تمرد الأشياء ..ومكر الساخرين / يوسف غيشان

تمرد الأشياء ..ومكر الساخرين

عثر علماء الآثار على مزهرية تعود إلى مرحلة البيرو القديمة، تظهر فيها صور الأشياء كالقدور والطواحين والأطباق وهي تمتلك أذرعا وتتعاون مع الحيوانات الداجنة والمستأنسة والمأكولة من قبل الإنسان ، الكلاب والدواجن ، جميعها تثور على الإنسان وتهاجمه.

يقول علماء الأثار والأنثروبولوجيا إن فكرة اللوحة تعود إلى مرحلة أقدم ..تحديدا إلى أسطورة قديمة تفترض أنه سيأتي يوم تثور فيه الأشياء والحيوانات على الإنسان؛ أي انها تثور ضد مضطهدها ومستعبدها وتحمله العبء الذي ألقاه على كاهلها من طحن وهرس وحماية وتناسل لغايات إطعام الإنسان أو ركوب ونقل وما شابهها.

حسب الأسطورة فإن أحجار الرحى ستطحن مخترعيها وصانعيها وتذبح الدواجن مربيها وتسلق القدور أصحابها، وقد حدث ذلك من قبل – كما تقول الأسطورة – وسوف يحدث مرة.

هكذا تم تفسير مزهرية بيرو القديمة ، أما أنا – والحمد لله على قول أنا- فأعتقد أن القصة أكثر واقعية وأقل تفلسفا مما قيل عنها . وقبل أن أفسر وجهة نظري التي تحتمل الصحة، أريد أن افترض أن تلك الفازة كانت موجودة في قصر الحاكم أو الكاهن ، أو رئيس القبيلة ..أو ما يشابهه .

ثانيا ، أعتقد أن تمرد الأشياء من ابتكار فنان مرهف يحمل مكر الساخرين ، أراد فيها أن يصور ثورة الناس ضد الظالم القامع السيد المحتل ، فوضع هذا الرسم الملتبس ، حيث قام بتبديل الناس (الشعب ) بالطواحين والطناجر والدواجن والحيوانات الداجنة، ليقول للظالم إن يومه قريب وأن الثورة قادمة…وهذا ما كان، وهذا ما سيكون ما دام هناك سلطات تقمع وشعوب تعاني .

الأكثر سخرية ، وهذا هو مكر الساخرين المكتمل ، أن القامع وضع هذه المزهرية في قصره مزهوا بها ، دون أن يدري انها تسجيل حي ومباشر إلى نهايته القريبة، ومنشور ثوري ضده، يوزعه على الناس وهو بكامل قواه العقلية..

كان الفنان الساخر يدرك أنه أوصل المعنى ، وكان الناس آنذاك يدركون المغزى ……وكان الزمن يدرك أيضا ..إذ انتهى القامع ، ولم نعد نعرف اسمه ، لكن روح الفنان بقيت مرسومة على مزهرية الخلود هذه ….فالخلود هو التناسل في الوجود……. إلى الأبد !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى