بشائر الفجر / د. هاشم غرايبه

بشائر الفجر

إثر النجاحات المتوالية التي حققها المتربصون بالأمة، والتي ما كانت لتتم بهذه السلاسة لولا المتعاونون معهم من أبناء جلدتنا، هؤلاء المعادون طوال التاريخ، لم ينالوا منها مثلما نالوا في هذه الحقبة، فغلب عليهم الغرور واستبد بهم الصلف، وظنوا أنه لا غالب لهم ولا راد لمكرهم، وأن الإستكانة والخنوع بلغا مبلغهما في حكام أقطار الأمة، واعتقدوا أنهم بذلك قد أحاطوا بالأمة، وأن استسلامها قد بات وشيكا.
في مثل هذه الحالات يأتي التنبيه من الله، ليبطل كيد السحرة، والذي جاء هذه المرة على شكل العملية البطولية التي نفذها الشهيد عمر أبو ليلى على ثرى فلسطين المباركة.
ليس من شك لدى من تابع العملية، وعرف تفاصيلها، بأنها ما كانت لتنجح لولا عون الله ومدده، وأنه تعالى رأى أن لدى هذا المرابط الشجاع نية جهادية صاقة فوفقه وسدد رميه، فقد نفذها هذا الشهيد البطل الأعزل، بكل عزيمة واقتدار، رغم أنه ليس مسلحا إلا بسكين، لكن كان السلاح الأمضى من كل سلاح هو الإيمان، من يقابله جندي مدرب مدجج بالسلاح لكن نفسه مترعة بحب الدنيا، فتغلب الإيمان والسكين على الكفاءة القتالية، واستولى على سلاحه وذخيرته، ليهاجم تجمعين للجنود ويقتل منهم ثلاثة قبل أن ينسحب من غير أن ينالوا منه، لكنهم ما لبثوا أن هاجموه بقوة ضخمة في مكان اختبائه، ولم يتمكنوا منه إلا بعد نفاد ذخيرته، وصعد الى العلا عند رب كريم.
لقد كان لهذه العملية تأثيرا بالغا يمكن إجماله في النواحي التالية:
على الصعيد الدولي، وبعد جريمة المسجدين في نيوزيلندا، والتي كشفت عما ظل المكابرون يخفونه من الوجه البشع للغرب الحاقد على دين الإنسانية والرحمة (الإسلام)، والذي كانوا يتخفون به بحجة مكافحة التطرف والإرهاب الزائغة، لتظهر الحقيقة التي طال تزييفها، وهي أن القاضي الجائر (الشرعية الدولية) الذي حكم على المجني عليه (الأمة العربية الإسلامية) بأنها الجاني وأنها هي المتطرفة وهي التي تمارس الإرهاب، هذا القاضي هو شريك المجرم الحقيقي، وبالتالي فهو صانع الشر لأنه هو الذي يغطي على أفعال الجاني (التعصب الغربي) الذميمة.
لقد خلط هذا القاضي بجوره عمدا وقصدا بين الإرهاب الذي تحركه الأحقاد والأطماع، والنضال ضد المستعمر الطامع في خيرات البلدان الضعيفة، وسولت له قوته أن يستولي عليها، الفارق هائل، فالقاتل في إعتدائه على أملاك الغير ليس كمثل قتل المعتدي الذي سلب أملاك الغير واحتل أرضه، والتفريق بينهما بيّنٌ جلي لا يخفى على عاقل، وهو كمثل الفرق بين الحق والباطل، وبين الخير والشر.
فهذا الذي يدفع الغازي المحتل عن أرضه ليس إرهابيا وإن سمّوه كذلك، وذاك الذي يقتل بدافع الحقد والكره لدين الحق هو الإرهابي فقط، والمجتمع الذي عبأه بذلك الحقد عبر العصور هو الذي يحتاج الى معالجة وتقويم لمنهجه الإرهابي، ومن يغطي على أفعاله ويبررها هو داعم الإرهاب.
أما على صعيد الأمة، فقد أعادت لكل المقهورين من قبل الحكام الطغاة، الأمل في تغيير واقع الإحباط والتيئيس الذي فرضوه على شعوب الأمة، ومؤداه أنه لا أمل في إحقاق الحق، فليقبلوا بما هو كائن وليتخلوا عن أحلامهم في تحرير فلسطين، وفي استعادة حقوقهم المستلبة بأن يعيشوا الحياة الكريمة التي كفلها الله لبني آدم، ويرضوا بأن يظلوا عبيدا أرقاء قصارى همهمهم توفر لقمة الخبز المغموسة بالمهانة والإذلال.
هذه ليست مجرد أحلام يقظة ولا أوهام خادعة، كما يحاول المضبوعون المبهورون بالغرب من أنظمة وأدواتهم العلمانية المحلية أن يصوروها، بل هي حقيقة بدليل الأصداء البالغة التي أحدثتها هذه العملية في الكيان اللقيط، وحجم الحماسة التي اتقدت في النفوس على عرض الأمة.
فيا أيها المرتعدون كفاكم انبطاحا، وانتصبوا على أقدامكم، فمن يخيفكم جبان، ولم يبقه متحكما بكم غير تخاذلكم عن الإنتصار لحقكم، وبئست الحياة بذلة، فما للعيش من قيمة إن لم يكن كريماً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى