المرياع / احمد الطراونة

المرياع
هو كبش ضخم القرون عظيم الهيئة لا يجز صوفه ليبقى أكبر الكباش والنعاج وأكثرها مهابة في نظر القطيع ، ويعلق في عنقه جرس يرن اذا مشي ، فتسمعه الغنم القاصية والدانية وتعلم أن هنالك أمر بالحركة فتتبع المرياع وعيونها فيما بين أقدامها ، فتسير على خطى المرياع وبهدي من وقع أنغام جرسه ، فلا تفكر الى أين تسير لأن المرياع المهاب هو قائدها الذي لا يجرؤ أي فرد في القطيع على عصيانه ، ولو تجرأ خروف مشاكس على الخروج من الصف أو التأخر عن المسيرة لوجد كلب القطيع يلاحقه فورا ليعيده الى الالتحاق بموقعه .
من حسن حظ المرياع أنه لا أحد ينازعه على تبوأ هذا المركز المرموق ، ولا حتى الكباش الأكبر في القطيع ، فهي قد تتقاتل فيما بينها وتتناطح للفوز برضا شاةٍ حسناء ، أو للإستئثار ببقعة طويلة العشب ، لكن لا أحد منها يجرؤ على الاقتراب من المرياع ، ولا أن يطالب بخلافته حتى لو شاخ أوطعن في السن ، حتى وإن شغر منصبه ، فالراعي هو الذي يخنار من يخلفه .
أما هذا المرياع المنتشي بولاء قطيعه له والذي يمشي متبخترا على وقع أنغام جرسه ، فهو في قرارة نفسه يعلم أنه ليس صاحب القرار ، فهو يسير خلف حمار الراعي ، يسير إن سار ويتوقف حين يقف الحمار ، فنظره معلق بذنب الحمار لا يتعداه ولا يتجاوزه ، لأن صلاحياته تنحصر بالمسافة بين أنفه وذنب الحمار ، وهو يحمد الله على بلاهة القطيع الذي رضخ لمهابته والثقة بمسيرته ، والقناعة بأن مرياعها المبجل صاحب رؤية ثاقبة ، ولو رفعت الأغنام رؤوسها مرّةً ونظرت أمامها ، لعرفت الحقيقة المرة وهي أن إلهام المرياع الموهوم معقود بذيل الحمار ، لكن ماجعلها صاغرة منقادة هو اعتقادها أنه هو الذي يحقق لها الأمان .
حتى الحمار الذي يسير متقدما الجميع ، ومعتقدا أن القطيع يسير على هداه ، يعلم تماما أنه يتحرك فقط إن أمره من يعتلي ظهره وهو الراعي ، ونطق بأمر الحركة : ( حاه ..) ويتوقف إن سمع كلمة : ( هيش ) ، ويتوجه تلقاء اليمين أو الشمال تبعا لجهة جذب ( الرسن ) ، إذن .. فليس له حول ولا قوة ، لكن لحسن حظه ، فلا أحد من القطيع يعلم بهذا السر سوى المرياع ، فهو الوحيد المتعلق نظره بذيله .
كلب الحراسة وحده ينعم بحرية الحركة لكن ضمن دائرة وهمية مركزها الراعي ، فقد يسبق المسيرة أو يلتف من خلفها ، لكن عينه تبقى على الراعي ورهن أوامره ، وتكفيه العبارة الزاجرة ( إخس ) لكي يعود ذليلا الى موقع أقدام الراعي .
تعود النعاج عادة آخر النهار متعبة الى حظيرتها ، فرحة بلقاء صغارها ، وتبدأ بندائهم قبل أن تصل ليستعدوا للرضاعة ، لكن الحقيقة المرة التي تصدمها في كل يوم أن الراعي حجز عنها أولادها في معزل ، فيحلب حليبها ليستأثر به كله من غير أن يطعم صغارها غير الحليب الصناعي ، وتبقى النعاج تأمل في أن يبقي الراعي شيئا من حليبها لأولادها لكن عبثا ، فهو لا يسمح للشاة بلقاء ابنها إلا بعد أن يستنزف آخر قطرة من حليبها ، ولا يبقى لها إلا ثغاء حزينا وكأنها تقول له : إصبر يا بني فلعل الراعي يشفق علينا غدا ، لكنها تعلم في قرارة نفسها أن الراعي ما أخذها الى المرعى محبة بها ولا حنوا على ابنها ، بل طمعا بحليبها وليزداد ربحا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. الشيء المناسب في المكان المناسب الكل ممثل بهذه المسيرة لم تغادر احد اطلاقا

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى