في ذكرى الإنتفاضة الفلسطينية الأولى

في ذكرى الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، إنتفاضة الحجارة التي حركت المعمورة
م.علي فريح ابوصعيليك

تتجدد الذكرى السنوية للإنتفاضة الفلسطينية الأولى (8 ديسمبر 1987) “إنتفاضة الحجارة” والتي كانت الحجارة هي وسيلة المقاومة التي إستخدمها أبطال فلسطين في الدفاع عن أرضهم ووطنهم ضد العدو الصهيوني المحتل المدعوم بالأسلحة الحديثة من دول العالم الغربي وخصوصا الولايات المتحدة.

شكلت الإنتفاضة حدثا كبيرا في تاريخ المقاومة الفلسطينية لأنها إنتفاضة الداخل الفلسطيني والتي نتج عنها بعد ذلك العديد من الأمور المهمة ويعتبر الكثير أن “إتفاق أوسلو” ومن ثم الحكم الذاتي في جزء من الضفة الغربية وقطاع غزة ووجود “السلطة الوطنية الفلسطينية” هو أحد مخرجات تلك الإنتفاضة.

الحقيقة أن “أوسلو” كانت نقطة سيئة في تاريخ إحتلال فلسطين عند تحليله من زوايا عديدة ليس أقلها أنه أعطى الذريعة لتنصل الإحتلال الصهيويني من قرارات الأمم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية وأهمها قرار 242 الصادر عام 1967 والذي يدعوا إلى انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي التي احتلها عام 1967 بعد حرب الستة أيام وهذا القرار كان بموافقة الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

بدأت شعلة الإنتفاضة بعد حادثة الدهس التي قام بها سائق صهيوني نتج عنها إستشهاد أربعة عمال فلسطينيين على حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة، وإمتدت المواجهات بداية من مخيم جباليا شمال قطاع غزة وإنتشرت لتشمل قطاع غزة والضفة الغربية، وإذا كانت حادثة الدهس الشرارة، فإنها لم يكن الوحيدة، فقد كانت الممارسات العنصرية اليومية للمحتل الصهيوني تجاه الأهل في فلسطين أكبر من أن تحتمل حتى وصلت لحظة الإنفجار.

لم يمتلك الشبان الفلسطينيين أكثر من الحجارة والإرادة والإيمان بقضيته في مواجهة ألة القتل الصهيوني التي إستخدمت منتهى العنف بأوامر وزير الدفاع رابين حيث إشتهرت صور جنوده وهم يكسرون عظام الشبان العزل، وتم إستخدام الرصاص الحي وقتل وجرح الآف الفلسطينيين، ووصل عدد الشهداء قرابة ألف ومئتان شهيد وعشرات الألوف من المصابين، وتخلل الإنتفاضة إعتقال عشرات الألاف من الشبان الفلسطينيين.

من ميزات إنتفاضة الحجارة أنها كانت شعبية تلقائية بدون تخطيط مسبق ولم يكن فيها فصائل إنما عبرت عن إرادة شعب حر يبحث عن حريته حتى لو كان السبيل لها الإستشهاد، وخلال الإنتفاضة تشكلت التنظيمات الشعبية القيادية للإنتفاضة من رحم الإنتفاضة نفسها.

شكلت إنتفاضة الحجارة ضغطا عالميا كبيرا على الكيان الصهيوني حيث كانت صور وفيديوهات الممارسات الوحشية للمحتل من تعذيب وقتل تنتشر يوميا في وسائل الإعلام العالمية ورغم إظهار العدو عدم المبالاة تجاه ذلك وزيادة الدعم الأمريكي للكيان، إلا أن ذلك لا يخفي حقيقة الضغط الذي نتج عن الإنتفاضة وإيصالها لقضية إحتلال فلسطين وفجور المحتل الصهيوني لضمير شعوب العالم الذي عرف العديد منهم عن القضية الفلسطينية من خلال إنتفاضة الحجارة.

إستمرت الإنتفاضة الفلسطينية الأولى ستة سنوات وإمتدت ما بين 8 ديسمبر 1987 حتى 13 سبتمبر 1993 وإنتهت بتوقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، ولكن اليهود كعادتهم في التنصل من كل الإتفاقيات، فعادت الثورة الفلسطينية من جديد في نهاية عام 2000 وإستمرت حتى عام 2005 فيما أطلق عليها الثورة الفلسطينية الثانية والتي جاءت بعد الزيارة الإستفزازية التي قام بها أرئيل شارون للمسجد الأقصى.

ومع تجدد ذكريات الإنتفاضة الفلسطينية مع سلسلة إتفاقيات التطبيع وتغيير جذري في موازين القوى وسياسة الدول العربية تجاه المحتل الصهيوني ومحاولات طمس وتغيير الحقائق والثوابت التاريخية، يجد الإنسان الفلسطيني نفسه أمام معركة من نوع جديد، يتمسك من خلالها بهويته التاريخية التي تحاول الصهيونية العالمية طمسها بل وسرقتها، فالكثير من الموروث الشعبي الفلسطيني من طريقة اللبس والأكل والعادات أصبح يتم الترويج لها كجزء من الهوية الصهيونية للكيان المحتل!

مما ينبغي أن يكون أحد أهم مخرجات إنتفاضة الحجارة هي ان ترتكز القوى الوطنية الفلسطينية في قوتها على الشعب الفلسطيني الذي إستطاع أن يجعل القضية الفلسطينية محور الإهتمام اليومي في وسائل الإعلام في كل المعمورة وهذه القوة الحقيقية لم تفعل لغاية الأن وفشلت عشرات المحاولات التفاوضية مع المحتل الصهيوني لأنها لم ترتكز على مخرجات الإنتفاضة بل إنها مع الأسف قامت بقمع الإنتفاضة نيابة عن العدو المحتل!

ومن أهم الممارسات الصهيونية التي كشفتها الإنتفاضة هي أساليب القمع الصهيونية المتوحشة ضد الفلسطينيين، وقضايا المعتقلين والاستيطان وسياسة الإبعاد عن فلسطين ومنع البعض من السفر واجراءات المعابر ونظام الضرائب الظالم وغيرها من وسائل الإحتلال في ترسيخ الإحتلال.

زادت الإنتفاضة الفلسطينية “إنتفاضة الحجارة” من وعي الشعب الفلسطيني وجرأته في مواجهة المحتل والذي ورغم إنفاقه مليارات الدولارات لتثبيت كيانه الهش إلا أنه يدرك جيدا أنه لا مستقبل له وسط هذا الشعب الفلسطيني صاحب الحق في أرضه ووطنه، وكما قام بدون ترتيب مسبق قبل 33 عاما بثورة أذهلت العالم، فإنه قادر من جديد ان يصنع الحدث، ومن رحم المعاناة تولد الثورات.
أشعلنـــــاهـــــا بإيدينــــــــــــــا ،،، و العالـــــــــم كلّـــــــــــــــــــــــــه عـــــم يتفرّج عليـــــــنـــــــــــــــا
يـــــــــــا فلسطيــــــــــــــــــن ،،، لاجلـــــــك عالجمر مشينـــــــــــا والنصـــــر قـــرّب يا يُمّا و اتعدينا

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى