قصقصة الكلمات ومراوغة الحريات ؟ّ!

قصقصة الكلمات ومراوغة الحريات ؟ّ!

 بسام الياسين

منذ عملية الختان وانا احملُ عداءً مستحكماً للمقص، ناهيك عن كراهيتي لمقص الحلاق لارتباطه بالثرثرة الممزوجة برائحة فمه ودخان سجائره الرخيصة. والدتي – رحمها الله – ،كانت تُعّنف من يلعب بالمقص، لانه يجلب الشياطين ويطرد الملائكة كما تعتقد – رغم انتفاء التفسير العلمي والديني لتشاؤمها -. اما والدي – يرحمه الله – فكان يحمل اعتقاداً مغايراً، فاللعب بالمقص، يقطع الخميرة من البيت، رغم عدم وجود خميرة بيتنا، لاننا نشتري خبزنا مخبوزاً ،اما اذا كان قصده ـ يرحمه الله ـ قطع الرزق،.فالرزق بيد الله ولا يموت مخلوق حتى يستوفي رزقه وينتهي اجله.

المقص له ارتباط وثيق بتشذيب الشوارب، وجز صوف الماعز وغيرها من الدواب،ثم تطور الى عمليات تجميل كلاب الاثرياء.و لا يغيب عن الذهن ان كثيرا من الصحف والمجلات والكُتاب يعتمدون عليه في القصقصة،للطش ابداع المبدعين وتجييرها لانفسهم، خاصة المواقع الالكترونية التي تعتمد كلياً على “الـقص..واللصق”.

المقص لعب دوراً في الامثال الشعبية. “العب بالمقصقص حتى يجيك الطيار”. ويقال عن الرجل الكذوب ” الزلمة مقص كذب” و “الزلمة بقص” و” الكلب بقص الاثر “.في باب المدح يقال ان فلانا صاحب ( مقص ذهبي) صفة للخياط الحاذق ،وصاحب الاصابع الذهبية للموسيقار البارع، وهناك مقصات عرفية مؤذية:مقص الرقيب في السينما، مقص رئيس التحرير في الصحافة ،مقص المطهر للتخلص من الزائدة عند الذكر، لكنها تطورت واصبحت بالمقص الكهربائي .

 وتطلق كلمة مقص للوقوف الاجباري و عند تبديل الاتجاهات او الالتفاف عليها. في خطوط السكك الحديدية،توجد مقصات للدوران نحو اليمين او اليسار.وهناك الانعطاف نصف دائرة و الالتفاف الكامل 360 درجة, تضرب لاصحاب المواقف الذين يغيرون اتجاهاتهم و ينقلبون على مبادئهم.

 ابلغ مصطلحات المقص في مجال النفوذ: المسؤول الفلاني´”قص فلان من شروشه”، اي ـ انهى خدماته و جاب آخرته – .وباتي المقص في معرض التهديد : ـ والله لأقص شاربه ـ الحامل في طياته ذروة الاهانة. فالعنترية عند العرب ،تقتضي وجود شاربين كثيفين،يختبئ في ادغالهما سرب من الحشرات.ويستخدم المقص في الاطباق على الخناق بالمصارعة : ” امسك خصمه مقص”. بمعنى كتم انفاسه للحصول على استسلامه وبالتالي فوزه .

وهناك اصطلاحات احتفالية. قص الرئيس الشريط ،يعني افتتاح مشروع حيوي، وتأتي مدحاً للفحولة عند الرجال ليلة الدخلة ” العريس قص الشريط “.

المقص دخل الخدمة الرسمية كلاعب حاسم، حينما شارك في انتخابات عام 1992 حيث استخدمت الحكومة، على ذمة بعض المصادر، الآف المقصات لقص هويات الناخبين. وكانت عملية غير مسبوقة في التاريخ السياسي. ولا ندري ما هي المسوغات القانونية التي اتكأت الحكومة عليها ( في القص). كما لا ندري اين ذهبت تلك المقصات؟!. وما هي استعمالاتها المستقبلية؟!. ما يهمني ان هويتي احتفظت بعذريتها،في كل الانتخابات النيابية، رغم حملات الاغواء الرسمية لجرجرت الناخبين للاقتراع ،لانني على يقين ان من يقص هويتك يخلعك من جذورك و ـ يجيب اخرتك ـ

لعبة القص،قصقصت اجنحة المواطن وحولته الى كائن زاحف . فاستخدام مقصات الجرائم الالكترونية لقصقصة “السنة الصحافيين واجنحتهم “، جعلتنا في ذيل الامم حرية وتعبيراً عن الذات وردة للعودة بالناس الى عهد التلفزيون ـ الاسود والابيض ـ ذي العين الواحدة كاعور الدجال وللصحافة الحكومية ورؤساء تحريرها الموظفين،و كُتابها المنتفعين .

 في اسكوتلندا ،قامت مظاهرات واسعة غطت البلاد ،بسبب نقص ورق تواليت الحمامات،فيما نعاني نحن من فائض في ورق الكتابة الانصع بياضاً من الياسمين و انعم من جناح فراشة،لكننا مكبلون بالقوانيين اللاجمة للحرية. فمتى تسترد الكلمة اعتبارها التي تعرضت للتهليس من جميع الحكومات،وحولتنا من امة إقرأ الى امة اركع؟!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى