شهيدنا…شهيد القلعة الاردنية / بسام الياسين

شهيدنا…شهيد القلعة الاردنية

{{{ الشهداء يبذرون قطرات دمهم الغالي ، ثم يحصد الفاسدون الغلة رتباً عالية،مواقع متقدمة،غنائم معلومة و اخرى غامضة.هذه المرة كانت مختلفة،فقد لقنَّ الشهداءُ الارهابَ في قلعة الكرك الشماء درساً لا يُنسى،وحطموا في الوقت ذاته التماثيل المحنطة في واجهات العرض في “عمان ” ذوي البدلات الغالية وربطات العنق المزركشة المعروضة للنفخة والفرجة والاستعراض امام العامة…هناك يبذلون الارواح ،وهنا في المكاتب المكندشة يحتسون القهوة،ويتسلون بحل الكلمات المتقاطعة…وما عرفوا ان الشهيد اشرف و انبل مخلوقات الله قاطبة ،فلا تمنّوا عليه مهما اعطيتموه،فان الله في عليائه تعهد بإكرامه وتكريمه.كما روى سيدنا محمد صلوات الله عليه الذي لا ينطق عن الهوى في الحديث القدسي :ـ ” انا خليفة الشهيد في اهله ” }}}

إجلالاً لما فعلت تنحني حروفي لك…تخجل المراثي من غالي دمك…انت اعطيت اعظم ما ملكت…فماذا نعطيك نحن غير الكلمات… قل لي من انت يا انت،وقد بلغت ما بلغت منزلة رفيعة عند الله ومكانة محمودة بين الخلق ؟!. ما اعطيت اكبر من رنين الاغاني،احلى من صهيل الاناشيد،اكثر خلوداً من مقالات الاشادة بالبطولة… ما نعطيك يذهب… اما ما اعطيتنا يبقى على مر الحقب… ما انطفئت كالشهب حين ارتقيت …لكنك سموت كالسُحب. فانت اكرم ما حملت الارض على ظهرها،انبل ما اظلت السماء تحتها. بماذا نُكرمك والله كَرمكّ…بان تحمل الملائكة على اعناقها نعشك…تتطيّب بطيب ريحك…ما اروع نهايتك،و انت تروي لنا حكاية المجد،… ثم تُسّطر ملحمة على ارضك ليكون عجاج ترابها شاهد لك،يوم يسألك الله ماذا فعلت بقلعة الكرك ؟!.

شهيدنا انت ما مت … “بل احياءُ عند ربهم يرزقون ” انت حي يرزق بيننا… يعني انك يوم اسلمت الروح بدأت . ميلادك كان ساعة استشهادك .فما اجملك حين تصطف الملائكة زرافات ووحدانا لاستقبالك…ورضوان خازن الجنة يفتح ابوابها الثمانية لك… يأخذك من يدك الى حيث مقعدك العلوي…{ إن المتقين في جناتٍ ونَهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر } .مراسم تكريمك تبدأ من لحظة ان تطأ قدمك الجنة :ـ ” ويوضع على راسه تاج الوقار،الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها …” هكذا اخبرنا رسول الله.فسلام عليك ” يوم ولدت،ويوم مت،ويوم تُبعث حيا “.خلعت رتبتك الدنيوية حين نزفت دمك، فاكرمك الله بترقيتك ان تكون مع الانبياء والصديقين في اعلى عليين، منزلة لا يصل اليها الا خاصة الله الخاصة من عباده المٌكَرمين .

مقالات ذات صلة

هاتِ يدك لألثمها…،اشم مسكها… اتلمسها خلاياها خلية خلية وهي تُسّبح الله ، ففي تضاريسها ارى خارطة الوطن،وفي نتوآءتها ارى قلاعنا الرابضة على القمم…قلعة الكرك ،عجلون ، الشوبك….وفي خطوط جبينك العميقة، اقرأ تاريخ بطولة الصحابة وسفر الرجولة…ما اروعك…على وقع جرأة قلبك تفتحت زهور الاقحوان الدامية،وعلى خطاك طلع العشب قبل موعده مزهواً بخضرته لستر عُري الارض الذي اقفرت قبل ان ترويها بنجيع دمك.

يا اجملنا ما اجملك. بك يكون الكبرياء ولمثلك يحلو الانحناء.لا ابالغ ان قلت لك :ـ لا يستحق الدمع غيرك…لا اجانب الصواب ان قلت لاهلك، لا الدمع يسعفني…لا المراثي تخفف عني… مثل يعقوب انا …ابيضت عيناي حزناً،و اشتعل راسي شيبا… انت يوسف الجميل ـ صبر جميل وبالله المستعان ـ …{ انما اشكو بثي وحزني الى الله }…دمك الارجواني ، ريحك الياسمين،قامتك النخلة.تحكي لنا حكايتك،يوم اسرجت حصانك قبل هطول الفجر،ونحن نيام ولما صحونا بعيون ذابلة،و ايادٍ راجفة ، كنت انت الأَنت تحمل راية الشهادة المخضلة بدموع الامهات والزوجات الوفيات…،في طريقك الى سدرة المنتهى،تيمم وجهك شطر الله حتى تسمع اطيط عرشه باذنك…فما اقربك الى الله هنئت…فيما كانت النخبة الفاسدة تتحلق حول مجامر الحطب المنهوب من الاحراج ، بملابس النوم الحريرية،تُشنّف آذانها طرباً على فرقعة البوشار،وطقطقة انفجار الكستناء…وتحتسي ما لذ لها من ” المشاريب المستوردة “…تٌبا لها.

شهيدنا على عروق صخرة صوان الوطن حفر اسمه…اسمه لا ينمحي…ذكر عَطِر ،ذاكرة وطن…ذكرى ملحمة معمدة بالبارود والدم…عوامل التعرية لا تنال منه بل الريح المرسلة تُعَمِقّه…مطر السماء تُطّهِره…في شقوق حروفة الآمنة المطمئنة تعشعش حمامة وادعة،تستودعه افراخها لانها تشعر عنده بالحماية من غوائل الزمن…تشعر بالدفء من زفير انفاسك،فقد علمتها الايام ان لا تأمن غيرك من قناصي الجوائزوالباحثين عن السلطة والثروة من النخبة الملعونة.فطوبى لك ، وافرح بما آتاك الله من فضله…فجائزتك خير وابقى ـ ان شاء الله ـ .

شهيدنا تميمة نعلقها في رقابنا،لدفع فواجع الايام عنا… تعويذة نحملها في صدورنا ساعات الغفلة لكل ما يُغافلنا على حين غرة…خاطر بنفسه ليمنحنا السكينة… ركب عربة الموت المسافرة الى اللا نهايات البعيدة لإجلنا…ـ يا شهيدنا ـ من اي ثدي رضعت حتى اكتملت وصرت بشراً سويا يقارع الموت…سبحان من صورك في ابهى صورة …وخلقك في احسن تقويم …وجعلك في افضل تكوين ؟!.ذلك هو السر الالهي الذي اودعه الله فيك منذ ان تخلّقت نطفة في رحم امك،كتب الله على جبينك ان تكون مشروع شهادة…وهي منحة الله لعباده المخلصين.

من عيني إنفلتت دمعة مكابرة…بكيت… حين رايت من كان يحمل همَّنا الامني، مُسجىً في نعشه،محمولاً على اكتافنا. غيابه موجع… رحيله صعب،لكنه امر الله…الدفاع عن مسقط الروح يستدعي تقديم الروح.المنتمي غني بانتمائه يدفع ضريبة الدم عنا بينما النخبوي فقير بوطنيته. ينهب البلد،يتهرب من الضريبة ،و يهرب حين يحس ان الوطن في خطر .صعلوك هو من يرى الوطن صنماً من تمر للأكل…وعندما يشبع يقذف الناس بالنوى.شُلت يداه…لا بارك الله فيه.فما يخرج من فيه الا ساذج الكلام وتافه القول.

الابقى من يبقى يوم الشدة مغروساً في ارضه .فمَنْ لهذه الارض الطيبة مثلك…ان لم يشخب دم شريانك انت ـ يا عريسنا ـ على ترابها الطهور.. فهل يشخب ممن ليس فيهم دم ؟!.ان لم تسورها بعظام صدرك فمن يرد عنها الاذى ؟!.هل يفعلها اصحاب الهشاشة الوطنية،والعظام المسوسة الجالسين في قصورهم يطقطقون المكسرات،ويأكلون الكافيار،و يكرعون السم الهاري حيث ثمن العبوة تصرف على عائلة بقضها وقضيضها طيلة شهر قمري ؟!. قاتلهم الله اينما ولوا وجوههم…هم القلة القليلة التي اكلت اكثرية الخيرات وتركت القلة القليلة للأكثرية الكاثرة ؟!..

حروفي الواثقة من نفسها ، تتعلثم كطفل في حضرتك،رغم انها لا تهتز لها فاصلة امام الجبابرة.انهم قامات منخورة يعانون متلازمة الخواء، لكنهم يمثلون كذباً دور الاقوياء…صدقني يا شهيدنا انهم كّذّبّة،و انت تجعلني حافلاً بالثقة،وتدفعني دفعاً لإقلب الطاولة على رؤوسهم… واصرخ ملْ فمي من اعلى مئذنة في المدينة :ـ كفى،ما فعلتم وتفعلون بنا…كفى صفاقة…دولتنا الفتية شاخت قبل آوانها، لغياب القادة القياديين في الاوقات العصيبة،كماعلمتنا التجارب المريرة انهم ضعفاء في فن الادارة،لا يستطيعون ادارة ازمة حتى لو كانت صغيرة صغيرة. مثالاً لا حصراً،ترانا نغرق في شبر ماء ان اكرمنا الله بـ ” شتوة “،ونحرق الاطارات ونغلق الطرقات اذا حُبست امطار السماء،فما بالك بالقضايا الكبيرة.

سيدي الشهيد :ـ ارجوك ان تغض طرفك عن انفعالي،و ان لا تساورك الشكوك انني ذهبت الى حدودي القصية في الشوق لك والالتياع عليك،اما كراهيتي للنخبة المتطوسة بالوانها الزاهية ليس لها حد…ومحبتي لك اكبر من ان يتسع لها قلب… اضعف من ان يمسكها لسان،خصوصاً يوم يلمع وجهك امامي كالبرق،ويدوي اسمك في سمعي كالرعد.

لله درك، ماذا اقول لك ؟!. أأقول ما اعظمك يوم كشفت هشاشتنا… فضحت فقرنا الوطني … عرّيت ضعف انتماءنا … فتحت صندوقنا الاسود امامنا….وضعت النخبة في قفص الاتهام…لانك يوم كنت تعوم بدمك….يوم كنت تموت لتبعث حيا…كنا نعوم نحن في لُجة الكلام المرذول ،تلاوماً،ثرثرة،إتهامات فارغة ثم نتمطى في فراشنا كسالى،ونمتطي شهواتنا كالانعام …فنم يا حبيبي في سريرك الترابي، و انا في جوف الليل تتعالى على سلم الدمع دعواتي اليك… تحنو عليك… تراتيل قرآن فجري،و اسماء الله الحسنى،تهطل عليك رحمة و طمأنينية… { يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية…}

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى