حرب المصطلحات / يوسف القرشي

حرب المصطلحات مع الشكر
عندما كنا صغاراً نلهو بكرة المطاط في شوارع الحي ، لم تكن أكبر المشاكل تحدث حول عدد الأهداف أو حتى على أهم قوانين اللعب ، بل كانت الدنيا تقوم وتقعد على من يكون : “الكابتن” .. ذلك اللقب الذي يمنح صاحبه سلطة أن يكون رأيه صواباً ولو لم يكن له من الصواب نصيب ، فضلاً عن إصدار الأوامر التي ليس لها معنى غالباً ، وقليل من الصياح هنا وهناك .
كنا صغاراً .. لكننا كنا ندرك أن هذا المصطلح له من الأهمية ما له ، كنا نعرف أن هذه الكلمة سيستمتع بها صاحبها أكثر من اللعبة نفسها ، بل وسيمتد عزها لأجيال كروية تملأ الحي بالضجيج والشغب وقطع الزجاج المنكسر من مرآة سيارة جانبية .
كبرنا وكبرت مصطلحاتنا وأصبح الصراع عليها أشد وأعتى ، بدأت التجمعات تنشأ بيننا على أساس المصطلحات والألقاب ، أصبحنا نختبر إخلاص بعضنا للمصطلح بسؤال مخفي تحت الضحكات ، صرنا نتفقد الهندام لأي خارم لانتمائنا ، ننظر بعين الريبة لذلك الذي حمل كتاباً يتحدث عن مصطلح غير مصطلحنا حتى يطمئننا بأنه يعمل على نقده وتفكيكه ، لتقوى قضيتنا و تعلو رايتنا فوق الرايات .
دروس في فضائل المصطلح ، محاضرات في قواعد الانتماء له ، مخيمات مكثفة لاستقبال التائبين عن المصطلحات الأخرى ، عملية تطهير مستمرة لصفوفنا من كل من تشوبه شائبة التفكير بغيرنا …
مع أننا كنا ندعو شبابنا للاطلاع على جميع المصطلحات ، مع التأكيد المسبق أنهم لن يجدوا أفضل من مصطلحهم هذا ، لإن هذا المصطلح هو ما كان عليه الناس قبلهم ، أساتذتهم ومعلموهم وآباؤهم .. فأنى لهم أن يجدوا خيرا منه ؟؟!
كبرنا وصرنا أمما ودولاً .. لكننا ما زلنا نتصارع على الكلمات والألقاب ؛ يعقد رئيس الدولة مؤتمراً يجمع فيه علماءا من العالم كله ليعلنوا في بيان معد مسبقاً : نحن أهل المصطلح ، فيرد عليه رئيس آخر بمؤتمر أكبر و أكثر عدداً ، يتراشق الناس في وسائل التواصل الاجتماعي ، سباب وشتيمة و صفحات في نقد الفريق الآخر ، تتوالى ردود الأفعال هنا وهناك ، ليهدأ بعد قليل ، وقد حفظ كل للآخر سبابه .. وبدأ يستعد للمعركة التالية .

ربما لا نزال صغاراً نتماحك حول لقب بسيط ، ربما …
ربما يكون اللقب مهماً جدا ، فهو هويتنا وروحنا التي قضينا السنوات في تثبيتها ..

لكن الذي لا ” ربما ” فيه .. أن أحدهم واقف وحده أمام الأحجار التي رصفناها هدفا … يسجل النقاط وينظر إلينا ضاحكاً .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى