البحر الميت: بين الكارثة والعيد

البحر الميت: بين الكارثة والعيد
د. خالد أحمد حسنين

نرحب بأبنائنا وإخواننا العائدين إلى الوطن، والقاطنين مؤقتا في منطقة الحجر الصحي بالبحر الميت، سواء في الفنادق أو في الكرافانات، ونسأل الله أن يأتي عيد الفطر وهم بين أهليهم وأحبابهم بإذن الله.

وحتى نستفيد من الدرس السابق للحجر الصحي الذي انتهى (على خير تقريبا) لا بد لنا من التوقف مليا عند المرحلة الثانية حتى لا نكرر الأخطاء، ولا نقع في الكارثة لا قدر الله.

من متابعاتي الاعلامية، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، للإجراءات التي تمت قبل هذا اليوم، بدءا بالتسجيل على المنصة، وحجز الطيران، ودفع الرسوم، وغيرها من الاجراءات فقد لاحظت عدة ثغرات تستحق التوقف، إلا أنني سأتجاوز عن ذلك بسبب أمور أكثر أهمية لا بد لي من التوقف عندها، وهدفي من ذلك يعود أحبتنا إلى أهليهم بسلام مع حلول عيد الفطر باذن الله، وكي نتجنب كارثة لا قدر الله في حل انتشار الوباء بينهم.

مقالات ذات صلة

بداية أشكر للقائمين على الاستقبال والتوصيل إلى الفنادق جهودهم الكبيرة التي بذلوها للحفاظ على سلامة القادمين، وتسكينهم في مواقعهم المعدّة مسبقا بشكل آمن إلى حد كبير، ولكن أعتقد أن التحدي بدأ هنا ولم ينته بعد، فبالرغم من نجاحنا في تجاوز عمليات الاكتظاظ والتدافع التي شهدتها الفنادق في اليوم الأول للتجربة السابقة من الحجر الصحي، والفيديو الذي انتشر بشكل واسع في ذلك اليوم حول إجراءات الاستقبال وضعف الجاهزية، نجد اليوم أن الجاهزية أفضل، وأن عمليات التسكين تمت بشكل جيد باستثناء بعض الشكاوى المحدودة هنا وهناك.

في المرة السابقة، وأنا هنا أتحدث عن تجربة شخصية تابعتها يوميا مع والدتي، كانت الاجراءات الصحية الواجب اتباعها لمواجهة الجائحة محدودة للغاية، وتمثلت فقط بقياس الحرارة للقادمين في اليوم الأول، ومتابعات شكلية عبر الهاتف، أو الأسئلة العرضية غير المنظمة، ولكنني علمت أن الخطط هذه المرة تشمل فحوصات PCR للقادمين، وقد تم الاتفاق مع مجموعة من المختبرات للقيام بذلك، إلا أن “الدليل الوقائي للعائدين من الخارج” والذي أعدته وزارة الصحة مشكورة، لا يتضمن إجراءات تحوّطية كافية في تجربتنا الجديدة هذه.

وحتى يكون كلامي واضحا فإنني أعتقد أن هذه الدفعة من العائدين والدفعات القادمة والتي ستتجاوز بضعة آلاف، يدخلون الأردن من بيئات خطرة، ووصل انتشار الوباء فيها مراحل متقدمة، لذا لا بد من بناء الاجراءات على فرضية أن 5% (خمسة بالمائة) من القادمين يحملون الفايروس، والتصرف بناء على ذلك، وهذا يتطلب القيام بالاجراءات التالية (مع الاعتذار إن كنت سأقترح مسائل ربما هي واردة في خطة الوزارة ولجنة الأوبئة، وعذري أنني لم أستطع الوصول إلى كافة المعلومات الرسمية في ذلك، ولكن التكرار إن حصل فهو يؤكد ولا يضر):

1- العزل التام للقادمين في غرف منفصلة حتى ظهور النتيجة الأولى لفحص PCR، وهذا الأمر قد يتطلب من يومين إلى ثلاثة. وقد تابعت حركة مخالفة لهذا المقترح أثناء متابعتي لبعض مواقع التواصل، حيت يخرج الناس من غرفهم ويتجولون هنا وهناك، وهذا الأمر سابق لأوانه في الأيام الثلاثة الأولى.
2- فحوصات الحرارة والعلامات الحيوية، واستبانات التشخيص الظاهري لأعراض مرض الكورونا حسب تعليمات وزارة الصحة، يجب أن تكون نظامية ومنظمة، وليست عرضية، بمعنى: على القائمين على أماكن الحجر عدم الاعتماد على قراءات وجهود المواطنين المقيمين في الغرف والكرافانات، بل لا بد من جولات منتظمة لفرق طبية متخصصة، وأن يتم تقسيم كل مجموعة من الغرف على كل فرقة طبية محددة، وأن يتم تدوين البيانات مركزيا ومتابعتها أولا بأول، مع التأكيد على أن تكون تلك الفرق الطبية باللباس الوقائي الكامل أثناء التعامل مع المقيمين، وأن يتم ترك مسافة كافية عند التحدث معهم، وخصوصا في الأيام الأولى.
3- بعد ظهور نتائج فحص العينة الاولى، وعزل المرضى الذين ثبت إصابتهم، يجب التشدد في الحفاظ على بعض الإجراءات الوقائية مثل: لبس الكمامات والقفزات، والتعقيم المستمر، والتباعد الاجتماعي، وتحديد ساعات محددة للخروج من الغرف، وعلى فترات، بحيث نضمن عدم الاكتظاظ، ومراقبة ذلك مراقبة مشددة، ولا بأس باتخاذ قرارات صارمة بحق المخالفين لتلك التعليمات، فالمسألة لا تحتمل التسامح أو التساهل.
4- إعادة فحص PCR كل سبعة أيام على الأكثر، وإذا ثبت أن الفحوصات جميعها سلبية، يمكن أن يتم التخفيف من إجراءات العزل، مثل زيادة ساعات الخروج من الغرفة، ولعب الرياضة في الساحات المخصصة لذلك، مع ارتداء كافة الاحتياطات اللازمة، والحفاظ على التباعد الاجتماعي (لوحظ في التجربة الاولى للحجر الصحي قبل شهر ونصف من الآن انتشار الزيارات بين المحجورين، والجلوس لساعات طويلة داخل غرف بعضهم بعضا ودون أي احتياطات تذكر، وينبغي هنا التنبه لهذه المسألة بشكل دقيق، فالخطورة في حالتنا اليوم أضعاف ما كانت عليه في السابق).
5- التعليم والتدريب: قبل الخروج من مرحلة الحجر الفندقي لا بد من تعريض المحجورين لدورات تدريبية مباشرة على كيفية الحجر المنزلي، وضرورة الإلتزام بجملة من الاحتياطات الواردة في “الدليل الوقائي للعائدين من الخارج”، ويمكن تنظيم تلك الدورات لكل عشرة أشخاص مع مثقف صحي واحد، بحيث نضمن التباعد الاجتماعي أثناء التعليم.
6- حفاظا على الناحية النفسية للمحجورين لا بد من تنظيم سلسلة من أساليب الدعم النفسي، كالمرور الدوري على الغرف، والسؤال المستمر (والمنظم) عن الأحوال، وتوفير وسائل ترفيه وتسلية فردية ما أمكن (وهنا يمكن الاستعانة بشركات متخصصة بمثل هذه الألعاب الفردية وطلب مساعدتها في الحفاظ على حالة التعافي النفسي للمحجورين) كما لا بد من مراعاة حالات الفوبيا التي قد تصيب البعض من الاجراءات التي سيتم اتخاذها، وأن يكون هناك فريق دعم نفسي جاهز لذلك.
7- الاستعانة بشركات الاتصالات المختلفة لتوفير شبكات إنترنت عالية السرعة، وتزويد مواقع الحجر بمضخمات لإشارات الواي فاي، ودعم فني كامل، وأعتقد أن شراكات الاتصالات الوطنية لديها الاستعداد لتقديم ذلك مجانا. والهدف هنا الحفاظ على اتصال دائم من قبل المواطنين المحجورين مع عائلاتهم واصدقائهم مما يوفر لهم أفضل دعم نفسي ممكن.
8- توصية تتعلق بعملية الانفاق: بحسب وزير المالية فإن الخسائر التي تحققت على الحكومة خلال الفترة السابقة، منذ البدء بمواجهة جائحة كورونا وحتى اليوم تجاوزت 600 مليون دينار، وهذا يعني أننا نخسر يوميا ما يقارب 15 مليون دينار، وبالتالي فإن انفاق بضعة ملايين أخرى لضمان عدم تسرب المرض مع أبنائنا العائدين هو في المحصلة مصلحة وطنية عليا، ولا بد من النظر إلى المسألة بهذه الطريقة، لذا لا بأس بأن يدفع العائدون جزءا من أجور الفنادق والطيران، ولكن بالمقابل إذا كان الحفاظ على الصحة العامة يحتاج إلى أن تتكفل الدولة جزءا من النفقات الخاصة بالإجراءات الوقائية، وإجراءات الدعم النفسي فلا بأس بذلك. كما يمكن للحكومة الاستعانة بخدمات العديد من الشركات والمؤسسات الوطنية، وأعتقد أن هناك مئات المؤسسات المستعدة لتقديم خدماتها مجانا مقابل تكريم معنوي من قبل الحكومة.
9- يمكن تصنيف المشتبه بإصابتهم إلى مستويات، وعزلهم في غرف فندقية خاصة داخل أماكن الحجر نفسها، وعدم نقل كل مشتبه بإصابته إلى مستشفى الأمير حمزة أو غيره من المستشفيات المتخصصة بالتعامل مع المرضى، فهذا سيؤدي إلى إرهاق الطواقم بمتابعة حالات ربما لا تكون إصاباتها مؤكدة، وهذه الفكرة أترك تفاصيلها للطواقم الطبية المتخصصة، بحيث يتم اعتماد معايير لتصنيف الحالات، وتحديد متى يجب النقل إلى المستشفيات المتخصصة.
10- ختاما: لا بد من تفعيل أنظمة الرقابة بالكاميرات داخل أماكن الحجر كلها، وذلك من أجل التأكد من إلتزام الجميع بالتعليمات، وفيما بعد يمكن بالكاميرات أيضا تتبع المخالطين للحالات التي يتم التأكد من إصابتها، وتسهيل اتخاذ الاجراءات الطبية المناسبة معهم، وبالتأكيد دون المساس بخصوصية الإخوة العائدين.

أسأل الله أن يجنبنا مزيدا من الاصابات، وأن يلهمنا الصواب في القول والعمل.

شاكرا لكل من يتمكن من نقل هذه الملاحظات للمعنيين، لعلها تكون مفيدة.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى