مجالس عشائرية لدعم القرار

مجالس عشائرية لدعم القرار
د.عبدالله محمد القضاه*

تُعدُ العشيرة مكوناً رئيساً من مكونات المجتمع المدني، وهي من ثوابت الدولة الأردنية، والمعروف أن جميع الأردنيين بمختلف مكوناتهم، وأديانهم ينحدرون من قبائل وعشائر. وعندما يتناول الحديث العشيرة في الأردن؛ تجب الإشارة أن جميع عشائر الأردن عبر ضفتي النهر، هي عشائر ذات امتداد تاريخي؛ ووشائج قربى وعلاقات مصاهرة ورحم؛ إذ لا توجد عشيرة في شرق الاردن إلا ولها امتداد غربه، والعكس صحيح، كما إن مكونات الشعب الأردني الأخرى، هي ايضاً ذات تركيب عشائري، سواءً أكانت في البادية، أم في الريف، أم في المخيم، أم في المدينة.
وعند حديثنا عن مأسسة وتنظيم العشائر الأردنية، فإننا لا ندعو لعصبية جاهلية؛ وإنما نتحدث عن تنظيمٍ اجتماعيٍ عصريٍ، يُعززُ الترابط بين مكونات المجتمع الواحد؛ ويؤسس لمجالسٍ شعبيةٍ منتخبةٍ، تُمثل مختلف مكونات الشعب الأردني، وتشرف على إدارة أمورها الاجتماعية، وتضطلع بالدور الذي لا تستطيع الحكومة القيام به بفاعلية؛ خاصة في الظروف الاستثنائية كالتي تواجهها المملكة في التصدي لوباء “كورونا”، أو لتشكل رديفاً لأجهزة الدولة، ولمنع استنزافها في الأوقات العصيبة؛ كالظروف الجوية، أو في الأزمات الاقتصادية، والخلافات الاجتماعية، والعمل الأهلي وغيرها.
ويبدو التساؤل هنا واضحاً: هل يمكن فعلاً مأسسة العشيرة؟! وما هي آلية تحقيق ذلك؟ ثم ؛ ما هي الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتطبيق هذه المبادرة على الفرد والعشيرة والدولة ؟!.
يمتاز الشعب الأردني بمستوى ثقافي مقبول جداً يؤهله على تنظيم ذاته بعيداً عن الاعتماد على الجهات الرسمية بشكل كلي، ولذلك تبدو عملية مأسسة مكوناته من السهولة بمكان.
ومن هنا فإننا نقترح تشكيل مجلس منتخب لكل عشيرة لمدة أربع سنوات؛ بحيث يتم التوافق على مهام المجلس، وصلاحياته، وآلية اختيار رئيسه، وتشكيل اللجان الدائمة فيه، وتوثيق ذلك رسمياً، واعتماد كافة الأمور التنظيمية، بموجب ميثاق يصادق عليه أغلبية أبناء العشيرة، إذ يبدو جلياً أن العشائر الأردنية بدأت تفقد دورها الحيوي التشاركي في إدارة شؤون الدولة، فهي تفتقد -على الأغلب- إلى شرعية قياداتها الذين تم تنصيبهم بصورة قسرية وعلى قاعدة “جوزك وان راد الله ” !.
أما في القرى والبوادي والمخيمات التي تتكون من أكثر من عشيرة؛ فيمكن أن يتشكل فيها مجلس منتخب من مجموع المجالس العشائرية المنتخبة، بحيث يتبلور لدينا فيما بعد مجلس القرية، مجلس المنطقة، مجلس الحي، مجلس المخيم. ويصار إلى أنتخاب رئيس لهذا المجلس، ومكتب دائم من أعضائه يمثل المنطقة التي أفرزته، ويكون له علاقة تشاركية وتعاضدية مع أجهزة الدولة المعنية.

ولا تقتصر مهام هذه المجالس على الأمور العشائرية من عطوات وجاهات فحسب؛ بل تتعدى ذلك إلى دعم القرار الرسمي من خلال تعزيز ثقافة المشاركة الشعبية، وتحقيق التكافل الاجتماعي، وتقديم الخدمة الاجتماعية، وإقامة أو الإشراف على اقامة مشاريع تنموية لخدمة أبناء المنطقة، وهذا العمل قد يخلق فرص عمل أو تدريب للشباب، كما ستشكل هذه المجالس؛ – إذا ما تم تنظيمها بطريقة مؤسسية- نواة حقيقة لتدريب المجتمعات المحلية على مبادئ الديمقراطية، وتعميق الحوار الاجتماعي، وتعزيز الوحدة الوطنية؛ كما إنها ستسهم في تنظيم العلاقة بين الأهالي ومؤسسات الدولة، وحتى مؤسسات المجتمع المدني في جوانب يتم التوافق عليها مع الجهات المعنية، والأهم من ذلك فإنها سوف تؤسس لعملية استدامة الدور المجتمعي في التكافل الإجتماعي ومحاربة الفقر.
ويمكن أن تلعب هذه المجالس الشعبية المنتخبة دوراً مؤسسياً فاعلاً في مساندة أجهزة الدولة، وفي حماية المجتمعات المحلية من أي تبعات إجتماعية، قد تنتج لإنشغال مؤسسات الدولة بالقضايا الحيوية؛ في ظل الأزمة التي تواجهها المملكة حالياً في التصدي لجائحة كورونا؛ وما يرافق ذلك من عملية حظر كلي، أو جزئي لمحافظاتها ؛ أو عدم قدرة أجهزة الدولة من الوصول إلى رحم المجتمعات الضيقة، والتعامل مع خصوصياتها المختلفة؛ ويمكن لها أن توفر قاعدة بيانات دقيقة للأسر الفقيرة، والمتعطلين عن العمل، وذوي الإحتياجات الخاصة والمرضى.
لاشك أن نجاح مثل هذه التجربة سيسهم في حوكمة العمل الحكومي، ويؤهلنا لامتلاك مؤسسات أهلية منظمة، تدعم القرار الحكومي، وتشكل رديفاً وشريكاً إستراتيجياً لقواتنا المسلحة، وأجهزتنا الأمنية في توفير الحماية الاجتماعية للأمن الوطني الاردني .

*أمين عام وزارة تطوير القطاع العام سابقا.
abdqudah@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى