الاوتوبارك في اربد / د. حسين عبيدات

الاوتوبارك في اربد
رغم أن الباص السريع في عمان لن يحل مشكلة المواصلات والمرور فيها إلا أن آثار العمل عليه والبنى التحتية التي يتم التاسيس لها هي مما يلمسه المواطن ويعاني منه حتى يصبح الحلم حقيقة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا أدل على ذلك من أن مؤسسة النقل العام عززت اسطولها بما يزيد على مئتي حافلة، والأمر كذلك بالنسبة للجسور والأنفاق والصرف الصحي وشبكات تصريف المياه التي هي ليست أكثر من ديكورات لا تسهم في حل أي من المشاكل التي وجدت من أجلها ، وتغرق الانفاق وتتهاوى الجسور وتتحول مناهل الصرف الصحي إلى نوافير شتوية تنشر عبيرها في الارجاء وتغلق شبكات تصريف المياه مع أول منخقض جوي أو حالة عدم استقرار، ولكنها في نهاية المطاف تسمى بنى تحتية.
أما مشروع الاوتوبارك في اربد فهو مشروع بلا بنى تحتية ناهيك عن أنه مشروع جباية بامتياز. فالابداع في فن نهب المواطن لا يسبقنا اليه أحد. فجأة لافتات على الاعمدة باسم شركة البلد تتحدث عن مواقف بالاجرة على امتداد شوارع المدينة معلنة ملكيتها للشوارع التي فتحت وعبدت من جيب المواطن وكدحه وعرق جبينه. وفجأة غصت الشوارع برجال كنا نضنهم للوهلة الاولى عمال وطن وإذا بهم جباة لتلك الشركة.
ماهي البنية التحتية التي هيأتها الشركة لمشروعها حتى تعلن بموجبها ملكية الشوارع؟ لاشيء على الاطلاق. مشروع دون رأس مال. لم يتم تخطيط اماكن لوقوف السيارات في الشوارع ولم يجر تركيب ساعات وقوف أو عدادات الكترونية على الاطلاق. هل رأيتم مثل ذلك في أي بلد في العالم. وفوق دفع أجرة الموقف على المواطن أن يتكفل بالاتصال من تلفونه قبل وبعد الوقوف. حتى هذا ليس لدى الشركة استعداد لتحمله ومن لا يحمل خلويا لا يحق له الوقوف في اي مكان حتى وإن كان هو من دفع ثمن المكان. أي سلب بالاكراه وبسيف القانون هذا الذي يحدث؟ أقلها إضحكوا على الناس ببنية تحتية ولو صورية ثم ابتزوا المواطن كما تشاؤون.
هل هذا أمر مشروع تسمح به الدولة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما الفرق بينه وبين الخاوات؟ أن يقدم المواطن الخدمة لنفسه ثم يدفع ثمنها. ألا يفترض أن تكون هناك خدمات قدمت حتى يتم الدفع مقابل تلك الخدمات. هذا مع العلم أن المواطن في هذا البلد يدفع ضرائب على الضرائب المفروضة على الضرائب. والخدمات هي ما ترى وتعيش لا ما تسمع.
قبل أيام كنت في زيارة لأنونيسيا هذه الدولة ذات الاقتصاد الاسرع نموا في العالم ورغم ما يحل بها من كوارث طبيعية فان مشاريع البنى التحتية من طرق وجسور وسكك حديد ومستشفيات وجامعات ومطارات على أعلى المستويات العالمية لا تتوقف. ومع ذلك لا يدفعون ضرائب ولا جمارك سيارات ولا رسوم مواقف ولتر البنزين السوبر ب أربعين قرش اردني.
وهاهو مجلس النواب العتيد في بلدنا يقر قانون الضريبة الجديد بسرعة فاقت سرعة الحكومة. لم لا مادام أعضاؤة خارج مسمى المواطنة. فالمكلفون بالدفع هم المواطنون الاردنيون أما الحكومة والنواب والاعيان ورجال الدولة فهم ليسوا كذلك لانهم معفون من دفع الضرائب. عندما يتعلق الأمر بالدفع والدفاع لا يعود ابنا للوطن إلا ابناء الحراثين لسداد أفواه الفاسدين. فمن الاف السرقات التي وردت في تقرير ديوان المحاسبة بمبالغ قاربت 2 مليار دينار أحيل لمكافحة الفساد أقل من عشرين ليقال أن الحكومة تعمل وتحارب الفساد ولتمضي قدما في سلب ما بقي من رمق لدى المواطنين. نحن واندونيسيا علينا ديون للبنك الدولي لكن اندونيسيا لا تنهب شعبها باسم البنك الدولي بل تقدم له كل ما ينهض به على كل المستويات. الفرق بيننا وبينهم انهم ليس عندهم فساد، أما نحن فأكبر مؤسسة لدينا هي مؤسسة الفساد.
لم تتحول كل شوارع إربد الى مواقف بالاجرة وهي شوارع في معظمها معدمة دون أن يكون هناك خدمات. قد يفهم الانسان أن يكون هذا في وسط المدينة بسبب الازدحام ولكن في كل الشوارع ؟ الامر واضح: سرقة المواطن علنا وباسم القانون. إلى متى سيبقون يمتحنون صبر المواطن وقدرته على التحمل وبأي اتجاه يدفعونه. نحن لا نخشى على الوطن ممن يتآمرون عليه من خارج الوطن ولكن نخشى عليه ممن يتآمرون عليه من داخل الوطن. فهل تتدخل الحكومة وتضع حدا لهذه المهزلة أم أنهم كلهم شركاء فيما يحدث؟ حمى الله الاردن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى