وطن موجوع / خالد عياصرة

وطن موجوع

أن انتقدت الفساد, وطالبت بمحاسبته, سيطل عليك البعض باصواتهم,العالية,قائلين: حمى الله الاردن, . لا مشكل في ذلك طبعا, أن مات هؤلاء وهم يركضون وراء تأمين رغيف الخبز ! هنا تستخدم, ضدك, كل أسلحة الأحكام المسبقة, مرة يتهموك بوطنيتك, واخرى بالعمالة, وثالثة بنشر الفوضى, ورابعة,بالحقد, لن تبخل عليهم رؤوسهم في إيجاد الاسباب,لشيطنتك.

أما إن طالبت بالانتقال إلى إصلاح الاعطال, واستعباد طغم الفساد, قالوا لك: ليعيش الأمن والامان.

وكأن الأمن والأمان محصور فقط, بالسير في منتصف الليل, في شارع مظلم دون أن يتعرض لك احد, وكأن الأمن والامان, لا يتضمن امن اقتصادي, واخر اجتماعي, وثقافي, وظيفي, سياسي, فالامن والأمان منظومة متكاملة, لا تقبل القسمة, حسب المزجة.

مقالات ذات صلة

اما ان قلت: أن بلدي موجوع, وشعبي ( من هم مثلي) يعتصر من الجوع, قالوا لك: أن لم يعجبك الاردن, ابحث عن بلد سواه, لكنهم نسوا أن الأردن ليست مجرد بلد, هي وطن , حيث مسقط راس امي وابي, وزوجتي واولادي, حيث طفولتي. لكنها, ليست بلدا, اغيره كما ملابسي, وقتما اشاء, وابدا ما كان حقيبة سفر
اتعلم ماذا يعني أن يكون لك وطن, أو تعلم ماذا يعني أن تكون لاجئ ؟

إن قلت أريد للاردن, أن يصير وطنا حقيقيا لا كيان, يشبه الشجرة الموقرة الخضراء على مدار العام, رد البعض عليك: يا هذا انت تبالغ, الاردن بخير, ما تراه أو تسمعه مجرد اكاذيب و أوهام.

إن كذبت مسؤول وانتقدت اخر, إن قال بعدم معرفته ودرايته, عمن باع موارد ومؤسسات, وشركات البلد, لتسجل كل القضايا ضد مجهول, هنا تسأل نفسك كما مجنون, من باع الفوسقات, والبوتاس, والمطار, وشركة, الكهرباء وموارد, والمواصلات, والعقبة, أن كان هؤلاء لا يعرفون, أن كان كل هؤلاء شرفاء, من الذي فعل !

في الحقيقية, لم انظر في يوم من الايام الى الاردن, حسب التقسيمات, فابن الكرك اخي, كما ابن معان, وابن عجلون جاري كما ابن جرش وعمان, وابن الزرقاء يشبه سمرة ابن المفرق, اخي العقباوي لا يمتاز عن ابن مادبا. وبات العرق المتساقطة من الحباه, تشبه مثيلاتها, في كل أرجاء الوطن.
متشابهون نحن, احزاننا, واحدة, همنا دمنا واحد, نجلد سويا كل يوم من أجل رغيف خبز مغموس بفقر دائم, نتجرع كأس الصمت والصبر, ونقول لنموت جميعا في سبيل ان يحيا الوطن, من يحميه إذن ؟

استغرب احيانا كيف يفكر البعض, بشكل مقلوب, هؤلاء يطالبوننا ان نكون اكثر تفاؤلا, مع ان الواقع لا يدعو إلى ذلك.

فهل يشعرون بنشوة الانتصار إن قلنا لهم, ان الأردن, اقوى من اميركا, لا جوع فيه, والفساد مجرد كذبة كبرى, المسؤول كما الصالحين والوزراء كما الانبياء لا يخطئون, المؤسسات تخضع لسيطرة الدولة, الموارد توزع بعدالة, الجامعات أهم من هارفارد واكسفورد, المصانع السيارات افضل من مصانع فورد, الطفل يتلقى تعليم مجاني منذ نعومة اظافرة, الطالب الجامعي يتخرج ليلتحق بسوق العمل المفتوح على مصرعية.

هنا, لا يمكن أن ترى, واسطات, أو شيوخ قبائل أهم من القضاء والقانون.

هنا لا يمكن أن ترى زعران يتعاونون مع المسؤولين, لترهيب الناس ونشر الجريمة والمخدرات بحجة الولاء والانتماء.

اقتصادنا قوي جدا, والشركات مستقرة لا تفضل الهرب , الأرضي الزراعية ومنتوجها يصدر إلى روما, وعنبها إلى اوروبا, وزيتونها إلى اميركا, شركاتها ذات ربحية منافسة, دينارها ينافس الدولار, المعلم و الطبيب لا يعتدى عليهما, المستشفيات ليست اماكن لامتصاص دم المواطن واستغلاله, المولات عروضها حقيقية, الأسواق أسعارها في متناول اليد, أما السيارت يمكن شرائها دون زيادات, أو ضرائب, والمشتقات النفطية أقل من سعرها العالمي. شعب مترف يعيش برفاهية.

أهذا الاردن الذي تريدون وتحاولون إقناع أنفسكم به, وهو ليس كذلك, ما دام هؤلاء يسيطرون عليه, ويرفضون الزحزحة عن صدرة. كفوا عن تشجيعهم, لا نطلب منكم اكثر من ذلك ؟

أهذا هو الاردن, الذي حلمتم, به يوما ليكون وطنا لأبنائكم واحفادكم ؟

فوق كل هذا, وبأسلوب مخزي, يطل عليك البعض ليقول: ماذا قدمت للاردن, حتى تنتقد رجالاته وتطالب بمحاسبتهم؟

يا هذا قدمت الكثير, يدي بيضاء لم تصاب بداء الفساد, الجيب خاوية على عروشها, لم اباع, لم اشترى, لم اصفق للظلم, لم اشجع الظالمين, اما القدمان ما هرولت خلف واسطة, وما ركضت وراء منصب.

أمطلوب مني حتى أثبت محبتي لوطني وبراءتي, أن ارفع قدماي إلى الأعلى, أم مطلوب, أن أعري ظهري لاسواط الاستعباد بحجة الولاء ؟

الخلاصة: يا ابن امي وابي, ليكن الانتماء للوطن, لا إلى الفرد, فالفرد, منا يبقى عاملا متغيرا قد يرحل في أي لحظة, ليحل محله آخر, لكن جغرافيا الوطن تبقى ثابتة, لن تتغير, لن تتبدل, رغم جراح الخناجر التي غرسها قطاع الطرق في ظهره.

‫#‏خالدعياصرة‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى