كيف كنّا بلا موبايل ؟

كيف كنّا بلا موبايل ؟ / كامل النصيرات

كيف أشرح لأولادي أنّ الموبايل قبل عشرين سنة لم يكن من أساسيات الحياة؟ كيف أقنعهم أن (أخو أخته) هو فقط من كان يقتني الموبايل؟ وأن الدقيقة كانت بنصف دينار و35 قرشاً وظلّت تنزل وتنزل حتى صارت بالمجّان..! كيف لي الآن بعد هذا النوم بجانب الموبايل وهم ينامون معه وفيه ويصحون عليه وله أن الموبايل سرق أشياء جميلة من الحياة نفسها..؟ بل أشتاق لأن أضع عيوني في عيونهم خمس دقائق متواصلة دون أن يقطعها رنين متصل أو صوت مسج أو إشعارٌ ما من جهة غير معلومة..؟!
الآن واقع آخر؟ الآن تفاصيل غير تلك..؟ من يقول لابنه الآن: روح لدار عمّك وخبّرهم أننا اليوم رح نتعلل عندهم؟ من يقترف اليوم حماقة كبيرة اسمها الزيارة الفجائية؟ من يتجرأ اليوم على الاشتياق والذهاب لباب الحبيبة دون أن يخبرها أنه قادم بعد ساعة..؟ كان العشّاق ينظّفون الشوارع ويكنسونها بباطن أحذيتهم جيئةً وذهاباً ليظفروا بنظرة واحدة لا تتجاوز الثواني وهذه النظرة تكفيه لينشأ عوالم من الأحلام والاحتمالات ؛ وهي كفيلة بصناعة كل أنواع القلق وأنواع الأرق..؟!!. وإلاّ ماذا تعني الآن أغنية العندليب عبد الحليم حافظ (فاتت جنبنا)..؟ لو كان الموبايل موجوداً حينها لسقطت الأغنية ولا داعي لوجودها من الأصل. لأنه بدقيقة يأخذ رقمها وفي الدقيقة الثانية يكلمها وفي الدقيقة الثالثة تبعث له 50 صورة وبعد أسبوع يشبك مع أخرى ويكرّر ذات الحكاية..!.
لن ألطم على ما فات..فقد عشناه وهو الذي صنع كل ما فينا..ولن أتحسّر على أجيال الموبايل الحالي والموبايلات القادمة لأنها حياتهم وتفاصيلهم واختصاراتهم والبراءة التي تتلوث مع كلّ طالع شمس..! لكنني ما زلتُ الوديع الذي يضيع كلّما هبّت نسائم الحنين..!

 

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى