح، و يؤدي إلى الأرباح لمبتكريه، و تلك الأرباح ستؤدي الى حلقة من تطور هذه الشركات والتي ستقوم برفد الاقتصاد الوطني بالسيولة و الوظائف و رفع الناتج الإجمالي الوطني، و بالتالي فإن ما هو مفيد للشركات الرابحة، هو مفيد للوطن لأنه يحرك الاقتصاد و يرفع المواطنين من الفقر.
بالتالي فإن من يؤمنون بعقيدة النيوليبرالية (الليبرالية الجديدة) يرون في ايديولوجيتها سبيلا لإنقاذ الشعوب والاقتصاد، وانصافا للأفراد المبتكرين وحقهم في الربح مهما وصل هذا الرقم لأنهم بطبيعة الحال من يساهمون في الاقتصاد الوطني وتحسين ظروف المواطن. بالتالي فإن مخاطبة النيوليبراليين بمنطق أنهم شياطين اشرار، هو كلام عاطفي لا مجال له في هذا الحديث فهم أصحاب نظرية اقتصادية علمية، قد تصيب أو تخطئ.
ويرون هؤلاء الاقتصاديون بأن تطبيق هذا النموذج يتطلب ما يسمى ‘الترشيق الاقتصادي الحكومي’ كمتطلب أساسي له، ويعنى بذلك حزمة من التغييرات الجذرية لنزع ما يرون أنه من ثياب الاشتراكية البالية، مثل الضرائب الحكومية على الشركات، والتحكم الحكومي في القطاعات الإنتاجية والرخص، والتحكم الحكومي في مصادر الطاقة والخدمات العامة مثل شركات الكهرباء والمياه والطاقة والخدمات الصحية، والمستشفيات، والبنوك، وغيرها. بمعنى أن في رؤية الليبراليين الجدد، لا مكان للحكومات البيروقراطية البالية في عجلة الانتاج، ولا بد أن تبتعد عن طريق السوق الحر ليهيمن سبيل الابتكار والربح وزيادة الفعالية باستخدام التكنولوجيا وتقليل النفقات بأي طريقة على حساب زيادة الإنتاجية والربح.
ولا أحد يبحث في الاقتصاد الدولي يستطيع انكار ان ما وعدت به النيوليبرالية قد حدث، فقد تكونت عمالقة الشركات العالمية المصنعة لمختلف المنتجات بمختلف الأصناف والسلع بمختلف درجات الجودة، وقد تنافست بينها لإرضاء المستخدم، وقد أدت الى رفع النواتج الوطنية لدولة الأم والدول التي تدخلها عن طريق الاستثمار، وقد خلقت الوظائف، وقد أدت إلى رفع عدد كبير من البشرية من الفقر إلى الطبقة المتوسطة.
هذا الكلام يبدو حلماً جميلاً للمشاهد السطحي، ويبدو بعد قراءته أن من كانوا وما زالوا يتبعون هذا النهج الاقتصادي في الأردن ما اسميهم ب ‘قادة الخصخصة و الترشيق الحكومي’ هم محقون في افعالهم، وحريصون على نهضة الوطن من خلال الاعتماد على النظرية الاقتصادية النيوليبرالية واتخاذ دول مثل الولايات المتحدة كمثال نجاح عليها.
ولكن ليس كل مايلمع ذهباً، و الشواهد الواقعية التي سأذكرها تعلل فشل هذا النموذج الاقتصادي على المدى الطويل و أثره السلبي على الديموقراطية و الحرية التي نادى بها وكذلك أثره السلبي على التطور البشري الذي نادى به، وأن هذه الشواهد تثبت فشلاً ذريعا مماثلاً إن لم يكن أعظم من نقيضها التجربة السوفياتية الشيوعية، التي لا نختلف انها كانت مثالاً واضحاً أن الاشتراكية السلطوية (Authoritarian Socialism) ,و نسختها السوفياتية الملقبة بالاشتراكية الستالينية\اللينينية (نسبة الى جوزيف ستالين و فلاديمير لينين، تباعاً) كانت تجربة فاشلة، أدت إلى فقدان النمو الاقتصادي و الحافز للانتاج، و احتكار الإنتاج في يد السلطة البيروقراطية.
و هنا نوضح للقارئ أن الاشتراكية بمفهومها النقي هي مفهوم اقتصادي مختلف عن الشيوعية و سابق للشيوعية برمتها، وأن له تطبيقات و مناصرين على مدى التاريخ في العالم الغربي و أوروبا و حتى الولايات المتحدة، و ان الاشتراكية لها اتجاهات و تفسيرات عديدة على الواقع منها الماركسية (Marxism) و منها اللوكسمبورجية (Luxembourgism) واشتق منها ما هو يطبق حاليا في دول أوروبية متقدمة مثل الاشتراكية الديموقراطية (Democratic socialism) و النسخة الأقل حوكمة منها ما يسمى بالديمقراطية الاجتماعية (Social Democracy) وهما أساس الاقتصاد الاسكندنافي (النرويج، السويد، فنلندا، الدنمارك) التي أثبتت تفوقها على باقي دول العالم على معظم الأصعدة، و شعوبها تحصل بشكل متتالي على تصنيف أسعد شعوب في العالم.
وانا هنا لست بمناصر لهذا او ذاك ولا أحسب نفسي الا مشاهداً موضوعيا للفرضيات ونتائجها، ولذلك على لزاماً أن أقدم لكم الأدلة الموضوعية على فشل النيوليبرالية.
أولاً:
النيوليبرالية تنزع قدرة الدول على التحكم والشركات وأصحاب الأموال، وبالتالي الدول النيو ليبرالية تتقاسم او تخضع لحكم اصحاب الأموال وهذا واضح تماماً لأي مشاهد للمشهد السياسي العالمي. ذلك أن الشركات العظمى التي تنعمت بحريتها الاقتصادية دون أي تدخل حكومي قد وصلت الى مراحل هائلة من الربح ففسدت وأصبحت قوى سياسية عظمى. فإن الشركات العظمى هذه أصبحت لاعباً رئيسيا ان لم تكن اللاعب الوحيد في السياسة الدولية. فنرى أن الشركات تستخدم أرباحها الهائلة المليارية للتأثير على القرار السياسي في أي دولة ترى أن سياساتها تقلل من الربح وذلك عن طريق جيوش من المحاميين الملتفين على القوانين الضريبية وغيرها، واللوبيات وشركات العلاقات العامة والإعلانات المليارية الترليونية للتأثير على آراء عامة الشعب والسياسيين سواسية. وذلك دون احتساب الرشاوى والابتزاز.
اذاً ان من يدعي أن السوق الحرة هي حرة فعلاً هو شخص مثالي وأفكاره توجد في عالم الأحلام فقط. فإن النظام السياسي التي خلقته هذه النخبة هو بالفعل ما يسمى البلوتوقراطية أو الاوليغارشية ـ حكم الأثرياء، وهو مشابه الأرستقراطية ـ حكم النبلاء.
فبالتالي فإن النيوليبرالية بهدفها المثالي لخلق الحرية وتحرير الفرد من السلطوية الحكومية، قد خلقت وحشاً أبشع من ذلك، وحشاً لا يعرف الا الارقام والحسابات والفعالية، لا يهمه من انت، كل ما يهمه هو ما تعادل من أرباح.
النيو ليبرالية هي بلوتوقراطية وليس ديمقراطية، نقطة.
ثانياً:
النيوليبرالية الرأسمالية تفترض أن قدرة الابتكار متساوية لدى جميع أفراد البشرية وان بتطبيقها سيكون للجميع حصة الأسد من الإنتاج والربح وهذا كلام عضوي وليس واقعي. إن البشر لديهم جميعاً نفس التركيبة العصبية الدماغية بلا شك، ولا دليل علمي يقول بأن القدرات العقلية تختلف بين الذكر والأنثى، أو الأسود والأبيض.
رغم ذلك، فإن النيوليبرالية لم تأخذ بعين الاعتبار، الفوارق الاجتماعية الاقتصادية. فإن جميع الأدلة العلمية تؤكد بأن من يحظى بتعليم أفضل سوف يمتلك مهارات تمكنه من الابتكار بشكل أكبر، ومن يحصل على التعليم من سن مبكرة أكثر أيضا لديه هذه الأفضلية، وايضاً من يتخرج من جامعات مرموقة مثل هارفارد وييل ليس كمن يتخرج من جامعة غير معروفة. وأن من يحصل على رعاية صحية ممتازة تمكنه من العيش أطول بشكل صحي أكثر مما يمكنه من التركيز على الابتكار والإنجاز المعرفي. وان من لديه جميع متطلبات البقاء الاساسية مثل الأمن والطعام والشراب والكساء، قادر بشكل أفضل بكثير على تخصيص الوقت على التعلم والابتكار، بدلاً من السعي لتأمين الحاجات البشرية الأساسية. هذا فضلاً عمن يولدون مع اعاقات عقلية او جسدية ولا يستطيعون حولاً ولا قوة في هذا العالم الصناعي المتوحش.
و قد أشارت آخر الدراسات الاقتصادية، بأن مؤشرات الترقي من الطبقة الفقيرة للطبقة المتوسطة، بعد انفجار واضح للطبقة المتوسطة و انكماش واضح للطبقة الفقيرة في بدايات النيوليبرالية، قد اصبحت تتناقص، مما ينذر ان ما يحدث على المدى الطويل هو تناقص في قدرة الطبقات الدنيا على الترقي للطبقات الوسطى والغنية وليس تزايداً كما انذرت المؤشرات الأولية للأنظمة النيوليبرالية، و هذا يفسر بما ذكرته اعلاه، فمن يحصل على بداية جيدة في حياته من المرجح أن يرتفع في الطبقات (و هم الأقلية من البشر) و من يحصل على بداية سيئة في الحياة من المرجح -وليس المستحيل- أن يبقى في طبقته الأم أو يكون ارتقائه محدوداً بشكل كبير.
اذاً، النيو ليبرالية على المدى الطويل ليست حلاً للفقر العالمي وتؤدي الى تلاشي النمو الاقتصادي الهائل الذي يميزها مع تلاشي الصعود الطبقي، وذلك مسألة وقت لا أكثر، نقطة.
ثالثاً:
النيوليبرالية ليست اخلاقية ولا تحقق العدالة الاجتماعية. فإن من المتفق عليه لدى غالبية البشر على اختلاف أديانهم وأعراقهم وآرائهم السياسية والاجتماعية بأن الكائن البشري هو كائن يرتقي عن السلوكيات الحيوانية، وأن شريعة الغاب ليست نظاماً مرغوباً به للبشرية. فإن الرأسمالية النيوليبرالية تؤدي الى تركيز الثروات في يد قلة قليلة من الفئة السكانية بشكل مفرط وغير عادل. وإننا جميعاً نتفق بأن المبتكر لديه الحق في الربح، ولكن ايضاً نتفق ان مع زيادة السلطة تأتي زيادة المسؤولية. فإنه من المجحف ان نعرف ان نصف، نعم، نصف الثروة في العالم بأكمله، تقع في يد 1% من سكانه فقط! وان 10% من سكان العالم يمتلكون 85% من الثروة العالمية بأكملها! (أوكسفام)
طبقاً لدراسات اوكسفام انجلترا، المعروفة عالمياً، فإن وضعت ضريبة على نصف ثروة اغنى 1% في العالم، فإنهم سيبقون اغنى 1% في العالم! ولكن الفرق أن ذلك سيحرر مال كافي لضمان الرعاية الصحية والتعليم المجانيين لجميع البشرية!
في الاردن وحدها يوجد 930 شخصاً يملكون حوالي عشرين مليار دولار وفقاً لأوكسفام، بينما الأردني العادي قد لا يجد ما يأكله في بعض الأيام.
إذا فإن الفرضية النيوليبرالية الرأسمالية، بأن تقليل الضرائب على الشركات سوف يؤدي الى نمو اقتصادي هائل ينفع الجميع، هو فقط صحيح بشقه الأول، نعم سيكون هناك نمو اقتصادي هائل، ولكن لا لن يستفيد عامة البشر من أرباح هذا النمو.
ايضاً ما لم يتنبه له الليبراليون الجدد والرأسماليين بشكل عام، بأن الشركات الهرمية هذه ايضا يلاحظ فيها نفس أنماط الطبقية وعدم المساواة، فنجد ان معظم العمال المسؤولين عن الانتاج، يحصلون على اقل الرواتب، دون أي قدرة على المشاركة في صنع القرار في المؤسسة أو رفع مستواهم المعيشي.
اذاً وبناء على ما سبق، النيوليبرالية ليست الحل الأمثل، ولا مجال للخلاف مع الأرقام، والأرقام لا تكذب، ولا تحمل أي إيديولوجيات خبيثة!
رابعاً:
النيو ليبرالية والرأسمالية بشكل عام يقومان على مبدأ أن المستهلك هو من يختار من ينجح ومن يفشل في الساحة الاقتصادية، وهذا جزئيا صحيح، فمثلاً السيارات اليابانية المتقنة الصنع احتلت السوق الأمريكية المنتجة للسيارات بسهولة، نتيجة تفوقها التقني على السيارات الأمريكية. ولكن في عالم التكنولوجيا المعاصر وعالم الميديا و عمالقة التكنولوجيا وقدرة السوشيال ميديا على اظهار الاعلان المناسب بالصيغة المرتبة بدقة للشخص المناسب جعلت المنافسة غير عادلة. وأثر هذا واضح بأن الشركات الصغيرة والمتوسطة أصبحت تلتهم بشكل شبه كامل من الشركات الكبرى.
فمثلاً لا ننسى أثر السوشيال ميديا والإعلام والتسويق الانتقائي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 ونتائجها الكارثية على العالم.
إذا النيو ليبرالية قللت من تقدير قدرة الشركات الكبرى على تسيير المستخدمين في السوق، وقدرتها على إمالة الموازين في مصلحتها على حساب المنافسين بنفس الجودة، وبالتالي مبدأ حفظ الشركات الصغيرة والمتوسطة يتلاشى يوماً بيوم بشكل بطيء، نقطة.
***ما الحل إذا؟
هل نذهب للاشتراكية ونطبق التجارب السوفياتية الفاشلة؟ لا.
لا يمكن لأي دولة أن تنهض بناء على منطق تفكير واحد، ولا يمكن لأي دولة ان تقوم على مبدأ واحد ينظر له بأنه هو طريق النجاة واليوتوبيا واي نقيض له هو الديستوبيا والدمار. إن ما أفشل التجارب الرأسمالية والاشتراكية في القرن العشرين والواحد والعشرين هو أنها لم تحترم بعضها بعضاً وحاولت اقصاء الأصوات الأخرى من المعادلة لتصبح فاشيةً غير معلنة، فالديمقراطية أساس راسخ في الاقتصاد قبل السياسة حتى.
في رأيي المتواضع، وانا لست عالم اقتصاد، إنما مشاهد ومحلل للواقع والأرقام بالمنهجية العلمية التي تشربتها في المهنة الطبية، التي لا تضع أي مجال للعاطفة عند تحديد إن ما كان علاجاً ما متفوقاً على الآخر. السيادة للأرقام فقط، للنظريات وتجربتها على الواقع فقط.
وبناء على هذا المنهج، يجب على كل من النقيضين الاعتراف بضرورة الآخر، الرأسمالية القائمة على الانتخاب الدارويني الطبيعي والبقاء للأقوى هي الأقدر على تحقيق نمو اقتصادي سريع قصير إلى متوسط المدى الزمني، ولكنها خالية من الأخلاقيات والعدالة والديمقراطية وحقوق الانسان، ان بقيت على حالها أكثر من هذا. والاشتراكية التي تحترم مصلحة الجميع وتجعلها فوق مصلحة الفرد وتطمح للمساواة والعدالة الاجتماعية، ومشاركة العمال في صنع القرار الديموقراطيّ، قد أغفلت الحاجات البشرية للتنافس والتملك والنمو الفردي والتفوقية والدافع المادي الأناني للإنتاجية، وبعض الدول أخذت مبادئها إلى حد السلطوية والديكتاتورية والفاشية تحت راية التحرر من الغرائز البشرية الدنيا على حد وصفهم، ولم تستطع كل تجاربهم أن ننتزع وجودها من البشر.
الحل يكمن يا سادة ليس في تحويل الأردن إلى نيو ليبرالية تفرز النخب وتثريهم وتقصي عامة المواطنين و كناتج جانبي ترمي بعض الفتات من الضرائب و الوظائف هنا وهناك، وتجعل قرار الدولة محصوراً في حفرة رأسمالية عميقة. ولا أن تصبح اشتراكية دكتاتورية تعيش في الاحلام وتنسى العولمة وتلاشي الحدود الدولية وتعيش في معزل عن العالم وتعتمد على مواردها المحدودة مثل إحدى الدول. الحل يا سادة في الوسطية المعتدلة، التي ذكرتها سابقاً، وهي النموذج الذي اعتمدته الدول الأوروبية الشمالية الأسكندنافية ما يسمى الديمقراطية الاجتماعية وهو أحد مشتقات الاشتراكية الديموقراطية.
قد يسألني أحد: إن لم تكن الاشتراكية الديمقراطية التي تدعو بأنها الهجينة الرأسمالية الاشتراكية المثلى نفس النموذج السوفياتي البالي الذي لا نريد، وتقول انها النموذج الإسكندنافي الناجح الذي نريد، فما اثار تطبيقها على الواقع لا على الورق؟
تقوم هذه النظرية الاقتصادية على مبدأ الاعتراف أن الرأسمالية هي النظام العالمي السائد وأنها ضرورة لا بد منها في عصر العولمة و اللاحدود، ولكن ما يختلف انها تعترف ايضا ان الرأسمالية النيوليبرالية أو أي نسخة أخرى من الرأسمالية دون ضبط انتقائي من الدولة بما يخدم المصالح الديموقراطية للشعب، ستؤدي الى فساد الشعب والاقتصاد، وانهيار اقتصاد الدولة، آجلاً ام عاجلاً.
فمثلاً لنأخذ السويد كمثال حي. السويد دولة متقدمة واقتصادها بين الأفضل عالمياً ولا اختلاف على ذلك. ودائما تحتل أول عشر دول في العالم في مقياس سعادة الشعوب، متفوقة على بريطانيا العظمى والولايات المتحدة. ولكن في نفس الوقت هي من الدول التي تقتطع ضرائب عالية من الأغنياء مما يكبحهم ويحقق وفرة للدولة.
وايضاً فإن التعليم والعلاج في السويد حقوق للشعب يكتسبها أي سويدي عند الولادة بالمجان، واضيف على ذلك أن السويد من أكثر الدول في العالم مساواة الرجل والمرأة في الرواتب، وارغاماً للشركات بالسياسات البيئية النظيفة و الممارسات التسويقية الأخلاقية، وايضا السويد تضمن المساعدة للعائلة بدعم دخل شهري في حالة التعطل أو الانجاب وتضمن الرواتب التقاعدية للشعب بما يتناسب مع حاجة الحياة، وفي نفس الوقت تضمن بأن يحصل كل عامل على ساعات راحة وعطلات مدفوعة و عطلات ابوة و امومة، وعدم التغول من الشركات على عمالهم، و حتى تمنح العامل اجازة غير مدفوعة لا يطرد ولا يستبدل فيها من عمله اذا اراد ان يحاول ان يبدأ مشروعه الخاص (بشرط ألا ينافس شركته الأم)
هل هذه اشتراكية نقية؟ لا.
هل هذه رأسمالية نقية؟ لا.
السويد أقرانها من الدول الاسكندنافية لم تخترع العجلة، هي فقط وضعت لها مساراً لتسير فيه بما يخدم المجتمع، وما لا يتغول على الشركات والاقتصاد. قد أدرك السويديون ان للمعادلة شقين أحدهما النمو وتكوين الثروات وأحدهما سعادة العامة، وقد وزنوا المعادلة بما يخدم الشقين، ولربما برأيي ما زالوا بحاجة لمزيد من الضبط كمثل جميع التجارب العلمية الناجحة التي تأخذ التغذية الراجعة لتحسين القوانين و الانظمة (وهو مبدأ رأسمالي في نواته).
الحل يا سادة بالتوازن الاقتصادي:
شركات و نخب تحترم الضريبة والقانون والإنسان والعملية الديمقراطية، وسوق حر غير متروك بلا تنظيم، وعدالة اجتماعية تؤدي الى ارتفاع السعادة الوطنية ومعها قيم المواطنة و العمل والإنتاجية من جديد.
الحل يتطلب الشجاعة، يتطلب في البداية انصاف المظلومين في الأردن، وإخضاع الاوليجاركية النخبوية على تحمل شقهم من المعادلة الإنسانية لا تبرعاً منهم بمركز فلان هنا و هناك بل بضرائب تسخرها الدولة حسب الرغبة الشعبوية، وعدم الاستعجال على أرقام النمو.
سيدي المسؤول أو المستشار الاقتصادي، الاقتصاد ماراثون وليس سباق سرعة، والدنيا معنويات بقدر الماديات، و البشر سواسية ويستحقون نفس الفرصة في الحياة والابتكار تحت المرسوم العالمي لحقوق الإنسان.
سيدي المسؤول عندما نحلل ونتكلم نحن معكم قلباً وقالباً ونرى أنكم لستم شياطين. ولكن ايضاً نرى أنه لربما هناك طريقة أكثر عدالة لتحقيق المراد، و اكثر شجاعة و نجاعة و جرأة.
سيدي المسؤول الاردني، أرسم سياسة اقتصادية طويلة الأمد وكن شجاعاً ضد النخبويات وقلها بكل شجاعة للمواطنين سنتحمل معاً كوطن هذه العملية الانتقالية و انني بصدد فعل هذا و هذا و ذاك في الوقت هذا و هذا و ذاك.
إن فعلتها، ستكون المسؤول الاقتصادي الأول في تاريخ الأردن المعاصر، الذي وعد بالإصلاح الاقتصادي، وقطف ثماره، لا قطف سخط الشعب و دعائهم في الليل و النهار.
سيدي المسؤول، لست من الاوليجاركية وعائلتي في ديون لا ديوان، ولكن لدي ما أقدمه لهذا الوطن الذي احب، معاذ أن أريد منه لنفسي بل للجميع بعدالة، فاسمعوا صوتي وصوت العلم.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى