التوهين التربوي: العوامل والحلول!!

#التوهين_التربوي: #العوامل و #الحلول!!
د. #ذوقان_عبيدات
تحدثت في المقالة الأولى عن التوهين التربوي ومظاهره وانعكاساته على مختلف العلاقات التربوية بين أطرافها: المؤسسات التربوية الأم: الوزارة والجامعات والمدارس، وبين العاملين فيها.
وقد لاقت المقالة ردود فعل؛ ركّز بعضها على مصطلح التوهين: سلبًا أو إيجابًا، لكن جميع التعليقات اعترفت بوجود العلاقات الواهنة وبأضرارها على التعليم، وبأن هناك عوامل أدّت إلى توهين التعليم، وطالبوا بالكشف عن هذه العوامل، وهناك من طالب الكاتب بحلّ هذا التوهين الممتد عالميّا عبر آلاف السنين ومحليّا عبر عمر النظام الاجتماعي والنظام السياسي والنظام التعليمي.
ومع. أنّ مهمة الكاتب هي التشخيص وليس العلاج لكن يمكن تقديم مقترحات تساعد الباحثين عن الحل والمسؤولين عنه. قد تكون المسؤولية مشتركة بين الجميع لكن لا يمكن المساواة بين الأطراف الضعيفة والأطراف القويّة، أو بين الأطراف ذات الإمكانات وغيرها، أو بين الفاعلين والضحايا.
إن الأطراف الفاعلة نفسها قد تكون ضحايا أيضًا: فالنظام التعليمي نفسه قد يكون ضحية لنظام اجتماعي سلطوي ونظام سياسي سلطوي، فكيف نطلب من المعلم أن يكون ودودًا حين يكون مختار القرية سلطويّا أو رجل الأمن سلطويّا أو الأب سلطويّا؟ فالمجتمع وقيمه تشكل النظامين السياسي والتعليمي، كما تشكل سائر الأنظمة الصحية والاقتصادية وغيرها.
(1)
عوامل التوهين وأسبابه
تنشأ العلاقات بين طرفين أو أكثر، فالعلاقات التربوية هي:

  • المؤسسات وأفرادها كالوزارة والعاملين عليها والعاملين فيها، والجامعات وجمهورها، والمدارس وروادها.
    -العلاقات البينية داخل هذه المؤسسات مثل؛
    معلم- مدير- مشرف
    معلم-معلم
    معلم-طالب
    معلم-أولياء أمور
    طالب-طالب
    طالب-مدرسة
    طالب- ولي أمره
    هذه العلاقات في معظمها هي علاقات بين طرفين غير متكافئين:
    أحدهما يمتلك سلطة، وقد يمتلك قدرة تفوق الآخر.
    هذا التباين لن يؤدي إلى خلق علاقات قوية، ويحمل أسرار توهين هذه العلاقات ما لم تستخدم السلطة والقوة في غير مكانها. وما يحدث عادة هو:
    ١-سوء استغلال السلطة وفائض القوة في فرض اجراءات قانونية أو شرعية مشروعة مثل احترام الكبير وحماية الصغير وغيرها.
    فالعلاقات غالبًا ما تكون هرمية تجبر الطرف الأدنى على تنفيذ توجيهات وأوامر الطرف الأعلى،
    وعبر ذلك تتسلل كل موبقات: الطاعة والخضوع وفرض الرأي والاتهامات المتبادلة…الخ
    والعلاقات التربوية تخضع لمنطق حق الكبير واحترموا كبيركم، ومن ليس له كبير فليشترِ كبيرًا. وهكذا انشغل الكبار في التعليم وهم: القادة والرؤساء والمعلمون، والطلبة المتنمرون
    انشغل هؤلاء بفرض سلطتهم وهيمنتهم على الأطراف الأصغر، وهذا سبب كافٍ للتوهين في العلاقات المتبادلة. وإذا أردنا أمثلة:
    الوزارة تقرر وتفرض قرارها بمعزل عن المشاركة من أطرافها، وكذلك الجامعات والمدارس.
    ٢-التوهين بفعل فاعل.
    والفاعلون هنا هم كل صاحب سلطة يخشى المنافسة من الصف الثاني، ولذلك يحدث “الطفس ” والإعاقة ووضع العراقيل أمام أي ناشط من الصف الثاني، فالوزير يخشى الأمين والأمين يخشى المدير، ورئيس الجامعة يخشى النائب، والعميد يخشى من خلفه، حتى المعلم يخشى من الطلبة المستنيرين. هذه الخشية تقود إلى توهين العلاقات.
    ٣-التربص والاصطياد في الأزمات أو كما يقولون”في الماء العكر”
    ولنأخذ مثالًا حديثًا جدًا: وهو حدث مظلّة الضابط والوزير!
    حدث عادي جدًا، ليس له أي نوايا، وكان يمكن أن يحدث دون أي تعليق سلبي، بل قد نراه شهامة عادية جدًا لو حدث مع وزير آخر، لكن سوء النوايا والتربص بشخص الوزير طوّر الأمور إلى قضايا كبرى ترتبط بحقوق الإنسان وكرامة الأمن؛ أنا لا أعرف لماذا تطورت الأمور هكذا لكنني أعرف أنّ في العمل تربّصًا شخصيّا غير أخلاقي، أو تربصّا من جهات لها مصلحة!
    هذا الحدث”المظلّة” ولّد رد فعل معاكس نشط فيه موظفون وكتاب في اتجاه معاكس قد يكون غير ضروري وليس مطلوبًا! وإلّا كيف نفهم حدثًا تافهًا كالمظلة يطيح بعلاقات ويؤسس لعلاقات:
    كيف نفهم أنّ أحدًا يستغل ببشاعة حدث المظلة، ويتكون مقابله طرف آخر يهب مدافعًا، تورط كثيرون في طرف مهاجم دون حق، وطرف مدافع أيضًا دون ضرورة!! فكما لم أفهم إصرار كاتب حاقد على إصدار مقالة ضد الوزير، وموظف متحمس يكتب دفاعًا عن الوزير. ألا يعكس هذا توهينًا للعلاقات انعكس على جرّ المجتمع إلى حفل عدائي وآخر نفاقي غير مطلوب بعيدًا عن قضايا أساسية في بدء التعليم وحماية الأطفال من البرد وحتى طغى حدث المظلة على ضحايا الزلزال ومترتباته.
    ٣- وما سبق يقود إلى الإشارة إلى أن في التعليم ظاهرة اسمها:
    تعظيم الأمور التافهة، وتتفيه الأمور العظيمة.لعل حدث المظلة-مع أنه ليس تعليميًا -أفضل تطبيق لهذا المبدأ، ففي التعليم تعظيم لأمور تافهة مثل؛ تقديس الحفظ والعشرة الأوائل والامتحانات والهدوء والطاعة والتنافس ومنع الحركة، والترسيب والنجاح، والعلامات، وغيرها.
    وفي التعليم تتفيه لأمور عظيمة مثل التفكير وإبداء الرأي والنقد والجرأة والخروج عن المألوف والشك وحتى العلم.
    إن انعكاسات هذا المبدأ قد يخلق علاقات واهية وواهنة بين مختلف الأطراف فلو أخذنا الامتحانات ونتائجها فإننا نلحظ توهينات عديدة مثل:
    توهين في علاقات الطلبة المتفوقين .
    توهين في علاقة الطلبة المتفوقين وغير المتفوقين.
    توهين في علاقات الطلبة بمدارسهم ومعلميهم وأهاليهم.
    وهكذا كم من الأمثلة التي تعظّم قيمة تافهة وتخلق مثل هذه التوهينات!! بل كم تحدث الواجبات المدرسية من توهينات بين الطالب وأهله ومعلمه وزميله!
    ٤-والمناهج أيضًا عامل توهين!
    المناهج والكتب المدرسية هي أقوى الروابط بين الطلبة وسائر الأطراف. وتتأثر هذه العلاقات بقدرة المناهج أو بقربها أو بعدها عن الطالب. فإذا كانت قريبة: تتحدث مع الطالب وتحاوره، ترشده إلى حل مشكلاته، تخاطب حاضره ومستقبله، فإنها ستكون قادرة على بناء علاقات، أما إذا كانت غير ذلك-وهي فعلًا غير ذلك-فإنها ستوهن كل العلاقات ذات الصلة:
    علاقات الطلبة بالمدرسة والدراسة وبالمعلمين والأهل، والأخطر من ذلك ستقود إلى توهين كل العلاقات الأخرى وليس مجرد العلاقة مع الكتب وفي الشوارع.رميها.
    ٥- وعالم اليقين أيضًا بشكل قاعدة للتوهين، فالتعليم يقدم حقائق ثابتة تربط الشخص بمصادرها بعيدًا عن محاورة زملائه أو الناس الآخرين، فالطلبة يحصلون على الحقيقة المطلقة:
    يستمع، يذاكر ويحفظ وحده، يحل واجباته وحده، يقدم امتحاناته وحده، وينساها وحده، فليس هناك من قضايا يبحث فيها، ويسأل، ويناقش، ويعمل مع آخرين، يتلقى الأمور جاهزة ويقينية، وبذلك يكتفي بمعرفته بها ودون حاجة لأي تواصل أو علاقة! فالحقائق مفروض جاهزة لا علاقة له حتى بمصدرها.
    ٦-ويعيش الطلبة في بيئة ارتياب وممنوعات: فالتجمعات ممنوعة والأحزاب ممنوعة، ويخلق التنافس ارتيابًا وخوفًا، فالزملاء المنافسون يعملون بمعزل عن بعضهم، ولا يبنون غير علاقات الشك، وربما تبادل الأخبار الزائفة لكي يضللوا بعضهم بعضًا.
    ٧- إن وجود البرنامج اليومي المزدحم لكل من المديرين والمعلمين والطلبة لا يتيح لأحد الوقت لبناء علاقة قوية، فلا وجود لأنشطة وجماعات وفرق فنية وثقافية ورياضية واجتماعية تنظم الطلبة في جماعات تتطلب علاقات قوية وأهدافًا مشتركة، وهذا يجعل جميع العلاقات وقتية وسطحية تكاد تتبخر حين يذهب كل في سبيله، طبعًا لا ينفي أن علاقات قوية قد تنشأ من ذكريات مشتركة، لكن غالبًا ما يكون لهذه العلاقات معزّزات أخرى لا علاقة لها بالمدرسة .
    وأخيرًا فإن التوهين في العلاقات يصدّر شبابًا بعلاقات ضعيفة لما عانوه في المدرسة والجامعة من استعلاء وكبت وإحباط وخيبات!!
    وكما غابت المجموعات والفرق في أثناء الدراسة، ستغيب أيضًا خارجها! ليس هناك دراسات حول سلوك الزملاء خارج الدراسة أو بعد الدراسة، لكن قد نلاحظ أن توهين العلاقات الدراسية قد عمّق الشكوك بين الزملاء حيث يندر وجود شركات ومصانع ومؤسسات أنشأها زملاء الدراسة! فالتوهين يخلق تباعدًا.
    (2)
    هل من حلول؟
    مبدأيًا إن حل مشكلة توهين العلاقات يكون بالقضاء على عوامل تكوينها، وهذا ما سيكون في المقال التالية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى